ثقافة

قراءة في رواية (العلكة) للكاتب منصور ابوشناف

سراج الدين الورفلي

لقد‭ ‬اتخذت‭ ‬رواية‭ ‬العلكة‭ ‬للكاتب‭ ‬منصور‭ ‬بوشناف‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬شكلا‭ ‬معكوسا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬،فالعادة‭ ‬جرت‭ ‬ان‭ ‬تترجم‭ ‬الرواية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تشتهر‭ ‬بلغتها‭ ‬الأصلية‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬بدت‭ ‬كأنها‭ ‬ترجمت‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬كتبت‭ ‬بلغتها‭ ‬الاصلية،‭ ‬فقد‭ ‬انهالت‭ ‬الكتابات‭ ‬النقدية‭ ‬عليها‭ ‬بلغات‭ ‬أجنبية‭ ‬عدة‭ ‬وأتت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬الرواية‭ ‬بلغتها‭ ‬الاصلية‭ ‬تسبقها‭ ‬سمعتها‭ ‬الدعائية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬منها‭ ‬لغزا‭ ‬مشوقا‭ ‬ولذيذا‭ ‬،

‭ ‬لايوجد‭ ‬شيء‭ ‬يشد‭ ‬انتباه‭ ‬القارئ‭ ‬مثل‭ ‬العنوان‭ ‬،وان‭ ‬كان‭ ‬العنوان‭ ‬بدا‭ ‬معتما‭ ‬وغامضا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬فهو‭ ‬أيضا‭ ‬يترك‭ ‬القارئ‭ ‬مدهوشا‭ ‬وفي‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمره‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مستعجلاً،

‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬المقتضب‭ ‬والمكثف‭ ‬لأبعد‭ ‬حد‭  ‬والمسبوق‭ ‬بلام‭ ‬التعريف‭ (‬العلكة‭)‬ظننت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬غاب‭ ‬عنه‭ ‬عنوان‭ ‬اخر‭ ‬مرادف‭ ‬وغارق‭ ‬في‭ ‬المحلية‭ ‬،‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬بجهد‭ ‬ليبي‭ ‬فاشل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الاحيان‭ ‬لدغدغة‭ ‬واستجداء‭ ‬العالمية‭ ‬ك‭( ‬لُبان‭) ‬مثلا‭ ‬،‭ ‬الموازي‭ ‬لكن‭ ‬بأصالة‭ ‬أكثر‭ ‬لمعنى‭ ‬العلكة‭ ‬،لكن‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬الرواية‭ ‬ستدرك‭ ‬الخدعة‭ ‬،الصنارة‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬فيها‭ ‬الروائي‭ ‬الطعم‭ ‬،‭ ‬الجبنة‭ ‬المستوردة‭ ‬المسمومة‭ ‬التي‭ ‬تستهوي‭ ‬الفئران‭ ‬الوطنية،‭ ‬فأختيار‭ ‬العنوان‭ ‬كان‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬ذكاء‭ ‬جميل‭ ‬يخدم‭ ‬الرواية‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬عنوان‭ ‬لهواة‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬الرواية‭ ‬كلها‭ ‬تطوف‭ ‬حول‭ ‬العلكة‭ ‬وحركتها‭ ‬المفرغة‭ ‬من‭ ‬اللوك‭ ‬،لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬بسهولة‭ ‬حذف‭ ‬اللبان‭ ‬كعنوان‭ ‬،فاللبان‭ ‬أكثر‭ ‬ايجابية‭ ‬من‭ ‬العلكة‭ ‬فهو‭ ‬لايرتبط‭ ‬بالاستهلاك‭ ‬والرأسمالية‭ ‬،العلكة‭ ‬أكثر‭ ‬عبثية‭ ‬والزمن‭ ‬فيها‭ ‬يسير‭ ‬بخطين‭ ‬مثل‭ ‬الرواية‭ ‬تماما‭ ‬،‭ ‬الخط‭ ‬المستقيم‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬كأن‭ ‬لانهاية‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬الخط‭ ‬الوهمي‭  ‬العام‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭ ‬والتي‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تدري‭ ‬تعتقد‭ ‬بلا‭ ‬أدنا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬تسير‭ ‬فيه‭ ‬بحذر‭ ‬وفطنه‭ ‬،‭ ‬اما‭ ‬الخط‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬الاجزاء‭ ‬التي‭ ‬يحتوي‭ ‬عليها‭ ‬الخط‭ ‬العام‭ ‬،‭ ‬الخط‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تقطيعة‭ ‬بقسوة‭ ‬بمجرد‭ ‬ان‭ ‬يتذوق‭ ‬الفم‭ ‬عصارة‭ ‬حلاوة‭ ‬العلكة‭ ‬والتي‭ ‬تنتهي‭ ‬بشكل‭ ‬مفاجئ‭ ‬بمجرد‭ ‬ان‭ ‬تبدأ‭ ‬،

‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬الليبية‭ ‬نقول‭ ‬عن‭ ‬العلكة‭ (‬مستيكا‭ )‬،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬تشبه‭ ‬بشكل‭ ‬سطحي‭ ‬كلمة‭ (‬الاستاتيكا‭ )‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬وهو‭ ‬علم‭ ‬السكون‭ ‬،‭ ‬وبوصف‭ ‬اكثر‭ ‬شاعرية‭ ‬فالاستاتيكا‭ ‬هو‭ ‬دراسة‭ ‬حركة‭ ‬الاشياء‭ ‬الساكنة‭ ‬،مثل‭ ‬العلكة‭ ‬تماما‭ ‬،وهذه‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬بلغة‭ ‬سهلة‭ ‬وجذابة‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬الاشياء‭ ‬الساكنة‭ ‬،ان‭ ‬تكرار‭ ‬بعض‭ ‬الجمل‭ ‬داخل‭ ‬الرواية‭ ‬يخدم‭ ‬تماما‭ ‬مفهوم‭ ‬اللوك‭ ‬والتكرار‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬بلاوعي،

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬رولان‭ ‬بارت‭ ‬مايفعل‭ ‬حين‭ ‬اخرج‭ ‬للعالم‭ ‬فكرته‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬المؤلف‭ ‬،ولا‭ ‬اعرف‭ ‬كيف‭ ‬تلقف‭ ‬النقاد‭ ‬الأكاديميين‭ ‬العرب‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬لتتحول‭ ‬وتحت‭ ‬ضغط‭ ‬السلطة‭ ‬القومية‭ ‬الى‭ ‬قتل‭ ‬المؤلف‭ ‬فخرج‭ ‬النقاد‭ ‬بهراواتهم‭ ‬وأمواسهم‭ ‬ومسدساتهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ليمثلوا‭ ‬بجثته‭ ‬النتنة‭ ‬المؤدلجة‭ ‬فأحرقوا‭ ‬مشاريعه‭ ‬،قريته‭ ‬،منزل‭ ‬عائلته‭ ‬الصغير‭ ‬،ورغم‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬قد‭ ‬قتل‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬الحرائق‭ ‬ولكن‭ ‬النقاد‭ ‬مضوا‭ ‬في‭ ‬تصفيتهم‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصلهم‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬،‭ ‬والحدث‭ ‬الأكثر‭ ‬وحشية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬قتل‭ ‬المؤلف‭ ‬بل‭ ‬نسيانه،وترك‭ ‬جثته‭ ‬المتفحمة‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬مكبات‭ ‬النفاية‭ ‬مجهولة‭ ‬الى‭ ‬الأبد،‭ ‬والنظرية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬اساسها‭ ‬تحرير‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الرقابة‭ ‬التقليدية‭ ‬،‭ ‬واظهار‭ ‬النص‭ ‬كفعل‭ ‬أدبي‭ ‬مستقل‭ ‬وقوي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقييده‭ ‬بمؤلفه‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬تحررت‭ ‬المسيحية‭ ‬وانتشرت‭ ‬بموت‭ ‬المسيح‭ ‬،اتضح‭ ‬ان‭ ‬مفعولها‭ ‬عند‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬صار‭ ‬هو‭ ‬التسطيح‭ ‬ومشاريع‭ ‬ناقصة‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭ ‬ومرمية‭ ‬في‭ ‬ادراج‭ ‬دور‭ ‬الناشر‭ ‬اؤلئك‭ ‬الجواسيس‭ ‬الودودين‭ ‬الذين‭ ‬تحكموا‭ ‬في‭ ‬الذائقة‭ ‬الشعبية‭ ‬وجعلوها‭ ‬مستودعات‭ ‬للخرذة‭ ‬،

‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لأفهم‭ ‬التشكيل‭ ‬الابداعي‭ ‬ولأدهش‭ ‬أكثر‭ ‬كان‭ ‬علي‭ ‬استجلاب‭ ‬التركيب‭ ‬المسرحي‭ ‬للمؤلف‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬استخدم‭ ‬بوشناف‭ ‬مهارته‭ ‬المصقولة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬لتدشين‭ ‬فضاءه‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬،‭ ‬فالمسرحي‭ ‬يجيد‭ ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادة‭ ‬الأدب‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تقشف‭ ‬المناظر‭ ‬والأمكنة‭ ‬ويستطيع‭ ‬بذكاء‭ ‬مراوغ‭ ‬حشو‭ ‬تلك‭ ‬الزوايا‭ ‬الضيقة‭ ‬بكم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الأزمنة‭ ‬،فمهما‭ ‬ارتقت‭ ‬الرواية‭ ‬عند‭ ‬الواقعيين‭ ‬السذج‭ ‬ومهما‭ ‬ارادوا‭ ‬كتابة‭ ‬اكثر‭ ‬صرامة‭ ‬سيظل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬اشكال‭ ‬الحياة‭ ‬المسرحية،‭ ‬وفي‭ ‬المسرح‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬مافيزولي‭ ‬كل‭ ‬مشهد‭ ‬جاد‭ ‬او‭ ‬ليس‭ ‬جادا‭ ‬جدا‭ ‬او‭ ‬ليس‭ ‬جادا‭ ‬على‭ ‬الاطلاق‭ ‬هو‭ ‬مشهد‭ ‬مهم‭ ‬،‭ ‬فالعدم‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬،لأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مهم‭ .‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬عالمنا‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬الوقت‭ ‬لشيرلوك‭ ‬هولمز‭ ‬،‭ ‬فالشخصيات‭ ‬داخل‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تخيل‭ ‬اشكالها‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬أهميتها‭ ‬تماما،‭ ‬ورغم‭ ‬ورود‭ ‬دلالات‭ ‬مثل‭( ‬بطلنا‭ ‬وبطلتنا‭) ‬الا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يبدو‭ ‬بعيدا‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬الابطال‭ ‬الحقيقيين‭ ‬،ان‭ ‬البطل‭ ‬والبطلة‭ ‬هنا‭ ‬مجرد‭ ‬ممثلين‭ ‬وان‭ ‬بدو‭ ‬منضبطين‭ ‬فهم‭ ‬مجرد‭ ‬ممثلين‭ ‬،يؤدون‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬جزء‭ ‬آخر‭ ‬كان‭ ‬يمكنهم‭ ‬لعبه‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬والتفاني،‭ ‬ولقد‭ ‬تورطت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بالاشتباه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الكائنات‭  ‬هنا‭ ‬جميعا‭ ‬تخفي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تبدي‭ ‬،ومن‭ ‬هنا‭ ‬تورطت‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬محقق‭ ‬أبله‭ ‬بجلب‭ ‬اجهزة‭ ‬كشف‭ ‬الكذب‭ ‬واختبار‭ ‬الحقيقة‭ ‬والبحث‭ ‬المهووس‭ ‬عن‭ ‬البراهين‭ ‬وشهادات‭ ‬الشهود،‭ ‬فتناسيت‭ ‬كون‭ ‬الكائنات‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬دائما‭ ‬خادعة‭  ‬لكنها‭ ‬دائما‭ ‬غامضة‭ ‬وهي‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬جهد‭ ‬مغاير‭ ‬لاختراق‭ ‬غموضها‭ ‬،فهنا‭ ‬الاحداث‭ ‬لارجعة‭ ‬فيها‭ ‬،والهوس‭ ‬بالتفسير‭ ‬مجرد‭ ‬مضيعة‭ ‬للوقت‭ ‬،والحفر‭ ‬تحت‭ ‬الشجرة‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬منه‭ ‬،ففي‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬الشيء‭ ‬الحقيقي‭ ‬لاينتهي‭ ‬ابدا‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يرقد‭ ‬منهكا‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬من‭ ‬علامته،‭ ‬وهنا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬لويس‭ ‬كارول‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬كل‭ ‬الجري‭ ‬الذي‭ ‬يمكنك‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬،لتظل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المكان‭.‬

اردت‭ ‬حقا‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬ينقذني‭ ‬و‭ ‬يخبرني‭ ‬بأن‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬هم‭ ‬الابطال‭ ‬الحقيقين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬الذكية‭ ‬،فليبيا‭ ‬اختصرت‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مجدي‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬وطرابلس‭ ‬انقسمت‭ ‬الى‭ ‬ثلاثة‭ ‬اقسام‭ ‬اكثرهما‭ ‬طولا‭ ‬المتحف‭ ‬والحديقة‭ ‬،‭ ‬واقصرهما‭ ‬المزرعة‭ ‬،‭ ‬وهنا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتشقلب‭ ‬لنرى‭ ‬الأمر‭ ‬بشكل‭ ‬معكوس،‭ ‬فلا‭ ‬الحدائق‭ ‬ولا‭ ‬المتاحف‭ ‬هما‭ ‬المهمتان‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬،‭ ‬فحدائقنا‭ ‬والى‭ ‬أمد‭ ‬قريب‭ ‬كانت‭ ‬مهملة‭ ‬و‭ ‬مكبات‭ ‬نفاية‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للمتاحف‭ ‬فأنت‭ ‬لن‭ ‬تفهم‭ ‬تماما‭ ‬ماذا‭ ‬تعنيه‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬،ولكن‭ ‬المزرعة‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬احوازة‭ ‬الى‭ ‬استراحة‭ ‬،والتي‭ ‬حولها‭ ‬الليبيين‭ ‬الى‭ ‬متاحف‭ ‬وحدائق‭ ‬ودور‭ ‬عبادة‭ ‬وملاهي‭ ‬ليلية‭ ‬وصالات‭ ‬العاب‭ ‬وسجون‭ ‬وقلاع‭ ‬وقصور‭ ‬وزرائب‭ ‬ومخازن‭ ‬،فكما‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬هي‭ ‬مزرعة‭ ‬القائد‭ ‬،حول‭ ‬الليبييون‭ ‬مزارعهم‭ ‬الى‭ ‬عدة‭ ‬ليبيات‭ ‬صغيرة‭ ‬ذات‭ ‬حدود‭ ‬حقيقية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬مفرغة‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬زمن‭ ‬يذكر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬لاتعترف‭ ‬سوى‭ ‬بلغة‭ ‬واحدة‭ ‬رسمية‭ ‬للزمن‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬الانتظار‭ ‬اللامشروط‭ ‬،فالمزارع‭ ‬هي‭ ‬مكان‭ ‬رائع‭ ‬لإنتظار‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬أبدا،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬ثني‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬المدهشة،‭ ‬وطالما‭ ‬نحن‭ ‬ننتظر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فلابأس‭ ‬بجعل‭ ‬الزمن‭ ‬يتكرر‭ ‬الى‭ ‬مالانهاية‭. ‬

يتكرر‭ ‬ذكر‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬بعشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬المقياس‭ ‬الفعلي‭ ‬لها،‭ ‬ففي‭ ‬الرواية‭ ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬ليبيا‭ ‬يتم‭ ‬تقسيم‭ ‬الزمن‭ ‬بشكل‭ ‬ضمني‭ ‬الى‭ ‬أجيال‭ ‬ولكنه‭ ‬قياس‭ ‬للعد‭ ‬فحسب‭ ‬وذلك‭ ‬كما‭ ‬يشطب‭ ‬السجين‭ ‬المحكوم‭ ‬بالمؤبد‭ ‬الخطوط‭ ‬بخط‭ ‬مائل‭ ‬،وهكذا‭ ‬بمجرد‭ ‬انتهاء‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬يتم‭ ‬وضعه‭ ‬داخل‭ ‬صندوق‭ ‬واغلاقه‭ ‬بشكل‭ ‬محكم‭ ‬وايداعه‭ ‬في‭ ‬ارشيف‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الصناديق‭ ‬الممتلئة‭ ‬بالغبار‭ ‬في‭ ‬العليات‭ ‬المنسية‭ ‬،‭ ‬فكل‭ ‬جيل‭ ‬قائم‭ ‬بذاته‭ ‬ويمارس‭ ‬القطيعة‭ ‬بشكل‭ ‬قاسي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬سبقه‭ ‬وبتلقائية‭ ‬عجيبه‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬بعده‭ ‬أيضا‭ ‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أزمنة‭ ‬مكدسة‭ ‬داخل‭ ‬ليبيا‭ ‬يصعب‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ . ‬

ظل‭ ‬شيء‭ ‬أخير‭ ‬أردت‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬فهناك‭ ‬حب‭ ‬لا‭ ‬يكترث‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬سارد‭ ‬الرواية‭ ‬نفسه‭ ‬وان‭ ‬بدا‭ ‬احيانا‭ ‬متعاطفا‭ ‬معه‭ ‬،وموت‭ ‬داخل‭ ‬الرواية‭ ‬،‭ ‬موت‭ ‬بالجملة‭ ‬،‭ ‬موت‭ ‬بلامعنى‭ ‬،مع‭ ‬عدم‭ ‬تفكيكه‭  ‬او‭ ‬فهمه‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬وعدم‭ ‬اعطاءه‭ ‬اي‭ ‬هيبة‭ ‬وهذا‭  ‬الأمران‭ ‬لا‭ ‬يدلان‭ ‬سوى‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬البدوية‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬ليبيا‭ ‬،‭ ‬

لقد‭ ‬تمكنت‭ ‬رواية‭ ‬العلكة‭ ‬بشكل‭ ‬مدهش‭ ‬وجذاب‭ ‬من‭ ‬تشريح‭ ‬الفم‭ ‬الذي‭ ‬يلوك‭ ‬العلكة‭ ‬،‭ ‬وان‭ ‬كنت‭ ‬تنتظر‭ ‬مثلي‭ ‬أو‭ ‬مثلنا‭ ‬وأنت‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬فيمكنك‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬مد‭ ‬يدك‭ ‬وتلمس‭ ‬تحت‭ ‬الكرسي‭ ‬،ستجد‭ ‬العلكة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬تلوكها‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬تنتظر‭ ‬أيضا‭ ‬فمك‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى