رأي

حافة العشق.. دراويش أم الداليا..!!

 

الناجي الحربي

الدرويش كلمة يبدو أنها فارسية المنشأ .. ربما تعني الشخص الذي يدور من دار إلى دار .. طالباً للإحسان ، وهي تدل على البساطة والفقر والانزواء عن الناس في أحيان كثيرة ، والابتعاد عن التملك المادي .

غالباً ما تستوقفني حكمة الدراويش .. فعلى ألسنتهم  نكهة النكتة ، وعلى وجوههم ترتسم الابتسامة حتى في أحلك ظروفهم ، التي عادة ما تكون سيئة لكنها مدبوغة بالسعادة ..  شخصياً .. أخاف من عشمهم  ، ولا أستطيع أن أرد لهم أي طلب ، ليس لعقيدة صوفية ، ولكن ربما من باب الشفقة أو العطف .. أو اتقاءً لفجاجة تعليقاتهم ، على كل حال هو شعور يلازمني تجاههم لا ولم أعرف له سبباً.

قريتنا التي تندس في حضن الجبل وعلى مدى عمري كانت لا تخلو من الدراويش ،  أذكر شخصية لا اسم لها  يكرر كلمة « زي بعضو»  لا احد يعرف من أي منطقة أو بلد هذا الـ «زي بعضو « .. فاطلق عليه سكان القرية اسم « زي بعضو» ، وشخصية أخرى اشتهرت بحضورها الاجتماعي اسمه « البوسيفي» كان له حضورًا اجتماعيًا قويًا .. جاء من غرب البلاد واستقر به المقام في قريتنا .. وغيرهما كثير ، يحظون بعطف الناس ، وحنانهم ، حتى  أن «عجايز الحلاليق « كن يعزلن الأطعمة ، والملابس القديمة ، كحصة للدرويش ، لا يجوز في عرف القرية المساس بها أو التعدي عليها .

في العادة .. درويش القرية يصادق الأطفال ، يلاطفهم ، ويمارس ألعاب طفولته معهم ،  أحياناً يتندرون به ، ويسرقون بعض من دراهمه التي كان يخفيها في جيبه ،  وأحياناً تلجأ إليه فتيات القرية اللائي يئسن من  الزواج يستطلعن حظوظهن عن عرسان المستقبل .. ويستمتعن بتعليقات ونكات وغناوي وشتاوي الدرويش ..

« حسين»  آخر دراويش قريتنا، كان يجيد أداء عناوة العلم ، ويصنع النكتة من الموقف الآني ، سريع البديهة ، لا يجد أي غضاضة في الرد على أولئك الذين يتندرون به ، ويسخرون من سذاجته؛  ذاع صيته في كل أنحاء الوطن ، وعرف بالطيبة والبساطة ، لدرجة أن تداول الناس مقاطع مضحكة له ، واطلق اسمه على بعض المحال و المطاعم ، وعند وفاته تقاطر عشاقه لتقديم واجب العزاء للقرية، كان « حسين» كثيراً ما يردد غناوة تقول :

اللي قاسمه يا عين .. أتصيدك اتطيري تنزلي ..

كما لو أنه كان راضياً بما قدره له الله، وهي دعوة صريحة للرضوخ للإرادة الإلهية ..

من نصائح حسين التي مازلت أحفظها عن ظهر قلب « أرقد مرقد كلب .. تصبح أميراً .. وأرقد مرقد أمير .. تصبح كلباً « ولعل في هذا المثل الذي يردده باستمرار ما يوحي بالعصامية والكف عن سؤال أصحاب السلطة والواصلين إلى مراتب عليا في الدولة .. رحم الله دراويش قريتنا  أم الداليا « مسه»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى