إجتماعيلقاء

سوزان عاشور .. ربة البيت بالنسبة ليَّ أكثر إشكالية من مهنتي كصحافية !

حوار: فايزة العجيلي

بالحديث عن دورها كمدبرة منزل ترى  «سوزان» أن وظيفتها كربة بيت هي أكثر إشكالية من مهنتها كصحافية  وتعلق بالقول (أصدقكِ القولَ .. أنا لستُ شغوفة بهذه المهنة .. ولا تستهويني مطلقاً). 

واضافت : ما يدفعني إلي إنجاز بعض مهامها أحيانا والتقاعس عن أغلبها أحيانا كثيرة هو الحب لعائلتي وأعتبره هنا هو صانع المعجزات ! فأنا فاشلة تماما بالمقاييس المجتمعية النمطية المتعارف عليها للتميز في هذه الوظيفة أو حتي إجادتها ! رغم أني لا أعتبره فشلا إلا من خلال المنظور السائد والمتعارف عليه للمجتمع .. الا أن  مهام ربة البيت المتعددة والمختلفة الاختصاصات تحتاج مهارات منوعة وتتطلب وقتا وجهدا طويلا لإجادتها .. إضافة إلى توفر الرغبة في التعلم والممارسة وهذا مالا أملكه أو أستطيع استحضاره .. الشغف !

وتعترف أنه على الرغم من مرور25 سنة على زواجها وتكوينها عائلة إلا أنها لم تستطع التأقلم مع هذه الوظيفة وتجد صعوبة كبرى في المداومة علي مهامها بشكل مكرر ومنضبط . فهي مهنة لا تدعو بالنسبة لهاإلا إلى الرتابة والملل ! إضافة لكونها شاقة ومرهقة وصعبة جدا ولا تلقى  أي تقدير لا من العائلة ولا من المجتمع ولا أحد يمكنه تقدير جهدك المبذول ولا عدد الساعات التي تعملينها ! والجميع ينظر لها بنوع من الدونية مما ينعكس على الحالة النفسية للنساء خصوصا المكتفيات بها والمصنفات في خانة العاطلات عن العمل ! 

في ثقافتنا هي وظيفة إجبارية للأسف  ومفروضة على المرأة دونا عن الرجل .. وأنا سعيدة بأني تربيت في عائلة لم تشعرني يوما بالتمييز الجنسي بيني وبين اخي ولذلك  لم تستوقفني يوما الضوابط المجتمعية .. كما أن مخالفتها لم يشعرني مطلقا بالتهميش!

هموم عابرة 

وفيما اذا كان هناك اختلاف بين جهدها المبذول  داخل البيت عن خارجه توضح انه  بشكل عام المرأة في كل مكان ووظيفة هي ذات المرأة .. لا تختلف ولا فرق في معاناتها ولا في ما سيواجهها من عراقيل أو تعقيدات حتى وهي داخل بيتها ! وكما يقال فالنساء في كل مكان يشتركن في هموم عابرة لجنسياتهن ومتخطية لحدود قاراتهن !

وتستجلي  الفارق بين ما تتعرض له النساء المكتفيات بمهنة ربة البيت أو بمهن تقليدية أخرى .. وما تتعرض له النساء الصحفيات وليس كلهن فقط الشغوفات بمهنتهن ..!بالتأكيد سيكون حجم الضغط كبير جدا .. فالصحافة كما يقول أخواننا في مصر (زي الفريك ما تحبش شريك) والتحدي هو ايجاد توازن بين الحياة الصحفية التي تتطلب جهدا خرافيا ومضاعفا مصحوبا بوقت إضافي وبين الحياة الشخصية وأعبائها والتي من ضمنها أنك قد تكون فيها مسؤول على اشخاص لازالوا قصر أو دوي احتياجات خاصة أو ممن يحتاجون لعناية ضرورية ومكثفة .

وتتوقف سوزان في حديثها عن مسألة التوفيق بين العمل والبيت وتخلص في تجربتها الى  أن العبء ثقيل جدا والثمن غالبا تدفعه المرأة الصحفية من صحتها وأعصابها .. لأن جل وقتها ولا نبالغ إن قلنا حتى تفكيرها في حال كانت من ذوات الشغف بهذه المهنة تحتله صاحبة الجلالة وهذا يؤثر سلبا على حياتها الخاصة وأسرتها وعلى ضمان نجاح اداراتها لبيتها وشؤونها الخاصة .والعائلة كما تعلمين يجمعها روابط كثيرة ليست مادية فقط ووجودهم ودعمهم لبعض هو أهم مصادر القوة وأكثرها جدوى لذلك فالوقت مهم جدا ولعله التحدي الأكبر بالنسبة للنساء الصحفيات كونهن أكثر اهتماما بالجوانب النفسية والروحية من الذكور . 

وحول رؤيتها  لمفهوم التعاضد الاسري تشدد على دور الام  في ابتكارها  لمعادلة  مختلفة لخلق مناخ يلائم الجميع ويتناسب مع ظروفهم كبارا وصغارا دون استثناء،  أتصور أن أول شيء هو وجوب توفر فلسفة الانفتاح على الآخر وهو ضروري للتعايش للجميع كبارا وصغارا، كذلك المرونة في التعامل واحترام المسافات والحب بلا حدود، وتعزيز الثقة والاحترام المتبادل والتقدير،  وعدم اعتماد مبدأ الوصاية حتى على الصغير في الأسرة والشفافية والتعاون على تقاسم المهام والأدوار .. كل هذا من الاشتراطات الهامة جدا لتحقيق نجاح نسبي في البيت . 

واقع وطموح 

تبدو الخيارات صعبة حال المفاضلة بين البيت والوظيفة هكذا تقول سوزان معلقة (ليست الصحفيات فقط،  كل النساء وعلى اختلاف مشاربهن ووظائفهن ) وتضيف أنه حتى في أوروبا يجدن صعوبة في التوفيق بين طموحاتهن الشخصية ورغباتهن في تحقيق ذواتهن وما بين التزاماتهم الأسرية .وغالبا ما يدفعهن عدم التوفيق في الأمرين إلى اختيار أخف الضررين وفقا لنظرة الأم سواء أكانت صحفية أو غيرها .. ونجدها تتجه للتنازل عن أحلامها وشغفها ومستقبلها المهني في مقابل تربية أولادها ورعايتهم وتسيير بيتها بالشكل الذي يرضي غريزة الأم لديها !

وتشير سوزان أن هذه  التحديات ليست خاصة بالنساء فقط .. فالكثير من الرجال تواجههن نفس التحديات وتتصادم رغبتهن في تحقيق ذواتهن مع واجباتهن والتزاماتهن عند تكوينهن أسر وإنجاب أطفال ! وفي العموم نحن لا نستطيع الحديث عن تحقيق الذات هكذا بشكل مطلق سواء للنساء الصحفيات أو غيرهن أو حتى للذكور ! الحديث بهذا الشكل مرفوض ومستهجن تماما طالما تحمل الرجل أو المرأة مسؤولية تكوين أسرة .

ثم الأمومة عمل إنساني منتج ومثمر .. ووفقا لقناعة الكثيرات هو يسبق الكثير من الأعمال الأخرى وهو الدور الطبيعي المناط بالنساء حين اخترن أن يكن أمهات، الأم ركيزة اساسية في البيت وإن فشلت في تحقيق التوازن المطلوب أو انسحبت  لتحقيق ذاتها سيتهاوى الكيان الأسري ولن تكون قاطرة سعادة بل قاطرة هدم وقلق !ولذلك أرى أنه يستوجب خلق رؤية مشتركة ما بين الزوجين حدودها انسانية الجميع وسعادتهم . 

أدوار جديدة 

ومن جانب آخر تطرقنا في حديثنا معها إلى الواقع المستقبلي للمرأة، وأفادت من خلال رصدها اليومي كصحفية .. بالقول 🙁لست متفائلة بشأن نظرة المجتمع للنساء ولحقوقهن . وأرى تراجعا مخيفا لمكاسبهن التي تحصلن عليها طيلة العقود الماضية ! الأدوار الجديدة والمستحدثة وغير النمطية والتي تحصلن عليها سابقا في ليبيا فرضت بالقوة من خلال القوة السياسية وأيضا فرضتها التغيرات الجذرية التي حدثت في البنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حينها .. إضافة للتشريعات القانونية المساندة) . 

وتابعت موضحة: إنه رغم توفر مناخ أكثر إنفتاحًا عالميًا على قضايا المرأة وعلى قضايا التحرَّر الفكري والإنساني والديمقراطي .. الخ، ومع توفر كل القوانين اللازمة لدعم المرأة في ليبيا .. إلا أن تزايد أعداد الحركات الدينية التي تدعو للتطرف وللتفسير الخاطيء للقرآن والسُنة وغياب الثقافة الاجتماعية وتنامي العنف والظواهر المسلحة والتي تحول دون انفاذ القانون وتطبيقه لا يدعو للتفاؤل بشأن النساء واستحقاقاتهن.

وتنتهي إلى استنتاج يقول (لا يمكن بالطبع التعويل أو الاعتماد على مجتمع يستند في ثقافته الاجتماعية على إرث ديني يساء فهمه واستخدامه ! القوانين وإصلاحاتها هي من تقود التغيير المجتمعي وهي الطريق إلى الاصلاح الحقيقي حتى في أنماط التفكير ). 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى