رأي

بين العقل والعاطفة

معمر الزايدي

الإختلافات،‭ ‬والصراعات‭ ‬المنتجة‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬مفيد‭ ‬ويتطلع‭ ‬لموقع‭ ‬أفضل‭ ‬هي‭ ‬غالباً‭ ‬ماتكون‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬أساس‭ ‬عقلي‭ ‬منبني‭ ‬على‭ ‬حيثياث‭ ‬ومنطق‭ ‬طبيعي‭ ‬وفكر‭ ‬ناقد‭ ‬مستنير‭ ‬وموضوعي‭ ‬لاينحاز‭ ‬الا‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولايتعاطف‭ ‬مع‭ ‬سواها‭ ‬وهو‭ ‬السلوك‭ ‬الطبيعي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الواعية‭ ‬بمراحلها‭ ‬والتي‭ ‬تسعي‭ ‬بشكل‭ ‬دؤوب‭ ‬وجاد‭ ‬للتغير‭ ‬والتطور‭ ‬وتكريس‭ ‬الأولوليات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬توفير‭ ‬كل‭ ‬مايتطلع‭ ‬اليه‭ ‬الإنسان‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬البسيط‭ ‬وكذلك‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬باعتبارها‭ ‬العائلة‭ ‬الكبيرة‭ .‬ولاشك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬نتفق‭ )‬نظرياً‭( ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬نتفق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬الحركة‭ ‬الفكرية‭ ‬ودينامية‭ ‬الصراع‭ ‬وكيفيته‭ ‬ونتائجه‭ ‬التي‭ ‬نناضل‭ ‬لأجلها‭ ‬وفق‭ ‬ثوب‭ ‬فكري‭ ‬نؤمن‭ ‬به‭ ‬ونسعى‭ ‬لتوطينه‭ ‬وتوطيده‭ .‬ولا‭ ‬أرى‭ ‬ضرورة‭ ‬هنا‭ ‬لتفصيل‭ ‬قد‭ ‬لايكون‭ ‬سوى‭ ‬مملاً‭ ‬بقدر‭ ‬مايفيد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬أسباب‭ ‬الصراعات‭ ‬واهدافها‭ ‬ووو‭ ‬غيرها‭ . ‬أردت‭ ‬فقط‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬كضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬ماسة‭ ‬وملحة‭ ‬تستوجب‭ ‬إنطلاقه‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬أو‭ ‬منهج‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬عقل‭ ‬وليس‭ ‬غيره‭ ‬كونه‭ ‬تخصصاً‮ ‬‭ ‬يعنيه‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬وحقه‭ ‬المقدس‭ )‬فكرياً‭( . ‬الذي‭ ‬لو‭ ‬سلب‭ ‬منه‭ ‬لإختلت‭ ‬الموازين‭ ‬وضاعت‭ ‬البوصلة‭ ‬في‭ ‬عواصف‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬تتشابك‭ ‬لتصير‭ ‬بنا‭ ‬ألى‭ ‬خضم‭ ‬بحر‭ ‬متلاطم‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التى‭ ‬لايمكن‭ ‬حلحلتها‭ ‬الا‭ ‬بغير‭ ‬المعقول‭ ‬وبالتالي‭ ‬سنكون‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصفة‭ ‬وفي‭ ‬المأزق‭ ‬الحقيقي‭ ‬دونما‭ ‬عقل‭ ‬أو‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يجري‮ ‬‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬وسط‭ ‬خضم‭ ‬متلاطم‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬الخطيرة‭ ‬والحرجة‭ ..‬العقل‭ ‬والعاطفة‭ .. ‬هما‭ ‬وحدهما‭ ‬المحركان‭ ‬الرئيسان‭ ‬لدورة‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬ولكل‭ ‬مكانته‭ ‬ووظيفته‭ ‬داخل‭ ‬مسار‭ ‬منطقي‭ ‬يميزنا‭ ‬عن‭ ‬غيرنا‭ ‬مه‭ ‬المخلوقات‭ ‬غير‭ ‬العاقلة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تجردت‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬النقدي‭ ‬والتحليلي‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬توظيفه‭ ‬خادماً‭ ‬لرعونات‭ ‬عاطفية‭ ‬لاتخدم‭ ‬سوى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬وهو‭ ‬صاحبها‭ ‬والداعي‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬إستثمار‭ ‬لعواطف‭ ‬الآخرين‭ ‬وتوظيفها‭ ‬لتغذية‭ ‬الصراع‭ ‬وتأجيجه‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬تجعلك‭ ‬تظن‭ ‬أنها‭ ‬مسئلة‭ ‬وجودية‭ ‬ماسة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحياة‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬الذى‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬العاطفة‭ ‬لجمع‭ ‬المكاسب‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬صراعها‭ ‬المستديم‭ ‬مع‭ ‬العقل‭ ‬الملجم‭ ‬لعنفوانها‭ ‬وتغولها‭ …‬كلامي‭ ‬ليس‭ ‬خفياً‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬مشفراً‭ ‬ولا‭ ‬عجيباً‭ ‬بقدر‭ ‬ماهو‭ ‬يشير‭ ‬الى‭ ‬ضرورة‭ ‬ان‭ ‬نقف‭ ‬صادقين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أنفسنا‭ ‬وسط‭ ‬مايجري‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ .. ‬نحن‭ ‬فعلا‭ ‬نحتاج‭ ‬لمواجهة‭ ‬أنفسنا‭ ‬أولا‭ ‬وتنظيم‭ ‬أفكارنا‭ ‬وتحديد‭ ‬أرضياتتها‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬منها‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬عقلانية‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬نتحرك‭ ‬كالقطيع‭ ‬تسوقه‭ ‬العاطفة‭ ‬غير‭ ‬المنطقية‭ ‬والعمياء‭ ‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬فعلا‭ ‬بحاجة‭ ‬لكل‭ ‬هذي‭ ‬التحركات‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬والى‭ ‬أين‭ ‬سيقودنا‭ ‬ذلك‭ .. ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التروي‭ ‬والتفكير‭ ‬ضروري‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذى‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تتفاعل‭ ‬بشكل‭ ‬عجيب‭ ‬وسريع‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬ودون‭ ‬منطق‭ ‬يحكمها‭ ‬سوى‭ ‬آليات‭ ‬العناد‭ ‬والأنفس‭ ‬المتغولة‭ ‬والتى‭ ‬لاوجهة‭ ‬محددة‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التشظى‭ ‬والفرقة‭ . ‬والعجيب‭ ‬أن‭ ‬يطال‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬العاطفي‭ ‬المشحون‭ ‬بالتعصب‭ ‬والجهوية‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬نحتسبهم‭ ‬من‭ ‬نخبة‭ ‬المفكرين‭ ‬حيث‭ ‬الإيمان‭ ‬المشبوه‭ ‬بالقبيلة‭ ‬والجماعة‭ ‬والتيارات‭ ‬الفكرية‭ ‬وهذا‭ ‬فكر‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬ضار‭ ‬حين‭ ‬يترجم‭ ‬المفكر‭ ‬سقوطه‭ ‬الفكري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدلجة‭ ‬العاطفة‭ ‬وتحميل‭ ‬الذاتي‭ ‬على‭ ‬الموضوعي‭ ‬والضرب‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭ ‬للأمانة‭ ‬الفكرية‭ ‬الوطنية‭ ‬ولاأجد‭ ‬تفسيراً‭ ‬لذلك‭ ‬سوى‭ ‬أنها‭ ‬دفاعات‭ ‬خاصة‭ ‬عن‭ ‬بريستيج‭ ‬شخصى‭ ‬لايفوتنا‭ ‬تشخيصه‭ ‬وتسجيله‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬التاريخ‭ .. ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬عاصمتنا‭ ‬طرابلس‭ ‬بأجمعهم‭ ‬ينطلقون‭ ‬من‭ ‬عواطف‭ ‬ضارة‭ ‬لاتفيد‭ ‬سوى‭ ‬مصالحهم‭ ‬ولاتؤدي‭ ‬برأيي‭ ‬الإ‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التشظي‭ ‬والفرقة‭ .. ‬وليس‭ ‬هكذا‭ ‬تورد‭ ‬الإبل‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭ ‬لامن‭ ‬الحكومة‭ ‬ولامن‭ ‬رافضيها‭ ‬ويظل‭ ‬الحوار‭ ‬العقلاني‭ ‬الجاد‭ ‬والرصين‭ ‬هو‭ ‬مفتاح‭ ‬السعادة‭ ‬وأولى‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والثوران‭ ‬الذي‭ ‬لايؤدي‭ ‬الا‭ ‬الى‭ ‬المزيد‭ ‬مم‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬تخنق‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬صاحب‭ ‬الوطن‭ ‬الحقيقي‭ .. ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬يستفيق‭ ‬الجميع‭ ‬ويحتكموا‭ ‬إلى‭ ‬الصدق‭ ‬والعقل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬البيت‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الجميع‭ ‬ولايكون‭ ‬أمامنا‭ ‬سوى‭ ‬الخسارات‭ ‬الفادحة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لاتعوض‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى