ثقافة

صندوق الرمل بين التاريخ والفاعلية الاجتماعية 

أحلام عمر العيدودي

الغلاف من تصميم واخراج الناصري،جودة عالية في نوعية الورق رُسم عليه كثبان رملية وشمس في حالة غريبة لا تستطيع تمييز حالها إن كانت في حالة شروق أم غروب ،بلونين هما الأسود والبرتقالي الذي يعتبر لون نشط يثير المشاعر والحماس والدفء،فليس بالضرورة أن يكون الصندوق ذا لون اسود بالفعل.!يُطلق على صندوق الطائرة الصندوق الأسود وفي الحقيقة يكون لونه برتقالي أو اصفر.!!وهنا يتضح لنا حقيقة اختيار هذا اللون لغلاف رواية «صندوق الرمل» وهو الدلالة عن كشف الأسرار وفضح الحقائق،فالصندوق الأسود للطائرة يحمل كل اسرار الطائرة ويسجل كل ما يحدث لها في رحلتها الطويلة وفي حالة ما تعرضت لأي عطل سيكون الصندوق الأسود هو الكاشف لأصل ومكان العطل وسببه.اختيار ذكي حقيقةً يشير إلى أن القارئ سينعم بفيض من المفاجاءات،وسيكتشف الكثير من الحقائق المبهمة عن الغزو الإيطالي لليبيا عام1911.في داخل الغلاف الذي صمم على شكل مطوية وفي ظهر الغلاف المطوي ومقابلة للورقة الأولى التي تحوى اسم الرواية نجد قد وضعت صورة الكاتبة «عائشة إبراهيم». بداية الرواية كانت عند خط النار،من وسط الأحداث القادمة ، تقدم الكاتبة بطل روايتها»ساندرو» وهو يكشف عن بعض الجرائم التي ارتكبها الجيش الإيطالي في حق النساء الليبيات بأحدى المساجد في ليبيا هو يشبه ذلك الجندي الذي عصى أومر الضابط الأعلى رتبة منه في مشهد انساني قدمه العقاد في فيلم «عمر المختار»وهو نمط معتاد في كتابةسيناريوات الأفلام العالمية لأنها تخاطب الإنسانية قاطبة، وقد اتبعت الكاتبة هذا التكنيك في الرواية كنوع من التمهيد والتقديم لطبيعة الإنسانية التي فطر الله عليها هذا الجندي.من بداية الرواية تتحدث الكاتبة عن الفقر الذى دفع بالشباب الإيطالي للإنضمام للجيش وكأنها تود أن تخبرنا بأنهم كانوا ضحايا الفقر مثل أبناء صندوق الرمل»طرابلس» اتسأل لماذا تقدم للقارئ هذه المقارنة غير العادلة؟ وهل من الممكن أن يتقبلها القارئ الليبي بالذات؟ وهي ستكون كأنها تبرر الغزو الإيطالي.؟ على ذلك بداية الرواية كانت باردة والإيقاع الداخلي فيها هادئ يسير بنمط إعتيادي لأنه الكاتبة وجهة زمن السرد في اتجاه الخلف ثم عادة به للأمام واستمرت في السرد للأمام في جل احداث الرواية.شعرت لوهلة أن البداية التي انطلقت منها رحلة السرد،وكأنها كانت بداية لرواية باسم أخر في زمن أخرتغير مع تطور الأحداث فيما بعد إلى «صندوق الرمل» اسم الرواية أقوى من ايقاع الزمن الذي بدأت به ،إن البداية توحي أنها كُتبت بقلم كاتب أخر.؟! حقيقةً لم أشعر كقارئ أن عائشة إبراهيم تكتب بداية روايتها بروح ليبية.!.عندما جعلت من شخصيات الرواية تطرح الأسئلة اصبح إيقاع الرواية الهادئ اكثر سخباً ويرتفع نسبياً مع ذكر الحب:(وهو يُربِّت على قلبه بيده:كيف يأتي الحب هكذا فجأة مثل المطر؟! وعند قول الصحفي: (طرابلس كما قال عنها السيناتور غايتانو سالفيميني ليس الا صندوقاً من الرملز.. )هنا ارتفع إيقاع الرواية بشكل سريع، وأصبحت تظهر ملامح الوطنية الليبية في النص، برغم أن الحوار دائر بين شخصيات إيطالية،ليحدث نوع من التشتت والضياع للقارئ لأن روح الكاتبة الليبية حضرت في السرد من خلال هذا الحواربقوة.الزمنكانات في بداية الرواية كانت خارج المتوقع من نص مكتوب، وكأنك تشاهد مسلسل مكسكي عُرض على القنوات العربية في فترة التسعينيات،تحرك الشخصية الرئيسية «ساندرو»ووصف الكاتبه له ولحياته وللأماكن التي عاش فيها طفولته كانت تشبه احداث مسلسل كلاسيكي.هناك حلقة مفقودة من النص منذ البداية إلى العتبة الخامسة ينتابني شعور بالفقد وقلة الشغف.! أسلوب الرواية بسيط ما جعل ايقاعها منخفض رغم أهمية القصة ، فالقصة التي يختارها الكاتب لصياغة روايته هي ركيزة مهمة،يعتبرها «كلارك»ركن من اركان الرواية إلى جانب الشخصيات والحبكة،والأسلوب والإيقاع.هذه الحلقة المفقودة تُضعف من قوة الحبكة برغم أن إيقاع الزمن  يمشي للأمام أي في تسلسل وثبات.! فليس هناك حدث تدعمه الحبكة القوية ومن الممكن أن يؤثر في نفسية  القارئ العربي والليبي على وجه الخصوص أهم من أحداث الإحتلال وتجهيزاته؛ فالقارئ ومن العنوان في شغف لمعرفة تفاصيل حياة جنود الجيش الإيطالي.واذا ما تحدثنا عن الشخصية الرئيسية وهي»ساندرو»الجندي الإيطالي، وظفتها بعمق اضعفت في النص ركن أساسي وهو الحبكة.،تدخل القارئ في حالة بحث وتوهان. شخصية «ساندرو»رغم تقديمة كمواطن إيطالي هو ايضاً يحمل صفة عسكرية وبالتالي اصبح  نموذج اجتماعي من المفترض أن تخاطب به الكاتبة المواطن الليبي قبل المواطن الإيطالي؛الذي يختلف بالتأكيد في ثقافته عن المواطن الليبي،ما جعل الحبكة ضعيفة على المتلقي والقارئ العربي.والسؤال :اذا ما كانت الكاتبة قد وظفت شخصية «ساندرو»بأعتبارها شخصية رئيسية بعمق يسمح لها بتقديم نموذج اجتماعي ليس فقط للمواطنيين الإيطاليين الشباب بل للمدن الإيطالية الطامحة إلى النهضة والحداثة؛هي بالتالي تأكد ما قلته سابقاً من كونها بذلك التوظيف حددت أنها بعمق هذه الشخصية «ساندرو» تخاطب المواطن الإيطالي وليس المواطن الليبي.؟!.الحقيقة استطيع أن أقول أن: السبب في وجود ذلك الشعور بأن هناك حلقة مفقودة في النص إلى جانب ضعف الحبكة،هو ضعف فاعلية الشخصية الرئيسية تنقلُ الشخصية بين عقلية برجوازية وعقلية تناسلية،كان بسبب عدم منح الكاتبة الشخصية من خلال الفضاء السردي الفرصة إلى أن تصل إلى العقلية الخلاقة،لتؤثر بفاعلية اكثر في المتلقي،غياب العقلية الخلاقة عن تكوين الشخصية جعلت فاعلية النص تحت سيطرت العقلية البرجوازية والتناسيلية ،برغم محاولة الشخصية للوصول لتلك العقلية من خلال اغتنام ساندرو الفرصة للكتابة عن الأحداث الدموية التي كان شاهداً عليها،وحين قرر ارسال ما كتبه عن تلك الأحداث إلى كرستين ظهرت فاعلية قوية للشخصية بعقلية خلاقة ساهمت في رفع إيقاع الرواية وتغير اسلوبها. وعند بيت السيدة الفرنسية»غي دافلين» وظهوراول لهذه الشخصية بتكنيك سردي ليس بالجديد في كونها ستقدم للقارئ شخصية حليمة الفتاة الليبية،التي اعتبٍرها البطل الثاني في الرواية، وبإعتبار أن الفاعلية هي القدرة على اثراء الحياة الإنسانية،كانت شخصية حليمة اكثر فاعلية من شخصية ساندرو،رغم تحرك شخصية «حليمة»فقط من خلال فضاءمكاني ضيق ؛الا أنها اثبتت فاعليتها من خلال ورودها في ذهن شخصية»ساندرو»وبالتالي كانت حاضرت بفاعلية ذهنية في عقل القارئ،وحسب عقلية المتلقي  وثقافته ستؤثر شخصية حليمة فيه،واذا ما اعتبرنا النص يخاطب في كثير من احداثه القارئ الليبي بشكل خاص فبالتأكيد ستكون شخصية حليمة اوفر حظ في تأثيرها بفاعلية على ذهن المتلفي وستبقى عالقة في ذاكرته لما تحمله من دلالات وطنية.من الشخصيات الفرعية او الثانوية التي وردت في النص شخصية الجندي المدجج بالوشم كما وصفته الكاتبة حين قالت: ( والضابط شافيز وجندياً ضخماً من أوغستا مُدججاً بالوشم…) اوغستا هي مدينة إيطالية تقع على الساحل الشرقي لجزيرة صقلية،ربما اختارت الكاتبة هذه المدينة لتكون اصل لشخصية هذا الجندي لقربها من السواحل الليبية،اعتمدت الكاتبة في وصف هذه الشخصية على خيالها بشكل كبير، وقد عُرف أن الوشم في أوروبا لم يكن شائعاً كما هو عليه الآن ولاسيما بين صفوف الجيش الإيطالي،وربما استخدم في حالات بسيطه كنوع من العقاب للجندي،والجيش الإيطالي في العصر الحديث يمنع الوشم بين الجنود منعاً تاماً فكيف في زمن الإحتلال.؟ما يعني أن الكاتبة حاولت أن تجعل من الشخصية كأنها هي من تعيش مع القارئ وليس هو من يعيشها معها، لتخلق فاعلية لشَّخصية من خلال إيقاع زمني خارجي يعيشه القارئ في أي زمن يقرأ فيه هذا النص.من اكثر الأحداث التي اثرت بفاعلية في السرد ورفعت من إيقاع الحدث رغم أنه حوار حاكي أحد المشاهد في فيلم عمرالمختار للعقاد قول أحد الجنود وهو يتحدث بنشوة الأنتصار(: -هل سمعت صرخاتهم الهائلة.؟ عندما قتلناهم كان يصرخون باسم إلاههم…) طغت فاعلية هذه الشخصيات الثانوية على فاعلية «ساندرو».النص يجعل القارئ يطرح العديد من الأسئلة من بينها:لماذا يخاطب النص المواطن الإيطالي بشكل مباشر.؟واذا ما اعتبرنا الرواية وثيقة تاريخية لما لم تذكر الكاتبةأي مصدرفي الهامش.؟ الرواية كانت بمثابة إعادة نقل لأحداث كما وقعت،ما جعل الزمن الخارجي للرواية ضيق. انا اعتبر أن البطولة في الرواية ثنائية الشخصيات أُحادية الفاعلية؛وبذلك تكون الرواية وبهذا الشكل تخاطب القارئ الإيطالي،والليبي كلٌ على حسب ثقافته،وتبقى شخصية حليمة أكثر فاعلية في النص؛لأن الكاتبة تستطيع أن تصف مشاعر وأحاسيس حليمة كفتاة ليبية فهي تمثل دلالة وطنية بالنسبة لها،وهي ليست محتاجه هنا للمحاكاة لتصف مشاعرها،بينما استاعنت بمحاكاة المسلسلات المكسيكية لتستحضر المناخ والبيئة التي عاش فيها ساندرو؛بوصف أن البيئة المكسيكية التي قُدمت في تلك المسلسلات مشابهة لحد كبير بالبيئة الإيطالية،وحاكة ساندرو كجندي إيطالي من خلال استحضار بعض المشاهد التي قُدمت من خلال فيلم عمر المختار،هذا بالإضافة إلى محاكاتها لرواية زرايب العبيد للروائية نجوى بن شتوان،في أحداث السفينة التي نقلت حليمة للجزيرة الإيطالية. 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لقد اشارت الاستاذة احلام عمر العيدودي في نهاية مقالها الرصين عن رواية صندوق الرمل بأن هناك محاكاة لرواية زرايب العبيد في احداث السفينةالتى نقلت حليمه الى الجزيرة ا الايطالية ولكن بودى ان الفت نظر الاستاذة احلام بأن المحاكاة الكبيرة والحقيقية كانت لرواية الهروب من جزيرة اوستيكا والتي كنت اتمني ان تقع في يدى الاستاذة احلام لتكتشف مدى المحاكاة وتدوير الفكرة / رواية الهروب من جزيرة اوستيكا من منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب 2118 توجد منها نسخ في مكتبة الفرجاني بطرابلس

  2. الاخوة في صحيفة فبراير لقد بعثت اليكم بتعليق عن مقال الناقدة احلام عمر العيدودي ولكنكم لم تنشروه ولم اعرف السببب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى