محطة
المدينة الفاضلة والرؤية الحالمة عند المثقف أثبتت الأيام أنها لا تعطي حلولاً واقعية لأزمات المجتمعات..كما انتهى منذ زمن دور المثقف الذي يمارس الاستعلاء..ويعد نفسه وصيًا على الآخرين..ويظل يعيش مرتديًا قبعة العُزلة..منفصلاً عن واقعه.. ومستخدمًا مصطلحات لا يفهمها العموم..ليبقى خطابه غير مؤثر .. ولا يشكل أي تغيير..فالثقافة اليوم هي فن ملامسة الواقع .. والاقتراب قدر الإمكان من أسئلة النَّاس الملحة..
اليوم تم تعميم ثقافة العولمة..فالحدود الجغرافية لم تعد حائلاً أمام انسياب الثقافات شئنا أم أبينا..بدءًا من )البيتزا الإيطالية إلى أزياء كوكو شانيل الفرنسية التي ادخلت البنطلون للمرة الأولى في أزياء السيدات إلى صناعة الترفيه الأمريكية(..كما جلبتْ الثورة الرقمية بدورها ثقافات جديدة على المجتمعات لتؤثر على سلوكياتهم واتجاهاتهم وميولهم..ومن هنا يلزم الكم المعرفي المتدفق المثقف على الاجتهاد لمواكبة هذا التطور الفكري والقدرة على التكيف..
لا بد أن نعترف بوجود عولمة الهيمنة التي تمتد لتكون عملية تحكم وسيطرة..فهناك معايشات لاختزال ثقافات الشعوب مست حتى الهوية..سببها الترابط المتزايد لاقتصاديات العالم الناتج عن التجارة في السلع والخدمات والتكنولوجيا وتدفقات الاستثمار والأشخاص والمعلومات..
من جهة أخرى ظهور «مثقف الإنترنت» على السطح..ليتحول إلى مثقف الشارع الذي أصبح ملمًا بكل شاردة وواردة..ويمكنه جدال الغير وتحليل مختلف الشؤون على طاولة مقهى، أو مقعد سيارة..
واليوم الدور الجديد للمثقف حتى لا يتأخر عن الركب هو تفعيل علاقته بالتنمية بشكل عام في عصر الصعوبات الحياتية.. لأن وقوف النخبة على شرفة «ثقافة الأنا» لم تعد مجدية ولا تغني ولا تسمن من جوع..وحتى لا يصبح مثقف الأمس نصف مثقف اليوم..لأنه لا يحسن التعامل مع التغييرات والمستجدات التي حوله..ولا يربط هموم الوطن بما يجري على الضفة المقابلة التي يجري نهرها أمام عتبة بيته..وإلا أصبح المثقف نفسه إشكالية عوضًا عن كونه ملاذًا..أو بالأحرى مثقفًا خاملاً ومنكمشًا وعاجزًا عن النتاج..وبلورة حلول تراعي خصوصية مجتمعه وتراثه..وإن كان ذلك صعبًا ولكن بالتأكيد ليس مستحيلاً..ولا بأس أن استفاد من الآخر وهذا لا يعد انتقاصًا من قيم المجتمع..فالأمر قبل كل شيء يتطلب من المثقف التشخيص الدقيق والخروج من الطبقية..دون ارتداء طاقية الإخفاء ليطرح مع الكل السؤال المُلح أين الرغيف.؟!.