قانون

التزام الدائن بإعلام الكفيل وتبصيره

 

إعداد: أ وفاء ميلود ساسي

يُعد الالتزام بالإعلام من أبرز الآليات القانونية في مجال حماية المستهلك إذ أنه يعمل على إعادة التوازن العقدي بين المهني والمستهلك الأضعف اقتصــاديــــاً وقانونيـــاً ويحمي الطرف الضعيف في العلاقـــــة التعاقدية، إذ أن هناك عقــــــوداً تفرض الإعـــــلام ومنها عقــــود الاستهــلاك؛ فالمصرفي مسؤول بصفته، كمهني لا كشخص عادي ولا كمتعاقد في التعاون مع المستهلك لما تتسم بــه العلاقة من انعدام التوازن وتفرضه من التزام صارم بإعلامه حول شروط وتفاصيل المعـــاملات المالية.

وهذا ما لا نراه قط في التعاملات المصرفية بشأن إعلام الدائن للكفيــل بمخـــاطر العملية التعاقدية، مما أدى ذلك إلى حدوث عديد المشكلات بين المصرف والكفيل نظراً لعدم درايته وجهله بالعملية التعاقدية ككل، ففي معرض دراستي لواقع المصارف تبين ليَّ من خلال بعض الوقائع العملية بين طرفي العقد (الموظف المختص بالمصرف والكفيل)، أن الكفيل لا يعلم بضمانته إلا بعد وفاة المدين الأصلي وقيام المصرف بالخصم من حسابه الجاري مما ترتب على ذلك مخاصمة الكفيل للمصرف وامتناعه عن السداد وذلك لعدم علمه بالضمانة منذ بدايتها لأن المدين قام بالتوقيع بدلاً عنه.

وواقعة أخرى نجمت عنها مشكلات جمة بين المصرف والكفيل وذلك لأنه تم الخصم من كل مرتباته دفعة واحدة، دون سابق إنذار له وذلك بعد وقف مرتبات المدين من جهة العمل فلم يعد لديه القدرة لسداد الدين مطلقــــــــــاً مما اضطر الكفيل لتحمل كل الدين لوحده، فلا يستطيع حتى الرجوع على المدين بعدها بما دفع وذلك لأن المدين عاجزٌ عن السداد للدائن وللكفيل.

والسبب الآخر يكمن في الصلة الوطيدة بينه وبين المدين تمنعه من الرجوع عليه لأنه في الغالب قريب أو صديق، فالإعلام إذا هو مسألة مهمة وجب أخذها بعين الاعتبار من قبل المختصين والمشرعين لوضع نصوص تخدم هذه المسألة والتشديد من الالتزام، لأن ذلك يسبب عديد المشكلات التي يترتب عليها إشكاليات فيما بعد ومن بينها العزوف عن الكفالة من قبل الكثيرين نظراً لخطورتها.

وبالرجوع إلى اللائحة التنفيذية للقانون رقم (2) لسنة 1993م بشأن محرّري العقود نجد نصاً خاصاً بالإعلام وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة (12) أنه (على محرر العقود قبل توقيع ذوي الشأن على المحرر أن يتلو عليهم الصيغة الكاملة للمحرر ومرفقاته وأن يثبت إحاطتهم بمحتوياته وموافقاتهم عليها ويوقع محرر العقود وذوو الشأن على المحرر ومرفقاته، وإذا كان المحرر مكوناً من عدة صفحات وجب التوقيع على جميع الصفحات، ويُسلم لأصحاب الشأن صوراً من المحررات الموثقة مبيناً على كل صورة رقــم التوثيق، وتــاريخه وصيغة تسليم الصورة وتاريخ التسليم موقعة من محرر العقود ومختومة بختمه).

ويتضح من خلال النص أنه يوفر حماية للكفيل نوعاً ما عندما توثق العقود أمام محرّري العقود كما كان سابقاً في عقود السلف الاجتماعية وحالياً عقود المرابحة الإسلامية التي تعد بعض منها لدى محرري العقود بحسب طلب المصرف، فالبعض من ممتهنين هذه المهن يطبقون نص القانون تطبيقاً حرفياً فيقومون بإعلام الأطراف المتعاقدة بما يحتويه العقد ليكون كلاهما على بينة من أمره في قبول العملية التعاقدية أو رفضها، فالخيار متروك لهما بعد أن يتلو عليهما محرر العقود فحوى العقد وما قد ينجم عنه مستقبلاً، وهذا بحكم القانون حيث لا يجوز لمحرر العقود أن يوثق المحررات أو أن يصدق عليها أو أن يقبل إيداعها لديه في حال لم يتوفر فيها الرضا.

والبعض الآخر يتلو عليهم الصيغة كاملة دون شرح لبنود العقد وهذا مما يصعب على الأطراف فهم النصوص التي يتضمنها العقد، لأنهم ليسوا أهل خبرة بالمجــال القـانوني أو المصرفي، ففي هذه الصورة العملية لواقع إبرام العقود يغيب الإعلام ويكون النص حبراً على ورق، فلخطورة الكفالة وما قد ينجم عنها مستقبلاً، لا بد من العلم بمُجريات العملية التعاقديــة.

هذا وقد عرف الفقه الالتزام بالإعلام بأنه (التزام المُتعـــــــاقد بأن يُقدم للطرف الآخر المُتعــــــــــــاقد معه كل بيــان أو إشارة أو واقعة تتعلق بمحل العقـــد، ويهتم المُتعــــــاقد الآخـــــــر بمعرفتهـــا، لتنوير إرادته ورضاه بعقد الكفالة).

كما ويعرفه البعض الآخر بأنه (التزام سـابق على التعــاقد يتعلق بالتزام أحـــد المتعاقدين بأن يقدم للمتعاقد الآخر عند تكوين العقد، البيانات اللازمة لإيجاد رضا سليم كامل متنور على علم بكافة تفاصيل هذا العقد). 

ويثور تساؤل في هذا الصدد هل بغياب النص يتحول الالتزام من قـــــانوني إلى واجب أخلاقي؟ يفرضه واقع الحال.

فقد تحول الالتزام بالإعلام من مجرد التزام قانوني إلى واجب مشدد وجزء لا يتجــزأ من النظام الاقتصادي الحمائي بعد تكاثر عقود الإذعان، حيث لا مجال للشك أن عقود المصارف يغلب عليها طابع الإذعان فهي عقود معدة مسبقاً من قبل الدائن (المصرف) وما على الكفيـــل إلا ملء البيانات الخاصة به دون مناقشة لبنود العقد، الأمر الذي وجب معه حمايته بنصوص قانونية سابقة على إبرام العقد ومن ضمنها التزام الدائن بإعلام الكفيل فما هو الأســاس القانوني لهذا الالتزام (أولاً) وماذا يترتب عنه في حال مخالفته (ثانياً).

ويتبع في العدد القادم جزء آخر من الرسالة متعلق بالأساس القانوني للالتزام بالإعلام والجزاء المترتب على مخالفته.

الجزء الثالث من رسالة الماجستير الموسومة (بالحماية القانونية للكفيل الشخصي) التي نُوقشت يوم 1_4_2021م بكلية القانون _ جامعة طرابلس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى