رأي

عن الحفظ  والتجديد

نجاح مصدق

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تستهوينا‭ ‬معرفة‭ ‬الماضي‭ ‬والتواصل‭ ‬معه‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬نقع‭ ‬فيها‭ ‬عشقا‭ ‬لجغرافيا‭ ‬ما‭ ‬او‭ ‬مكان‭ ‬بعينه‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬نره‭ ‬بسببا‭ ‬ما‮ ‬‭ ‬ذكر‭ ‬عنه‭ ‬ووصف‭ ‬به‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬وحفظته‭ ‬الاجيال‭ ‬لعصور‭ ‬عدة‮ ‬

لايوجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬احدظلم‭ ‬يسمع‭ ‬او‭ ‬يشاهد‭ ‬صورا‭ ‬او‭ ‬يقرا‭ ‬عن‮ ‬‭ ‬سور‭ ‬الصين‭ ‬العظيم‭ ‬او‭ ‬نوتردام‭ ‬باريس‭ ‬او‭ ‬دار‭ ‬اوبرا‭ ‬سيدني‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬اهرامات‭ ‬الجيزة‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬البترا‭ ‬او‭ ‬معبد‭ ‬انغكور‮ ‬‭ ‬وات‭ ‬في‭ ‬كمبوديا‭ ‬او‭ ‬سحرته‭ ‬اسرار‭ ‬برج‭ ‬ايفل‭ ‬وبيغ‭ ‬بن‭ ‬لندن‭ ‬او‭ ‬شده‭ ‬الجمال‭ ‬حد‭ ‬الدهشة‭ ‬لاكربوبوليس‮ ‬‭ ‬باليونان‭ ‬ولا‭ ‬الكولوسيوم‭ ‬بروما‭ ‬ونصب‭ ‬لنكوان‭ ‬بواشنطن‭ ‬يكاد‭ ‬العالم‭ ‬اجمع‭ ‬وكل‭ ‬الشركات‭ ‬السياحية‭ ‬تعدها‭ ‬مزارا‭ ‬لسواحها‭ ‬وعلامة‭ ‬على‭ ‬تفوق‭ ‬الانسان‭ ‬بالعمارة‭ ‬والابداع‭ ‬في‭ ‬اعلى‭ ‬صورة‭ ‬له

بغداد‭ ‬ودمشق‭ ‬والقاهرة‭ ‬وعمان‭ ‬وقرطاج‭ ‬ومكة‭ ‬وصنعاء‭ ‬وطرابلس‭ ‬واخواتها‭ ‬لبدة‭ ‬صبراته‭ ‬وقورينا‭ ‬كلها‭ ‬مدن‭ ‬تاريخية‭ ‬وبعضها‭ ‬عواصم‭ ‬ومراكز‭ ‬لتجمع‭ ‬اعدادا‭ ‬بشرية‭ ‬مهولة‭ ‬امتازت‭ ‬كل‭ ‬مدينة‭ ‬بخصائصها‭ ‬وسماتها‭ ‬وحفظت‭ ‬الذاكرة‭ ‬البصرية‭ ‬الهوية‭ ‬التاريخية‭ ‬لكل‭ ‬مدينة‭ ‬بما‭ ‬تحاكي‭ ‬به‭ ‬الهوية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنسيج‭ ‬الداخلي‭ ‬والبيئة‭ ‬المناخية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬مرت‭ ‬اجيال‭ ‬واجيال‭ ‬وهذه‭ ‬المدن‭ ‬تحاول‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬اعتراها‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بتجذرها‭ ‬واصالة‭ ‬عمقها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرقعة‭ ‬وما‭ ‬تنقله‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬عمرانها‭ ‬والوانها‭ ‬وشوارعها‭ ‬وسواحلها‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬علق‭ ‬بالذاكرة‮ ‬‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الازمنة

اليوم‭ ‬مايشهده‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬يطال‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬مفاجيء‭ ‬حد‭ ‬الصدمة‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬مدينة‭ ‬تخلو‭ ‬بيوتها‭ ‬ومعالمها‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬للهدم‭ ‬والتغيير‭ ‬والطمس

ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الاهمال‭ ‬الذي‭ ‬نكاد‭ ‬لا‭ ‬نبريء‭ ‬تعمده‭ ‬رغم‭ ‬اللباس‭ ‬الجديد‭ ‬والحلة‭ ‬الساحرة‭ ‬غير‭ ‬الصامدة‭ ‬التي‭ ‬يسعي‭ ‬رواد‭ ‬التغيير‭ ‬لفرضها‭ ‬وابدال‭ ‬الاصل‮ ‬‭ ‬الحقيقي‭ ‬بمباني‭ ‬على‭ ‬طراز‭ ‬عصري‭ ‬لصنع‭ ‬مدن‭ ‬ذكية‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬الامر‭ ‬برمته‭ ‬يعد‭ ‬تطاولا‭ ‬وتدميرا‭ ‬لذاكرة‭ ‬بصرية‭ ‬وطمسا‭ ‬لهوية‭ ‬مدن‭ ‬تعاقبت‭ ‬الاجيال‭ ‬على‭ ‬تذكرها‭ ‬ومعرفتها‮ ‬

ماذا‭ ‬سيبقى‭ ‬اذا‭ ‬فقدت‭ ‬بيوت‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬بطرابلس‭ ‬وسقطت‮ ‬‭ ‬او‭ ‬تغيرت‭ ‬بمكعبات‭ ‬اسمنتية‭ ‬لاروح‭ ‬فيها‭ ‬ماذا‭ ‬سيبقى‭ ‬اذا‭ ‬دمرت‭ ‬وازليت‭ ‬بالكامل‭ ‬شوارع‭ ‬مثل‭ ‬شارع‭ ‬شوقي‭ ‬هنا‭ ‬او‭ ‬قصر‭ ‬مثل‭ ‬قصر‭ ‬توفيق‭ ‬باشا‭ ‬بمصرهناك‮ ‬‭ ‬وغيرها

ماذا‭ ‬سميز‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬عن‭ ‬اخرى‭ ‬وماذا‭ ‬سيتذكر‭ ‬القادمون‭ ‬من‭ ‬الاجيال‭ ‬عن‭ ‬مدن‭ ‬افرغت‭ ‬من‭ ‬روحها‭ ‬واستبدلت‭ ‬بالاسمنت‭ ‬وغلب‭ ‬المزيف‭ ‬عن‭ ‬الحقيقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى