صرخةٌ أطلقها الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه– قبل أربعة عشر قرناً، لا زال صداها يتردد حتى الآن، وقبل أن يموت ملايين البشر، حتى الوصول إلى مواثيق ما يسمّى بحقوق الإنسان.. الإنسان يولد حراً، إلا أن إنساناً مثله قد يسلب حريته .. هي الحياة، وظروف المعيشة، التي قد تصل بإنسان إلى الاحتياج والفقر، الذي قال عنه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-: (لو كان رجلاً لقتلته).. الفقر الذي يصل بالإنسان أن يرتهن نفسه للغير، في سبيل الحصول على احتياجاته للحياة .. وهكذا، مثلما يتنازل الإنسان عن حريته التي ولد بها، أو عن جزء منها، من أجل العيش، فإن هناك على الطرف الآخر، إنسان يحتاج للخدمة، وفي سعيه للحصول عليها، قد يسلب إنساناً حريته.. ويتجسد هذا بكل وضوح في خدم المنازل، فالفقر والحاجة، جعلت من بعض البشر خدما للغير في منازلهم، وتنازلوا بذلك عن جزء من حريتهم، لأولئك الذين احتاجوا لخدماتهم..
فخدم المنازل مهما كانت القوانين والمواثيق غاية في الدقة حفاظًا على حقوق الطرفين، إلا أنهم رقيق العصر الحديث..
فكيف لإنسان يقوم بخدمة إنسان مثله ويتلقى أوامره وتعليماته الدائمة، وترتبط حياته كلها، بحياة مستخدمه، أو ربّ عمله، أو الأصح سيده، أن يكون حراً… ورغم قصور الإعلام في كشف المعاملة اللا إنسانية، والانتهاكات الدائمة، التي يتعرض لها خدم المنازل، خاصة النساء، إلا أن ما يخرج على العلن من تلك الانتهاكات والممارسات يوضح لنا، مدى الظلم الصارخ والاضطهاد المتعمد، الممارس عليهم.. المجتمع الليبي، مجتمع محافظ ومترابط، وبالإمكان القول أنه مغلق على نفسه، خاصة فيما يتعلق بالناحية الاجتماعية الأسرية، ولم يعرف وجوداً لخدم المنازل إلا في أضيق الحدود.. إلا أن العقد الأخير، شهد انتشاراً واسعاً لخدم المنازل داخل البيوت الليبية، وهذا الانتشار قد لا يكون احتياجاً لخدماتهم، بقدر ما هو مماراة زمظهرية اجتماعية، خاصة في وقت طغت فيه المظاهر، وتعير أسوب الحياة في مناحٍ كثيرة.. وساعد على هذا الانتشار لخدم المنازل في بيوت الليبيين، ما تشهده البلاد من تواجد وتكدس للعمالة الأجنبية، خاصة الأفريقية والآسيوية، والتي جاء معظمها عن طريق الهجرة غير الشرعية.. فهذه العمالة غير القانونية، تقبل بأداء أي عمل في سبيل لقمة العيش التي هاجروا من أجلها.. وتكمن مشكلة خدم المنازل داخل البيوت الليبية، في أنهم من بيئات وثقافات وعقائد مختلفة كل الاختلاف عن المجتمع الليبي، الأمر الذي سيؤثر سلباً على النشء الجديد، ومع مرور الزمن سيعمل على فك الترابط المجتمعي الوثيق والمعروف عن الليبيين، وإدخال ثقافات وعادات غريبة عن مجتمعنا المسلم المحافظ.. إن ظاهرة خدم المنازل يجب تسليط الضوء عليها، من قبل الإعلام، وأن تهتم السلطات المختصة بدراستها، ووضع القوانين واللوائح المنظمة لها، بحيث لا يكون تأثير تواجدها سلبيا على المجتمع.. ورغم تركيزنا على مجتمعنا الليبي، ما سيترتب مستقبلا عن ظاهرة خدم المنازل، غير الخاضعة للرقابة والمتابعة، والاهتمام المؤسساتي، سواء بالقوانين والتشريعات، أو في معالجة ما ينتج عن تواجدها من ظواهر سلبية ومخالفات..
إلا أننا لا ننسى أيضاً، أن خدم المنازل هم بشر مثلنا، قادتهم الحاجة إلى ارتهان آدميتهم وحريتهم، فيجب احترام إنسانيتهم، والمحافظة على حقوقهم، وعدم ممارسة الظلم والاضطهاد عليهم .. فديننا الإسلامي، منذ أربعة عشر قرنًا حثَّنا على المحافظة واحترام حقوق الإنسان، قبل أن تنادي بها المواثيق الدولية ..
