ثقافة

الكردية رمز أناقة المرأة الليبية إلى أين؟

فرج غيت

لكل مجتمع زيه ولكل زي مظهر وشكل يتفق ويتسق مع بيئة هذا المجتمع أو ذاك، وكما هو معروف الأزياء التقليدية للمجتمع الليبي ملائمة لعاداته وتقاليده وحياته اليومية، استخرجت مادته من نتاج البيئة وصّيِغ وشُكل وزين بأنامل ليبية رجالية ونسائية مهرة.

ارتقى في شكله ومادته من العادي اليومي إلى الاحتفالي في المناسبات الاجتماعية والأعياد والمواسم حتى وصل في يومنا هذا إلى قطع تراثية فاخرة يرتفع سعرها ويقل ظهورها ويصبح اقتناؤها أمراً غير متيسر الا للقلة، ومع هذا يظل الليبي والليبية في توق شديد إلى هذا اللباس الذي يسعد بارتدائه في الأفراح والأعياد، ويحتفظ به في حب واهتمام ليوم الجمعة أيضا.

وبالنسبة للمرأة الليبية تتكون أزياؤها التقليدية من طقـم البدلة الكبيرة، (القمجة) وهي البلوزة أو الفستان الذي يتفنن الصانع في إبداع نقوشه بخيوط الفضة في الجزء العلوي المرئي، وعلى القمجة ترتدي الكردية، ويكتمل هذا الزي (بالرقبة) المشغولة بالخرز المتنوع في أحجامه وألوانه و(السروال) المتباين في أسعاره طبقاً لمادته الخام ونقوشه، وهناك أيضا الحذاء ومن أنواعه التليك والبلغة والكندرة، والبدلة النسائية الصغيرة على شاكلة الكبيرة إلا أنها اقل كلفة وتفتقد إلى الحولي الحصيرة وتكتفي بحولي الحرير بألوان وتصاميم مختلفة ويتم ارتداؤها في العرس في يوم المحضر في طرابلس وهو اليوم الثاني بعد ليلة الدخلة أو في ثالث أيام العرس الليبي في مناطق وقرى الريف والبادية.

والكردية هي (الفرملة النسائية)، سترة بلا أكمام تغشي الظهر والجنبين، ولا تغشى الصدر، بتطريزها الجميل، بخيوط وأزرار الفضة الخالصة (الفجْرة) المُذهّبة على حافتيها الأماميتين، ولا تستعمل في إقفالها، ومبطنة من الداخل ببطانة حرير، ويوجد على كل جانب منها جيب داخلي، وتعتبر جزء من اللباس التقليدي للعروسة الليبية، تشبه (الجيليه) الحديث في تصميمها ولكن ذروة جمالها وبهائها في ذلك الكم من النقوش الفضية وخصوصاً على الظهر وأحيانا من الحرير والفضة بشكل (مسبوك)، ما يجعل شكلها الأنيق على مستوى عال من الدقة والإتقان، وتعد أكثر أنواع الأزياء التقليدية النسائية استعمالاً، مع طقم البدلة الكبيرة الخاصة بلباس الصُدرة، تلبسها المرأة الليبية فوق (القمجة) أثناء مراسم الأعراس فقط، وأيضاً فوق (قفطان الجلوة) للعروس في أيام معينة من أيام الفرح، أو في مناسبات سعيدة أخرى، أو في يوم الطهور، أو عندما تلبس المرأة صدارة (بمعنى الاستعراض الذي تقوم به النساء يوم المحضر).

يقول الباحث الليبي في التراث الأستاذ سالم شلابي: هناك أنواع من الفرامل كان لباسها متداولاً بين النسوة قديماً وتحمل الكثير من الأسماء:

الفرملة فانِكْ بالشاريت، الفرملة الشِيَاتة، الفرملة الشَحاطة، الفرملة السالاتي، الفرملة المنزلة، وفرملة القطعة أو الكردية.

فرملة القمرات: مصنوعة من مخمل القطيفة بألوانها المختلفة، وزخارفها الموشاة بتطريزات يدوية فضية جميلة، بها دائرتان مطرزة بخيوط الفضة وهي تعكس سحر القمر بدائرته الفضية لذلك سمية بالقمرات.

وقالو عن من ترتدي الكردية في المأثور الشعبي الليبي:

بو عقـــد بوخلخــال بو كـــردية ..

                  عيــون العــذارى لابسـة بوشـية.

وكما هو معرف بأن الطرز الليبي له هوية وخصوصية تختلف عن أي مكان في العالم، لكن هناك من 

أساء لهذه الأزياء التقليدية، وخاصة تلك التي اصبحت تحاك في الاسكندرية، بعد أن هجر أغلب الحرفيون الليبيون مهنتهم وتركوها للغرباء بسبب نقمة النفط، ليفسدوها بجهلهم بها وبمكوناتها، واتساءل ما علاقة عامل أو تاجر مصري بالأزياء الليبية التقليدية، وما مقدار فهمه واستيعابه لها؟، مع كل التقدير والاحترام لأخوتنا في مصر الحبيبة، لأن الأزياء الليبية التقليدية تختلف عن كل أزياء الدول العربية لأنها غنية بكل تفاصيلها، وفخمة بمكوناتها، فقد تعامل صناع أو تجار الاسكندرية مع الطرز وكأنه زينة، لأنها اعتاد على حياكة (الجلابية البلدي) وليست له دراية بزي مثل الزي الليبي الرجالي والنسائي، واصبحت العديد من الفرامل الرجالية الليبية شبيهة بالكردية، وادخلوا مسميات جديدة، واقنعوا البسطاء بأن هذا زي طرابلسي وهذا زي من الشرق وذاك من الجنوب، وكأنهم يرددون عبارات إدارة الانتداب الاستعماري الإنكليزي الذي قسم البلاد بمزاجه، وصدقه التابعون لأيديولوجياته، وعملوا بكل إخلاص على تنفيذها لتشتيت هذا المجتمع، لكن ولله الحمد سيبقى موروثنا في أمان، وسيحفظه ويصونه كل من له غيرة على تراثنا وموروثنا الثقافي والاجتماعي، فلا يصح إلا الصحيح، وتحية لكل من يسعى للحفاظ على هذا التراث في زمن الضياع.

واخص بالذكر أختنا وزميلتنا الأستاذة إيمان الفزاني السيدة الليبية المثقفة والراقية بعلمها، وبحضورها المميز وذوقها الرفيع، ولمساتها الجميلة، المدير التنفيذي لمؤسسة إرثنا للتراث والثقافة EFHC والمفوض العام في بريطانيا، ومؤسس بيت الفزاني للثقافة في لندن، على الجهد الكبير الذي تقوم به من أجل حفظ وحماية وصون التراث الليبي، وتوعية وتثقيف أبناء وبنات الجاليات الليبية في بريطانيا به.

الشكر موصول لأختنا وصديقتنا الدكتورة المستشارة مفيدة محمد سعيد جبران رئيس المشروع الوطني للتراث المادي والغير مادي، شخصية ليبية متميزة من مدينة طرابلس، ومختصة في هذا المجال، وقد قمنا بنقل الكثير من المعلومات من كتاباتها ومؤلفاتها.

شكرا لها على رحابة صدرها ودعمها وتشجيعها لنا، وثقتها بنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى