رأي

سباق التسلح الرقمي

هاشم شليق

انشغلت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬بامتلاك‭ ‬الأسلحة‭ ‬والردع‭ ‬النووي‭ ‬وغزو‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬حتى‭ ‬داهمت‭ ‬كورونا‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬طفرة‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الرقمية‭..‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬تقارير‭ ‬أن‭ ‬الفيديوهات‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬شكلت‭ ‬ثلثي‭ ‬التنقل‭ ‬داخل‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭..‬كما‭ ‬حصل‭ ‬تزاحم‭ ‬على‭ ‬تنزيلات‭ ‬تطبيقات‭ ‬الأعمال‭ ‬والتعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والتمويل‭..‬وجذبت‭  ‬منصات‭ ‬كثيرة‭ ‬مناشط‭ ‬مثل‭ ‬عقد‭ ‬الاجتماعات‭ ‬وإدارة‭ ‬الملفات‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭..‬كما‭ ‬أدت‭ ‬الجائحة‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬التعاملات‭  ‬المالية‭ ‬الرقمية‭ ‬والتسوق‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭..‬مما‭ ‬أحدث‭ ‬تحولاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التجارة‭..‬

يوجد‭ ‬اتجاهان‭ ‬يساهمان‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬المستقبل‭ ‬وهما‭ ‬بنية‭ ‬الديجيتل‭ ‬التحتية‭ ‬واكتساح‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭..‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬والإصطناعية‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬متسارع‭..‬لكن‭ ‬لاتزال‭ ‬هناك‭ ‬فوارق‭ ‬رقمية‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والأفراد‭..‬وهذا‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الفجوة‭ ‬التنموية‭ ‬بين‭ ‬القارات‭ ‬والأقاليم‭ ‬وخاصة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭..‬ويؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬التجمعات‭ ‬والتكتلات‭..‬فتخلف‭ ‬دولة‭ ‬عن‭ ‬أخرى‭ ‬رقميا‭ ‬يعيقها‭ ‬عن‭ ‬اللحاق‭ ‬بالأجندة‭ ‬المشتركة‭ ‬ويظل‭ ‬تنفيذها‭ ‬حبيس‭ ‬الأدراج‭..‬لتبقى‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭..‬ولا‭ ‬تشهد‭ ‬أية‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬بعد‭ ‬التوقيع‭ ‬والمصافحة‭ ‬أمام‭ ‬كاميرات‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الصحافية‭..‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬للمستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العمل‭ ‬بدون‭ ‬أدوات‭ ‬رقمية‭..‬

وهنا‭ ‬تمتلك‭ ‬بلادنا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬التكاليف‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الجودة‭..‬مثلما‭ ‬تعمل‭  ‬البلدان‭ ‬مرتفعة‭ ‬الدخل‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الحلول‭ ‬الرقمية‭ ‬لتبسيط‭ ‬الإجراءات‭ ‬ورفع‭ ‬الكفاءة‭..‬بالإستعانة‭ ‬بشركات‭ ‬الأعمال‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭..‬فقد‭ ‬حقق‭ ‬قطاع‭ ‬خدمات‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬مثل‭ ‬الاستشارات‭ ‬التقنية‭ ‬وتطوير‭ ‬البرمجيات‭ ‬نمواً‭ ‬عالميا‭ ‬سريعاً‭ ‬يعادل‭ ‬ضعفي‭ ‬سرعة‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد‭..‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬بمعدل‭ ‬ستة‭ ‬أضعاف‭..‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬والهند‭ ‬واليابان‭ ‬وألمانيا‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬استحوذت‭ ‬على‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬العالمية‭ ‬المضافة‭  ‬إلى‭ ‬الخدمات‭  ‬المعلوماتية‭..‬وقد‭ ‬دفعت‭ ‬تلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬المحتوى‭ ‬وإدارته‭ ‬بإتجاه‭ ‬موازي‭ ‬لنمو‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭..‬فهو‭ ‬لديه‭ ‬الإمكانية‭ ‬لتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬التنمية‭ ‬والكفاءة‭ ‬وإتاحة‭ ‬الفرص‭ ‬للبلدان‭ ‬النامية‭ ‬بما‭ ‬توفره‭ ‬تطبيقاته‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭..‬

قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ليبيا‭ ‬دولة‭  ‬صناعية‭ ‬عملاقة‭ ‬وليس‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬دخل‭ ‬إلا‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭..‬في‭ ‬ظل‭ ‬مطالبات‭ ‬دولية‭ ‬بالتقليل‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭  ‬الطاقة‭ ‬الإحفورية‭..‬واستبدالها‭ ‬بالطاقات‭ ‬البديلة‭ ‬نظرا‭ ‬لظاهرة‭ ‬الإحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬التي‭ ‬تتمدد‭ ‬مع‭ ‬صعوبة‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭..‬وبما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬محلية‭ ‬جادة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬فإن‭ ‬الفرصة‭ ‬مواتية‭ ‬بعد‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬لثرواتنا‭ ‬لتكون‭ ‬دولتنا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتسابق‭ ‬على‭ ‬التسلح‭ ‬الرقمي‭..‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬تجارب‭ ‬جديدة‭ ‬لنا‭ ‬تتطلب‭ ‬البناء‭ ‬عليها‭..‬فالبشرية‭ ‬وقد‭ ‬عاشت‭ ‬عصورا‭ ‬متتالية‭ ‬من‭ ‬الإجتماع‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭..‬سوف‭ ‬تتولى‭ ‬جمع‭ ‬ثلاثتهم‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬واحد‭ ‬جيوش‭ ‬من‭ ‬منظومات‭ ‬رقمية‭ ‬يقودها‭ ‬عقل‭ ‬إصطناعي‭..‬وختاما‭ ‬أيها‭ ‬السيدات‭ ‬والسادة‭ ‬فيروس‭ ‬الرقمنة‭ ‬الذكي‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬ولا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬استقباله‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى