ثقافة

جماليات التصوير الفوتوغرافي بالأبيض والأسود 2

إشراف :سميرة البوزيدي

د: الطاهر التابث

مقالة بمناسبة اليوم العالمي للتصوير أحادي اللون )أسود وأبيض(== في 12 ديسمبر للمصور د. الطاهر الثابت

منذ بداية ظهور عصر التصوير الفوتوغرافي واستعمال الأفلام القديمة وحتى وقتنا الحالي ودخولنا في العصر التصوير الرقمي، كان التصوير الفوتوغرافي بالأبيض والأسود هو الخيار المفضل لدى غالبية المصورين المحترفين في جميع أنحاء العالم، ولا زال إلى وقتنا الحالي ينال أهتمام كبير وله عشاقه. وهذا قد يجعلنا نسأل لماذا هذه الوسيلة لا زالت مفضلة حتى وقتنا هذا من قبل العديد من مشاهير المصورين العالمين بالرغم

من دخولنا للعصر الرقمي الدجيتل؟

عندما نتعلم التصوير الفوتوغرافي، تساعدنا بساطة اللون الأسود والأبيض على التركيز على الأشياء المهمة في الصورة أو التكوين، كما يساعد الأبيض والأسود على تعلم الأساسيات دون تشتيت الانتباه، فيجعلك الأسود والأبيض تركز الانتباه على الشكل والتظليل والنمط والمفاهيم الرسومية الأخرى، فأحيانا كثيرة يمكن لك تحويل لقطة

ملونة باهتة بسيطة إلى صورة أبيض وأسود مذهلة جدا.

أيضا مظهر الصورة له تأثير على النفس، فعندما ينظر الناس إلى الصورة الفوتوغرافية بالأبيض والأسود، فإنهم غالبا ما يلاحظون منذ الوهلة الأولى كيف تبدو لهم تلك الصورةكلاسيكيةوأنيقة، وهذا يعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي تجعله يحظى بشعبية كبيرة بين عمالقة المصورين، أو ربما السر يرجع لقوة اللون الأسود بالذات، والذي قال فيه الرسام الفرنسي هنري ماتيسلقد أمضيت أربعين سنة في الرسم

والتعلم فأكتشفت أن ملك الألوان هو اللون الأسود“.

تضيف الصور التي يتم إجراؤها بالأبيض والأسود طبقة إضافية من التعقيد لموضوعها. فالتصوير بالأبيض والأسود له طعم خاص لا يمكن لأحد أن ينكره، إنه تح ٍد حقيقي لإنشاء صورة جيدة باستخدام لونين فقط الأسود والأبيض، تحدي في كيفية استخدام الضوء والظلال فقط للتعبير عن المعاني الكامنة وراء اللقطة. بمجرد تحقيق هذا

التحدي، سنتمكن من إنشاء مثل هذه الصور الرائعة بالأبيض والأسود.

يفضل العديد من الفنانين الأبيض والأسود لأنه يجعل المصور والمشاهد يرى العالم بطريقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. تكون رؤية النمط أو الخط أو الشكل المتكرر أسهل مع الأسود والأبيض، وهو ما يقوم بعمل جيد للتأكيد عليه. هذا هو الحال بشكل خاص عندما تظهر صورة بالأبيض والأسود تباينا جيدا، عندما يكون اللون الأسود أسود، تكون البروزات ساطعة، بينما لا يزال بإمكانك رؤية بعض التفاصيل في كل من البروزات والظلال. يجعل الأبيض والأسود الصورة أكثر تجريدا عن طريق إزالة الصفات المشتتة

للون والسماح لنا بالتركيز على العناصر الرسومية.

يعمل الأسود والأبيض أيضا بشكل جيد في التصوير الفوتوغرافي للوجوه. فتجد نغمات الجلد بالأبيض والأسود أكثر نضوجا ومن السهل ملاحظة البقع والعيوب والتظليل غير المتساوي مما هو عليه في الصور الملونة. عيوننا تنتقد بشدة لون بشرة الوجه، ولكن

عندما نفحص الأسود والأبيض، لا يمكننا تقييم النغمات بنفس العين الحرجة.

العديد من المصورين الفوتوغرافين العالمين كانت لهم أراء حول التصوير الفوتوغرافي بالأبيض والأسود، منهم المصور الفرنسي جاي جانيون المتخصص في تصوير الحياة المعمارية والحضرية حيث قال: العمل بالأبيض والأسود يجعلني أشعر وكأنني رسام وليس مصور. يتيح لي التصوير بهذه الطريقة تركيز انتباهي على الضوء والظل والقوام والأشكال والتعبيرات. إنها حقا مسألة اختيار شخصي، ولكن في رأيي، يمكن أن يؤدي الأبيض والأسود إلى قراءة أكثر تجريدا للواقع، والتي يمكن القول إنها أكثر تطلبا وأكثر صعوبة في الإنتاج. هنا لا يمكن للمصورين استخدام الألوان الجذابة أو الضوء الملون

لإلهاء العين. لا يمكنك الغش بالأسود والأبيض.”

المصورة البريطانية هيلين راشتون وهي مشهورة بتصوير المناظر الطبيعية بطريقة أحادية قالت عندما أذهب لبعض المواقع للتصوير أجدها تصرخ لي بالأبيض والأسود، فتنقسم الصورة الرائعة بالأبيض والأسود لدي إلى فئتين: أما مثيرة للغاية مع سماء عاصفة وتركيبات جريئة أو في الطرف الآخر من الطيف تكوين هادئ وبسيطة. أما المصور الأمريكي جيسون باترسون من شيكاغو، وهو مصور فوتوغرافي محترف في أبيض وأسود للحياة اليومية في أمريكا قال إنالتصوير بالأبيض والأسود يمحو الوقت

من المعادلة“. وهذا الذي يعطيها تلك الجادبية لدي المصورين العالمين.

دين شيروود مصور فوتوغرافي مقيم في لندن ولديه خبرة في التصوير الفوتوغرافي للصور الشخصية والتحرير والإعلان قال: لم أرى صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود من

قبل وفكرت بأنها ستبدو رائعة بالألوان ولكن رأيت مواضيع ملونة كثيرة كانت ستبدو رائعة بالأبيض والأسود. أما المصور سويسري روبرت فرانك ومخرج الأفلام الوثائقية مشهور قال:” الأسود والأبيض هما ألوان التصوير الفوتوغرافي. بالنسبة لي، يرمزون إلى

بدائل الأمل واليأس التي تخضع لها البشرية إلى الأبد.”

كخبرة شخصية، وفي أخر زيارة لي لمعرض الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود للمصور الليبي والأكاديمي الدكتور حكيم مادي بعنوانصراع مع الشمسبدار الفنون بطرابلس. لحظت كم هي راقية تلك الأعمال بالأبيض والأسود وكيف تمكن المصور باحترافية عالية في إبراز جمال مدينة غدامس القديمة بتلك التفاصيل من خلال البروزات والظلال والهدوء الذي يحيط بهم، جعلنا ننظر لتلك البيوت وأزقة المدينة بشكل جديد وبأكثر جاذبية، كما ساعدتنا بساطة اللون الأسود والأبيض على التركيز على التكوين الجميل لتلك البنايات التاريخية الرائعة مظهره روعة البناء وجمالها الهندسي

وتكرار الخطوط اللامتناهي في شكلها الأنيق.

هناك مجموعة أخرى من المصورين المعاصرين الليبيين دخلوا معترك التصوير الأحادي وأبدعوا فيه كل الإبداع منهم المصور المبدع أسامة المنقوش وتلك السلسلة من البورتريات الرائعة للوجوه كبار السن وآثار مرور السنين على وجههم التي أبدعها والتي لن تمل من رؤيتها، فعند رؤيتها ستتبع عيناك بشكل طبيعي تلك الخطوط والأشكال وستسبح معها من خلال تلك التفاصيل الدقيقة مظهر روعة فنانا ومقدرته على تبسيط الصورة بدون تشتيت الألوان وزيادة طبقة إضافية من العمق العاطفي للصورة في

مركز الاهتمام، ذلك العمق الذي غالبا ما يكون من الصعب التقاطه بالألوان.

الكلمة الأخيرة، والتي اريد أن أختم بها هذه المقالة القصيرة هي كلمة قالها تيد غرانت وهو أحد أشهر المصورين في كندا ويعمل في هذا المجال منذ أكثر من 60 عاما كمصور صحفي قال: عندما تص ّور أشخاصا بالألوان، فإنك تص ّور ملابسهم. لكن عندما تص ّور أشخاصا بالأبيض والأسود، فإنك تص ّور أرواحهم“. بهذه الكلمة أختصر تيد غرانت لماذا هناك جاذبية وعمق كبير وأصالة للتصوير الفوتوغرافي بالأبيض والأسود لدي

المصورين العمالقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى