يحكوا على راعي في الزمان الأول كان يحاول إدخال قطيعه من «الأغنام والماعز» إلى الزريبة بعد إنتهاء يومه المعتاد من رعيها في السهول وكان الماعز المعروف بشقاوته لكأنه يرفض الدخول إلى الزريبة ومازال يرغب في اللعب وإفساد الشجر والزيتون )كعادته( الراعي يحاول جاهداً إدخاله صائًحا بلغة )المعيز( .. )إري.. إري.. إخنخ ..( وهي ألفاظ يقال إنها تستعمل لزجر «المعيز» حسب الدارج ويبدو أن أحدًا ما إبتكرها من كثرة مخالطته لها وتبينت له جدواها فأطلع عليها المهتمين بالشأن الماعز وعلم نفس )البراشن( لتصبح مادة التواصل بين البشر، والمعيز ويقال إنها تصلح حتى للخرفان وهي مؤثرة في القطيع على مر العصور مع بعض الاختلاف في اللهجات إن صحت التسمية
فـ)البرشني( وهو «تيس» الماعز وكبير القوم لديهم يعلم أن )أري(.. تعني :توقف أو ان هذا التصرف غير مقبول في المجتمع المشترك
)والكبش يعرف أن كلمة ) أُرُج(.. تعني المعنى نفسه مع إختلاف اللفظ ، وهذا يدل على أنهم كأعراق مختلفة يعرفون ما ينبغي وما يجب بمجرد سماعهم للفظ كل فيما يخصه ..
الحاصل تعب الراعي وهو يجاهد من أجل نهي «البرشني» عن العبث والخروج عن السياق والمتفق عليه وهو يهرب ويرفض الإستجابة معلناً تمرده على راعيه ويبدو لي أنه شعر بالظلم وإنتابته الرغبة في تمضية الوقت كما يحب هو لا كما يريد راعيه حتى أنُهك الراعي فتركه وهو يقول له )إري .. إري ..( والبرشني يرفض الإنصياع
)مسكر رأسه( فقال له الراعي في آخر الأمر:
)تو يجيك الشتاء .. وتشقي( .
الراعي يعرف أن قرة العنز لا ترحم المعيز لأنهم غير محصنين بالصوف كالأغنام والبرشني متهور ولا يعقل ما يحصل أو أنه منبهر بإنطلاقه وكسره لأوامر وقيود الراعي .
الحاصيلو تركه الراعي لقدر يكاد يكون معروفاً ولا ينجو منه الا طويل العمر وإن نجا فسيكون معلولا ولا يصلح لشيء ..
هذي القصة ذكرتني بثقافة القطيع رغم أني لستُ معها ولا ضدها أيضا الا أني أري بوجوبها إذا ماكانت تفيد السلامة والإيجابي من الأمور .
حتى القطيع بحكمه نظام يميزه عن غيره من القطعان ويشكل هويته ونمط حياته أي عاداته ولغته ووسائل التواصل المتفق عليها ومن يشذ عنها ينبذ بعيدا عن المحموعة ويصير بالتالي منفيا عنها وغير مؤثر فيها بجنوحه وسلوكه وعلى إمتداد الزمن تعودت حياتهم وبناهم الجسدية والفكرية )طبعاً الفكرية كنمط مختلف عن البشر مؤثر في سلوك الحيوان( وإن كان مشابهاً بإعتبار أننا نقول إنها تعلمتها بحكم تعودها وتكرارها لها بفضل البشر .. وليس هذا موضوعنا .
فالحكاية تدل على أن الخروج عن السياق ضارٌ، وقد لا تكون معرفتك هي المعرفة الكاملة الشاملة فإنك إن عرفت شيئًا غابت عنك أشياء وتمسكك برأيك سيقودك مباشرة الى الإحتمالات التي تخضع للضرورة والنسبية وهي مصير حتمي نسير نحوه ونتطلع لجعله زاهراُ ومفعما بالمسرات .
وليس بالضرورة الإنصياع المباشر والسريع العاطفي بل إن العقل ) إن توفر( سيكون قائداً وراعٍ شفوق ومهتم بالمصلحة فماذا لو إستمعنا له ونظرنا حولنا ..
سنجد الأفق مليء بالصراخ اللحوح يدعونا للتوقف والتساؤل الضروري هل هذا هو الوقت المناسب للعب ..
وهل نعي أننا نلعب بمصائرنا وبلادنا وأننا بذلك نقودها مباشرة ) لقرة العنز ( ..
وأن الشتاء الذي نعيشه قاسيًا ولا يحتمل ..
أترانا نتنازل عن العبث الذي نمارسه يومياً مقابل القيمة التاريخية والإحترام الحقيقي للنظام ولأنفسنا وللبلاد التي إختنقت بعقلية «البرشني» المطلوس ..
أرجو ذلك والا فإننا سنواجه شتاءً تاريخياً لم يذكر من قبل في كتب التاريخ .