رأي

سنوات شلقم مراجعة أم تراجع

آمين مازن

أفلحت‭ ‬سنوات‭ ‬العزيز‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬شلقم‭ ‬التي‭ ‬عنون‭ ‬بها‭ ‬مذكراته‭ ‬ذات‭ ‬الخمسمائة‭ ‬وخمسين‭ ‬صفحة‭ ‬في‭ ‬دفعي‭ ‬لاستعادة‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬المحددة‭ ‬بالعام‭ ‬التاسع‭ ‬والأربعين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حيث‭ ‬مولد‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭ ‬والتاسع‭ ‬والستين‭ ‬منه‭ ‬حيث‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالعرش‭ ‬الملكي،‭ ‬عندما‭ ‬صار‭ ‬شلقم‭ ‬أحد‭ ‬الذين‭ ‬أهّلتهم‭ ‬نتائج‭ ‬امتحان‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬للدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬آداب‭ ‬القاهرة‭ ‬ليلتقي‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سبعينياته‭ ‬العقيد‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬بباب‭ ‬العزيزية‭ ‬حيث‭ ‬المكتب‭ ‬الصحفي‭ ‬الذي‭ ‬ولجه‭ ‬شلقم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬بلقاسم‭ ‬الزوي‭ ‬أبرز‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬التحقوا‭ ‬بالعهد‭ ‬الجديد‭ ‬واشتهر‭ ‬بنزعته‭ ‬الخيّرة‭ ‬وتواضعه‭ ‬الذي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬المتسرع‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الأهلية،‭ ‬فبدأ‭ ‬شلقم‭ ‬مشواره‭ ‬العملي‭ ‬وتواصله‭ ‬مع‭ ‬عديد‭ ‬الأسماء‭ ‬ليأتي‭ ‬سرده‭ ‬ومجموع‭ ‬انطباعاته‭ ‬التي‭ ‬تُسوِّغ‭ ‬للبعض‭ ‬وليس‭ ‬كذلك‭ ‬للبعض‭ ‬الآخر،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬معشر‭ ‬الذين‭ ‬كُنّا‭ ‬قد‭ ‬طرقنا‭ ‬الكتابة‭ ‬بالصحف‭ ‬الخاصة‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬لبعضها‭ ‬الموقف‭ ‬الملحوظ‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬مما‭ ‬حدا‭ ‬بالعهد‭ ‬الثوري‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬منها‭ ‬الموقف‭ ‬غير‭ ‬الودّي‭ ‬والذي‭ ‬حاولت‭ ‬شخصياً‭ ‬أن‭ ‬أُحِدَّ‭ ‬منه‭ ‬عندما‭ ‬كُلِّفتُ‭ ‬بإدارة‭ ‬المطبوعات‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدكتور‭ ‬المُغربي‭ ‬أثناء‭ ‬ترؤسه‭ ‬لأول‭ ‬حكومة،‭ ‬وقد‭ ‬أبلغني‭ ‬حينها‭ ‬المُغربي‭ ‬بعدم‭ ‬موافقة‭ ‬القيادة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ارتأيت،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬الحكام‭ ‬الجدد‭ ‬لاستلام‭ ‬الحكم‭ ‬ويدعوهم‭ ‬إليه‭ ‬عديد‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يرتاحوا‭ ‬لما‭ ‬يتبنّاه‭ ‬المُغربي‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬تقشفية‭ ‬وحَدٍّ‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإدارية‭ ‬والحقائب‭ ‬الوزارية‭ ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬طائرة‭ ‬سيناء‭ ‬ومجاهرة‭ ‬القوى‭ ‬الوطنية‭ ‬المستنيرة‭ ‬باستنكار‭ ‬ضعف‭ ‬الجبهة‭ ‬المصرية‭ ‬وخروج‭ ‬مظاهرات‭ ‬مستنكرة‭ ‬حرص‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬زوارة‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬حملات‭ ‬الاعتقال‭ ‬التي‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي‭ ‬عن‭ ‬استقالته‭ ‬وانفتاح‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬على‭ ‬الشقيقة‭ ‬مصر‭ ‬وتوسع‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬القادمين‭ ‬منها‭ ‬بطلب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طلب‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المجال‭ ‬الصحفي‭ ‬حيث‭ ‬اختفى‭ ‬أي‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الأسلوب‭ ‬الليبي‭ ‬كتابةً‭ ‬أو‭ ‬إخراجاً،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬أُطلِقَ‭ ‬عليه‭ ‬إعلان‭ ‬سلطة‭ ‬الشعب،‭ ‬وما‭ ‬استحدثته‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النشاط‭ ‬الفردي‭ ‬ومن‭ ‬بينه‭ ‬الصحفي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تعذّرَ‭ ‬معه‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬مهني‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬التوجه‭ ‬العام‭ ‬الرامي‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬الحكم‭ ‬الشمولي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬لشلقم‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬عليه‭ ‬التوجه‭ ‬لأوروبا‭ ‬من‭ ‬المدخل‭ ‬الإيطالي‭ ‬واحتراف‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬وما‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الصراع‭ ‬والتنافس‭ ‬والطموح‭ ‬للممكن‭ ‬وغير‭ ‬الممكن‭ ‬معولاً‭ ‬على‭ ‬ثنائي‭ ‬‮«‬القايد‭ ‬والرايد‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كُنا‭ ‬نسمي‭ ‬الإثنين‭ ‬ونحن‭ ‬نقوم‭ ‬بما‭ ‬أُنيط‭ ‬بنا‭ ‬أو‭ ‬سعينا‭ ‬إليه‭ ‬وشاركنا‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬عقد‭ ‬جلود‭ ‬سلسلة‭ ‬اجتماعاته‭ ‬وإعداد‭ ‬مخططه‭ ‬الذي‭ ‬ردَّ‭ ‬عليه‭ ‬العقيد‭ ‬بهدم‭ ‬مبنى‭ ‬الحكومة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صُيَّنَ‭ ‬بالملايين‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬موقعه‭ ‬الأثري‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬ألَا‭ ‬قبول‭ ‬لما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬جلود‭ ‬من‭ ‬مأسسة‭ ‬العهد‭ ‬كي‭ ‬يبقى‭ ‬مع‭ ‬علمه‭ ‬المسبق‭ ‬أن‭ ‬الرفض‭ ‬هو‭ ‬المنتظر،‭ ‬لينزوي‭ ‬‮«‬الرايد‮»‬‭ ‬ويستمر‭ ‬‮«‬القايد‮»‬‭ ‬في‭ ‬مشواره‭ ‬ويحلّ‭ ‬شلقم‭ ‬بأرفع‭ ‬موقع‭ ‬دبلوماسي‭ ‬دولي‭ ‬ويشهد‭ ‬تمزيق‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬كما‭ ‬فصّل‭ ‬عن‭ ‬الحضور‭ ‬والجلوس‭ ‬وخرق‭ ‬الترتيبات‭ ‬وتأكدَ‭ ‬لعديد‭ ‬الخبراء‭ ‬ألّا‭ ‬مكانَ‭ ‬لمن‭ ‬فعل‭ ‬هذا‭ ‬مستقبلاً‭ ‬ريثما‭ ‬حلَّ‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬وأحدث‭ ‬ما‭ ‬أحدث‭ ‬واتخذ‭ ‬شلقم‭ ‬ما‭ ‬اتخذ‭ ‬وكتب‭ ‬ما‭ ‬كتب،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يكتب‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لنستعرض‭ ‬ما‭ ‬أنجز،‭ ‬والسؤال‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬السنوات‮»‬‭ ‬مراجعة‭ ‬أم‭ ‬تراجع‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬مجال‭ ‬للأمرين،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬حمله‭ ‬الكتاب‭ ‬يتسع‭ ‬لذلك‭ ‬كله‭ ‬ويستدعي‭ ‬التناول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬فإن‭ ‬تحية‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬منجزه‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الطموح‭ ‬نحوه،‭ ‬كيف‭ ‬والوشائج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُحصى‭ ‬والمحتويات‭ ‬أدعى‭ ‬لاختلاف‭ ‬الرؤى،‭ ‬وحسب‭ ‬العمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭ ‬والسنوات‭ ‬قد‭ ‬جاءت‭ ‬بهذا‭ ‬التنوع‭ ‬ويبقى‭ ‬المنتظر‭ ‬من‭ ‬الكاتب‭ ‬الذي‭ ‬انفتح‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬عبّرَ‭ ‬بها‭ ‬أمثال‭ ‬قرامشي‭ ‬وكروتشة‭ ‬وتولياتي‭ ‬وبرلينقوير‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬منجزاً‭ ‬يُذكر‭ ‬له‭ ‬وربما‭ ‬يخلّده،‭ ‬فمن‭ ‬أُتِيَ‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬جوامع‭ ‬الكَلَم‭ ‬ليس‭ ‬مستحيلاً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى