في المكتبات تجد العشرات وربما المئات من الكتب التي تحاول أن تجيب على سؤال مهم وهو لماذا نقرأ؟
في الحقيقة عمري لم أتساءل عن هذا. منذ صغري وجدت نفسي بين الكتب. من كتب الألغاز إلى الكتب المصورة ومنها إلى القصص والروايات والتاريخ والسياسة. أنت تقرأ أولاً لأنها متوفرة ويمكنك فعلها وثانياً بسبب المتعة التي تأتي منها. البعض يقارنها بالمتعة الجنسية، ربما هي مبالغة، لكن فيها بهجة حسية مقلقة. ليس غريباً أن تسرق جنية عقلك بالقراءة.
مع ذلك حدث وأن وجدت بعض المواقف المختلفة من بعض الكتب، جعلتْ القراءة أكثر أهمية، وأقرب إلى حصالة لجمع المال.
صدف أن قرأت، وأغلب قراءاتي هي مصادفات جميلة، ثلاثة كتب أدبية وهي: “تلك العتمة الباهرة” لطاهر بن جلون، وكتاب “إنسان” لأوريانا فالايتشي وكتاب “حدائق الملك: لفاطمة أوفقير.
ما يجمه هذه الكتب الثلاثة إنها تتحدث عن “احتجاز البشر” داخل سجون أنظمة ديكتاتورية، حيث العتمة والوحدة والنمط المتكرر. تفاصيل مصممة بخبث حتى يفقد الإنسان ذاكرته ومن ثم شخصيته.
الشخصيات في هذه الكتب الثلاثة، اختارت المقاومة بطريقة مدهشة، لتكسر النمط والتكرار، باستعادة تفاصيل أمن هم الكتب التي قراؤها. ترى الشخصية من “تلك العتمة الباهرة” تعيد تركيب الروايات المهمة لترويها مجدداً لبقية المساجين، لتزجية الوقت والمحافظة على طراوة الروح. فاطمة تعيد كتابة روايات دوستويفسكي لتعلم صغارها حتى يخرجوا من تجربتهم الأليمة بنفسية متشبعة، تسمو بالتجارب الإنسانية بدلاً من يسقطوا في حضيضها.
وهو ما تجده في كتاب أوريانا فالاتشي “إنسان” توثق فيه أوريانا قصة اعتقال زوجها اليوناني، المعارض لنظام الديكتاتوري، تشرح لنا كيف قاوم القبو البارد باستعادة دراسته للرياضيات حتى إنه حل باستخدام الطين والجدارن معادلات الرياضية مستحيلة الحل، فقدها بسبب ظروف السجن.
هذه التجارب الإنسانية العظيمة قرأتها في فترة مبكرة وهو ما اعتبره الهدف الحقيقي لقراءة الكتب وربما حتى التعرف على الناس.
في فترة الأزمات تستطيع أن تتكئ وتحاول إعادة تذكر تفاصيل قرأتها وأنت في السادسة عشرة أو تعيد ترتيب سير الحرب العالمية الثانية، طبقاً لكتاب قديم قراءته بانسجام أو تعيد رسم حياة شخصية مهمة: من الطفولة حتى مراحل قطف ثمار النجاح.
سبب عظيم للقراءة، أنت تحافظ على عقلك.