رأي

 بوابة لعوالم أخرى

نجاح مصدق

علقت‭ ‬على‮ ‬‭ ‬مدخل‭ ‬أكبر‭ ‬مستشفى‭ ‬للطب‭ ‬النفسى‭ ‬فى‭ ‬أمريكا‭ ‬‭)‬‭ ‬Johns Hopkins Hospital‭ ‬‭(‬‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬رخامي‭ ‬عبارة‭ ‬تنص‭ : ‬‭)‬‭ ‬عندما‭ ‬اطلب‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تنصت‭ ‬فتبدأ‭ ‬أنت‭ ‬فى‭ ‬إسداء‭ ‬النصح‭ ‬لى‭ ‬فهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬طلبته‭ ‬منك‭ ..‬‮ ‬

عندما‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬إنصت‭ ‬إلى‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬أطلبه‭ ‬هو‭ ‬الإنصات‭ .. ‬لا‭ ‬تتحدث‭ ‬ولا‭ ‬تفعل‭ ‬شيئًا‭ ‬فقط‭ ‬إسمعنى‭ ..‬‮ ‬

وإذا‭ ‬أردت‭ ‬التحدث‭ ‬فأنتظر‭ ‬لحظة‭ ‬حتى‭ ‬يحين‭ ‬دورك‭ ‬وسأنصت‭ ‬إليك‭ ‬‭(‬

سطح‭ ‬الحجرة‮ ‬‭ ‬،الصور‭ ‬المتخيلة‮ ‬‭ ‬،نحن‭ ‬و‭ ‬المرآة‮ ‬‭ ‬،البحر‮ ‬‭ ‬،الشجرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬والظل‭ ‬حتى‭ ‬القطط‭ ‬واحيانا‭ ‬اعمدة‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬الليالي‮ ‬‭ ‬المظلمة‭ ‬،النجوم‭.. ‬وربما‭ ‬عنكبوت‭ ‬متطفل‭ ‬مفاجيء‮ ‬‭ ‬ينتصب‭ ‬بين‭ ‬عينيك‭ ‬لحظة‭ ‬تكون‭ ‬اسلمت‭ ‬روحك‭ ‬فيها‭ ‬للاشيء‭ ‬للارغبة‮ ‬‭ ‬للخواء‭ ‬اوحتى‮ ‬‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬لايجيد‭ ‬تمتمة‭ ‬الحروف‭ ‬ولربما‭ ‬زهرة‭ ‬جميلة‭ ‬تلامسها‭ ‬يداك‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬الحدائق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬او‭ ‬عابر‭ ‬غريب‭ ‬جمعتك‭ ‬به‭ ‬الصدفة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬اجترتك‭ ‬قدماك‭ ‬لللمرور‭ ‬به‮ ‬‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وغيره‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬خيارا‭ ‬مرغوبا‭ ‬وملجا‭ ‬امنا‭ ‬لتلقي‭ ‬امامه‭ ‬اسلحتك‭ ‬لتفرغ‭ ‬مافي‭ ‬جعبتك‭ ‬لتعري‭ ‬نفسك‭ ‬وتثرثر‭ ‬لتنهمر‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭ ‬تستذكر‭ ‬تثور‭ ‬وتحن‭ ‬وتتالم‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬تشكلك‭ ‬اللحظة‭ ‬وترسم‭ ‬ملامحك‭ ‬صورة‭ ‬لمشاعر‮ ‬‭ ‬عجزت‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تخبأها‭ ‬في‭ ‬صدرك‭ ‬‮ ‬‭ ‬الصندوق‭ ‬الذي‭ ‬حين‭ ‬يمتلي‮ ‬‭ ‬يحتاج‭ ‬لمعجزة‭ ‬يلقيها‭ ‬القدر‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬‮ ‬‭ ‬لاذن‭ ‬كبيييرة‭ ‬صامته‭ ‬وعميقة‭ ‬بملاح‭ ‬ونس‭ ‬حاني‭ ‬وعلى‭ ‬شكل‭ ‬قلب‭ ‬دافي‮ ‬‭ ‬يعمل‭ ‬بآلية‭ ‬الاسفنجة‭ ‬التي‭ ‬تمتص‭ ‬كل‭ ‬شيء‮ ‬

في‭ ‬لحظة‭ ‬يقودها‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬مد‭ ‬جسورا‭ ‬طبيعية‭ ‬مع‭ ‬المحيط‭ ‬او‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬تخونك‭ ‬فيه‭ ‬قواك‭ ‬وقدرتك‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حولك‭ ‬حينما‭ ‬تتزاحم‭ ‬داخلك‭ ‬الاسئلة‭ ‬بلا‭ ‬جواب‭ ‬وترميك‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬متأخرة‭ ‬على‭ ‬مرافي‭ ‬الندم‭ ‬او‭ ‬التحسر‮ ‬‭ ‬او‭ ‬حينما‭ ‬تداهمك‭ ‬الافكار‭ ‬الناضجة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬اوانها‭ ‬وتتخلى‭ ‬عنك‭ ‬نفسك‭ ‬المطمئنة‭ ‬تلتفت‭ ‬حولك‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬احدا‭ ‬رغم‭ ‬الزحام‭ ‬صوتك‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬وان‭ ‬ناديت‭ ‬حيا‭ ‬تشعر‭ ‬بثقلك‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البسيطة‭ ‬غير‭ ‬المجدي‭ ‬رغم‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬عبرت‭ ‬وتعبرعندها‮ ‬

مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‮ ‬‭ ‬ومضي‭ ‬السنين‮ ‬‭ ‬ستحتاج‭ ‬وربما‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬اولئك‭ ‬الذين‭ ‬يجيدون‭ ‬الانصات‭ ‬المستمعين‭ ‬بلا‭ ‬تنظير‭ ‬ولا‭ ‬ملل‮ ‬‭ ‬المنصتين‭ ‬بلا‭ ‬قطع‭ ‬او‭ ‬محاولات‭ ‬للطبطبة‮ ‬‭ ‬القادرين‭ ‬دون‭ ‬سواهم‭ ‬على‭ ‬شحنك‭ ‬بالطاقة‭ ‬للاستمرار‭ ‬سوف‭ ‬تكتشف‭ ‬ان‭ ‬الانصات‭ ‬مهارة‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نثابر‭ ‬للحصول‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬نتمرن‭ ‬كثيرا‭ ‬ونعمل‭ ‬جاهدين‭ ‬لامتلاكها‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬وان‭ ‬تحرص‭ ‬الامهات‭ ‬وتربي‭ ‬ابناءها‭ ‬على‭ ‬التحلي‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬التغذية‭ ‬الجيدة‭ ‬والنظافة‮ ‬‭ ‬والتعليم‭ ‬المميز‭ ‬والاخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬ان‭ ‬يدخرها‭ ‬الرفاق‭ ‬والازواج‭ ‬والجيران‭ ‬والباعة‭ ‬وحتى‭ ‬زملاء‭ ‬المهن‭ ‬ليوم‭ ‬ما‭ ‬وعمر‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬الحاجة‭ ‬لها‭ ‬كالحاجة‭ ‬للهواء‭ ‬والماء

الشاب‭ ‬المحتقن‭ ‬الممتليء‭ ‬بالاحلام‭ ‬المؤجلة‮ ‬

او‭ ‬ذاك‭ ‬الستيني‭ ‬الذي‭ ‬تشاطره‭ ‬طاولات‭ ‬المقاهي‭ ‬وحدته‭ ‬او‭ ‬الفتاة‭ ‬المسجونة‭ ‬في‭ ‬قضبان‭ ‬الصورة‭ ‬النمطيةالمتوارثة‮ ‬‭ ‬والموغلة‭ ‬في‭ ‬غلوها‭ ‬او‭ ‬في‮ ‬‭ ‬النوستالجيا‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬ذاكرة‭ ‬تلك‭ ‬المسنة‭ ‬التي‮ ‬‭ ‬ظلت‭ ‬اخر‭ ‬الباقين‭ ‬في‭ ‬قطار‭ ‬رحلة‭ ‬منهكةاو‭ ‬في‭ ‬اعماق‭ ‬مغترب‭ ‬مضطر‭ ‬الجأته‭ ‬الخيبات‭ ‬لمفارقة‭ ‬وطن‭ ‬تنكر‭ ‬له‭ ‬ذات‭ ‬يوم‮ ‬‭ ‬جميعهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬لحظة‮ ‬‭ ‬عن‭ ‬كائن‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬صوت‭ ‬ما‭ ‬بعمق‭ ‬الحاسة‭ ‬السمعية‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬يحتوى‭ ‬ويمتص‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعلقه‮ ‬‭ ‬ضغوطات‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬اعناقهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تدفعه‭ ‬الذاكرة‭ ‬بشجونها‭ ‬او‭ ‬ماتخلفه‭ ‬الالم‭ ‬والجراح‭ ‬من‭ ‬نذوب‭ ‬يحتاجونه‮ ‬‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والاخرى‭ ‬بلا‭ ‬بلامح‭ ‬ولا‭ ‬تفاصيل‭ ‬لا‭ ‬تستدعيه‭ ‬ماده‭ ‬ولا‭ ‬تجذبه‭ ‬غريزة‭ ‬ليس‭ ‬خيالا‭ ‬ولا‭ ‬شخصية‭ ‬اسطورية‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬القصص‭ ‬البعيدة‭ ‬والمستحيلة‭ ‬هو‭ ‬نداء‭ ‬تتظافر‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬والطبيعة‭ ‬ايضا‭ ‬ليكون‭ ‬ماثلا‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬و‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاحتواء‭ ‬هو‭ ‬الاصغاء‭ ‬المفتقد‭ ‬هو‭ ‬انا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬انت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬اخر‭ ‬هو‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬يكمن‭ ‬فيها‭ ‬السر‮ ‬‭ ‬لهذا‭ ‬الوجود‭ ‬الانساني‮ ‬

كنت‭ ‬ساسترسل‭ ‬لولا‭ ‬صوت‭ ‬فيروز‭ ‬الذي‭ ‬اجبرني‭ ‬على‭ ‬الاستماع‭ ‬دون‭ ‬مقاومة‭ ‬عندما‭ ‬مرت‭ ‬بقربي‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬بسيارتها‮ ‬

إحكيلي‭ ‬إحكيلي‭ ‬عن‭ ‬بلدي‭ ‬إحكيلي

يا‭ ‬نسيم‭ ‬اللي‭ ‬مارق‭ ‬عالشجر‭ ‬مقابيلي

عن‭ ‬أهلي‭ ‬حكاية‭ ….‬عن‭ ‬بيتي‭ ‬حكاية

و‭ ‬عن‭ ‬جار‭ ‬الطفولة‭…. ‬حكاية‭ ‬طويلة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى