
الاحتفال بعيد الأضحى المُبارك في مدينة درنة شيء مختلف تماماً، هي مناسبة دينية ثقافية اجتماعية، تختلط فيها الأجواء الإيمانية والتقاليد الثقافية مع العادات والتقاليد المتوارثة، حيث يحافظ الدراونة على عاداتهم وتقاليدهم التي توارثوها منذ القدم خلال الاحتفال بعيد الأضحى، الذي يحبون تسميته بــ)العيد الكبير(.
وتحظى هذه المناسبة بمكانة كبيرة ومميزة، تتخللها طقوس وتقاليد تتفرد بها، ولا زالت حتى الآن في الكثير من المناطق مستمرة رغم التغير الذي تشهده الحياة المعاصرة، ويرتبط الاحتفال بالعيد بشكل أساسي بثقافة الدراونة، وبعاداتهم وتقاليدهم الراسخة.
فمن العادات الدرناوية الجميلة في يوم العيد تحضير الدرناويات لطبق لذيذ خاص بيوم العيد، وهو «طبيخة العيد الدرناوية»، التي لا يخلو بيت في مدينة درنة أيام العيد المبارك من هذه الأكلة، التي تعد من أشهر وأطيب الأكلات الشعبية، ومن ألذ المأكولات الليبية، ومن رموز الموروث الغذائي الليبي، بل تعد من مظاهر عيد الأضحى المبارك، ويقبل عليها أهلنا في مدينة الزهر، والنّوار بشراهة لا توصف، حتى أن مطاعم شعبية انتشرت على نطاق واسع اهتمت بهذه الأكلة وأصبحت ضمن قائمة الوجبات الشعبية الرئيسة التي تقدم للزبائن من على حد سواء.
وتعد من الوجبات اللازم وجودها في أيام العيد والمناسبات، كما أنها من الأكلات التي يقبل عليها الناس في أيام البرد القارس في فصل الشتاء، لأنها تقي من برودة الصقيع، ولها قيمة غذائية عالية لاحتوائها على الأملاح والفيتامينات الموجودة في الخضراوات والنشويات في الخبز المصاحب لها، والبروتين في اللحم، وفيتامين B في الكبد، والصوديوم في ملح الطعام، وغيرها من القيم الغذائية العالية.
فعندما تجوب شوارع وأزقة وحواري «البلاد» المدينة القديمة في مدينة الزهر والنوار، تشتم رائحة هذا الطبق التي تنبعت من كل بيت درناوي أصيل، في شارع البحر وشارع الحبس وشارع الوادي تشم عبق الزهر والورد والياسمين تفوح من هذه الشوارع والأزقة، وفي الجوار القريب تشاهد عراجين الموز تتدلى في الوادي، ومنظر الرمان الشهي «صردوك درنة الشلفي»، في ذلك الزمن كانت هذه المدينة لؤلؤة ليبيا، لكن طالها الإهمال، في حقب زمنية، لكنها بقت، حتى بعد اعصار دانيال، الذي أتى على الكثير من معالمها، وعادت من جديد لأن الدراونة لهم تاريخ كبير، تتحدث عنهم ذاكرة المدينة الجميلة، التي تنقلنا لكل الأحداث الدرناوية التي مرت بالمدينة، كما نقلتني لها حكايات جدتي الصبورة و«الحنينة» صاحبة الروح المرحة، وهي تحدثني عن تاريخ هذه المدينة الزاهرة، وأهلها الطيبين.
أماكن ترعرعت بين جناباتها ثقافة وطنية وحس قومي أهلها لتلعب دورها التاريخي في الوحدة الوطنية، إننا أمام حالات استثناء صنعت من المكان محرابا للحياة، فما بالك حين تجد انك أمام استثناء مميز جدا.
تقول الباش مهندسة سُمية الجربي أصيلة مدينة الزهر والنوار، وعضو مؤسسة إرثنا للتراث والثقافة EFHC، في مدينة درنة الزاهرة:
تشتهر مدينة درنة الزاهرة بطبيخة العيد، في عيد الفطر وعيد الأضحى، كما أنها المدينة الوحيدة التي تشتهر بـ «المكرونة السوقو»، وأكثر شيء يبدع فيها الرجال في المناسبات، والرحلات، وتحضر بلحم العجل الصغير، وتشتهر بـ «كسكسو» الجنانات بالقديد، وتميز به عرب المغار في درنة القبائل الأندلسية، ولازالت الشوربة الدرناوية مختلفة على بقية المدن، كذلك الحساء الدرناوي، والمثرودة الدرناوية التي اشتهرت بها الشيف سالمة الهنيد، وهي التي شهرتها في المنطقة الشرقية، بالرغم من أنها اكلة شعبية قديمة.