* ما مدى علاقتك بهم وعن ذلك الفضاء الروحاني الذي يبصم كل لوحاتك؟
بالنسبة للفضاء، هو فضاء ليبيا حتى وإن اشطط هذا الفضاء بحيث غطه فضاء حوض البحر المتوسط أحياناً بكل ما في هذا الحوض من زخم ثقافي وتاريخي وشعري إلا أن هذا الفضاء ولد أصلاً من شاطئ ليبيا المطل على المتوسط؛ هذا الشاطئ الذي يعد أطول شاطئ في البحر ومن الستينيات تتدفق في ليبيا شلالات المياه التي كانت في «الشرشارة» وفي «القومل» ذلك المكان ترعرعتُ فيه وعشتُ طفولتي، وتلك الهضاب الخضراء التي تغطي سطح ليبيا الشاطئ الجميل الكبير الذي حظيتْ به بلادنا، والأفق البعيدة، والقريب، كل هذه الطبيعة الخلابة منذ الطفولة شدتني إلى مرفأ الحلم تجديدًا، وبعد أن بدأتُ ارسم وأنا صغير، وأيضاً تواصل هذا المشروع مع بداية السبعينيات عندما سافرتُ إلى إيطاليا ودرستُ بأكاديمية الفنون بروما، حتى تخرجتُ
بعد إطلاعي على التجارب العالمية هناك ومشاركتي في عدة أنشطة ثقافية وفنية وبعد الدراسة الأكاديمية التي درستُ فيها أصول الرسم بكل معانيه الرسم التشخيصي التلويني إلا إني وبعد أنَّ عدتُ إلى ليبيا وبعد أنَّ أصبحتُ أمارس الفن التشكيلي، وجدتُ نفسي مشدودًا إلى شاعرية الفضاء الوحي تحديدًا، وليس الفضاء الجغرافي .. إنَّ كل أعمالي التي رسمتها هي رُسِمَتْ من الداخل أي داخل «المرسم» خيالات كل ما خزن في الذاكرة من مشاهد طبيعية هذه التي ارسمها الآن، ويصح القول بإنَّ هذه الأعمال هي أعمالٌ روحية تنزح نحو انتقاء المشهد الفضاء الروحية من الطبيعة * للشاعر لحظات تجلي كونك فنان يملك ريشة كيف تعبر عن لوحة فنية مخزنة في ذاكرته؟
أولاً : بالنسبة لولادة اللوحة لم تكن أو ليس لها أية فكرة مسبقاً على الإطلاق أي عندما تكون لدَّي رغبة شديدة في الرسم تكون عادةً أمامي لوحة بيضاء، والألوان موجودة قبل البداية لو سئلت ما الذي سارسم لا أعرف، يتكون في البداية لونٌ ما، أو تخطيطٌ ما غير معروف ثم فيما بعد يظهر هذا الفضاء شيئاً فشيئاً ويصبح هو من يقودني لما يجب أن يعمل يملأ هذا الفضاء ما يجب أنَّ يكون أنا مجرد منفذ لهذا الرسم وهذه حقيقة وليس لدي أية إجابة عن تساءل يقول ما الذي سترسمه ؟!.
اللوحة بالنسبة ليَّ هي فضاء أبيض يتحوَّل إلى فضاء طبيعي؛ شيئاً فشياء إلى تجسيد ملامحه، وتشكيله، وفصله، أو دفئه، أو حرارته أو برودته هو يملأ هذا وأنا أنفذ إلى أن ينتهي ويقول هو نفس الشكل أنا اكتفيتُ بذلك أنا أكون راضيًا تمامًا عما فعلتُ؛ هذا جانب أما الجانب الآخر عادةً اغلب أعمالي التي أنجزتها كانت في فصلي الشتاء، والخريف وهذان الفصلان هما أكثر قربًا لنفسي، وأكثر شجن فصل الشتاء العواصف، والمطر أثناء الليل، وعندما أكون وحيدًا مع أدواتي الفنية ينتابني شعورُ التوحدُ في الفضاء، والطبيعة تصبح روحي جَذِلة تجاه المطر تحديدًا صوت المطر تتدفق كل المشاعر التي يمكن أن يتولد عنها مشهدٌ يستوحي قيمته من هذه الحالة الطبيعية لفصل الشتاء وفصل الخريف، هو أيضًا جسدتُ فيه مجموعة أعمال ولكن الغريب في الأمر فصل الشتاء تكون لوحاتيد مختلفة عن فصل الخريف لأن اللوحات في فصل الخريف يكون معظمها بها شجنٌ أما فصل الشتاء فيه شاعرية ودفء وحميمية.
* نستطيع القول إنَّ إحساسكَ الفني يبدأ بمجرد أن تمسك الريشة والألوان؟
الحقيقة لا توجد أية فكرة تقول بإنني سوف ارسم كذا، وكذا ابدًا حتى أثناء الرسم حتى لو بدأتُ برسم لوحة الآن تأتين وتقولين ليَّ ماذا سوف تكون هذه اللوحة ؟ سوف أرد عليكِ بأنني لا اعرف شيئاً عنها حتى تكتمل هي أحياناً أتوقف عن استكمال اللوحة أيامًا ثم أعود لاستكمالها حتى يتكون شيءٌ من الرضا فيما بيننا أي تتم الألفة وترجع أفكاري لذلك الفضاء.
* من وجهة نظركَ من هم المتذوقون للفن هل هم عامة الناس أم الذين لهم صلة بالفن؟ أم ماذا ؟!
بالنسبة ليَّ «علي العباني» نعم فتركيبة البشر أي بشر هو يتحسس الجمال ولكن للأسف الشديد البرمجة الثقافية، أو برمجة المفاهيم هي التي أسهمتْ في «الكليشيهات» الذائقة مثلاً يتم الدعاية، والإعلان لشريط ما عندما تشاهده تجده غير جميل هنا البرمجة هي التي صنعته، وهذه البرمجة «الكليشيهات» تكون مبرمجة من جهة ما تريد الدعاية والإعلان فقط ولكن في حقيقة الأمر بالنسبة للفن الجميل والإبداع الجميل يصل إلى كل النفوس ولكن النفس البشرية هي نفسٌ ذواقة.
* هل تطلق أسماء عند ولادة أية لوحة أو تضع لها عنوانًا؟
لا لم اسمِ لوحاتي قط، ولم أضع لها عناوين ابدًا لسببين : الأول هو إن هذه الأعمال تكاد تكون لوحة واحدة لأنها تبحث في الفضاء الروحي لذلك لا يوجد تميز لوحة عن الأخرى الجانب الثاني هو إنني غير مؤمن أصلا بتسميات الأعمال غير الواقعية في المدرسة الواقعية مثلاً المدرسة الواقعية في الشعر، أو الأدب، أو الواقعية السينمائية؛ الواقعية هي واقع عندما نتحدث بواقعية نقول هذا الكرسي وهذه الطاولة الخذلان هنا التفسير هو تفسير واقعي مأخوذ.من مفردات علمية وأعيد القول بالنسبة لأعمالي جميعاً تقع في عمل واحد ولكن تفاصيلها كل تفصيل يختلف عن الآخر.
* نعرف أنّ لديك ابنه فنانة هي «مريم علي العباني» هل ينطبق عليها ابن البط عوام ؟
مريم .. طبعًا بالتأكيد، وأن هذا السؤال نبهني لموضوع وهو إن بيوت الفنانين أو الشعراء، أو الكتَّاب أبناؤهم بالتأكيد سوف يتأثرون لأن المناخ العام داخل البيت يعد مناخًاً فنياً ومريم ولدتْ في بيت يمتلئ باللوحات والألوان والرسم ويدور بين جدرانه الحديث عن الفن وما أدراك عن هذه المواضيع ولكن مريم مختلفة عني تمام الاختلاف فينتاجها الفني لديها أعمال فيها الحداثة ولها تجربتها الخاصة بها وهي رسامة بكلية الفنون بطرابلس وواصلتْ دراستها بإيطاليا حيث درستْ «ماستر» بتاريخ الفن وقدراتها الفنية عالية جدًا، ويمكن للقارئ أن يشاهد عن كثب أعمالها ويحكم عليها.
مريم عندما تخرجتْ من كلية الفنون كان مشروعها عن سيدات ليبيات، انكبتْ على رسم جداتها وقريباتها البدويات كان مشروعًا جميلًا ولها أعمال تشهد بهذا مريم ابنتي ليَّ معها علاقة اجتماعية كبيرة، ومودة إلا أننا مختلفان في الذائقة. * من خلال كلامك على ابنتك أكيد لك بصمة ودعم غير محدود لتشجيعها في عالم الفن ؟
طبعًا حدث ذلك منذ البداية واليوم نجلس لكي نتحدث عن بعض التفاصيل وأحيانًا استشيرها في بعض أعمالي لكننا مختلفان تمامًا حتى أن طبيعة عملها تختلف عن طبيعة عملي .
سمعنا بأنك قدمتَ تصوراً لكتاب يضم أكثر من 100 فنان فإلى أين مصيره؟.
هذا الموضوع وعبر كل السنوات التي مضت كنتُ دائماً اقترح على كل المؤسسات أن تنجز مشروعًا ثقافيًا للعلم بأننا البلد الوحيد الذي لم يهتم نهائياً بالكتاب المصور للفنون وعلى سبيل المثال أريد أن اضرب مثلاً في تونس تقريباً جميع الفنانين التشكيليين صدرت لهم كتب واغلبها صدرت عن مؤسسات ووزارة الثقافة التونسية، وبمصر كذلك صدر لعدد كبير من الفنانين مثل هذه الكتب، والحال نفسه في لبنان، وسورية تقريباً أغلب الدول العربية مهتمة بهذا الشأن؛ فمثلما يحظىالكاتب بطبع كتابه، أيضًا الفنان التشكيلي يريد ذلك رغم ان هذا الكتاب مكلف، ولكن عائده كبير ولأجل توثيق ذلك للأجيال ولقد جمعنا عددًا من الصور من قبل الفنانين، وهي جاهزة، وكذلك جهزنا المقدمة للكتاب وكتبها الأستاذ «الطاهر المغربي» باعتباره استأذنا وترجمت إلى اللغة الإنجليزية وطلبنا من وزارة الثقافة تحديد الجهة التي سوف تطبع الكتاب، ولا بد من إشراف وإخراج اللجنة على الطبعة إلى حد يومنا هذا !!.
في الختام كلمة تخص بها شريحة الشباب فماذا تقول لهم ؟
الشباب يحتاجون الكثير خاصة ونحن لدينا شباب متميزٌ جداً ولدينا فنانون بكل معنى الكلمة، وعلى المؤسسات الرسمية الاهتمام بهم أولاً إن يتم إيفادهم للدراسة وأن يحضروا المحافل العربية والعالمية التي تقام كل سنة حتى يتعرفوا على التقدم الفني لدى كل الدول أيضًا تمكينهم من زيارة المتاحف العالمية لمشاهدة الأعمال العظمية خاصة التي أنجزها التاريخ في عصر النهضة.
وتبقى صحيفتكم )فبراير( لها كل الشكر والتقدير على كل الجهود المبذولة .. والله ولي التوفيق.