رأي

حول تاريخنا وظاهرة الإقصاء

أمين مازن

اختار‭ ‬المثقف‭ ‬الأكاديمي‭ ‬النشط‭ ‬الدكتور‭ ‬فتحي‭ ‬بن‭ ‬قدارة‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإقصاء‭ ‬التي‭ ‬شاعت‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬الليبي‭ ‬منذ‭ ‬انبعاثه‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬فحالت‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬التكامل‭ ‬والبناء‭ ‬وما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تفادي‭ ‬القفزات‭ ‬غير‭ ‬السليمة،‭ ‬فجعل‭ ‬من‭ ‬العنوان‭ ‬موضوعا‭ ‬لمحاضرته‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأصبوحات‭ ‬التي‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬تنظيمها‭ ‬ضحى‭ ‬كل‭ ‬سبت‭ ‬حزب‭ ‬السلام‭ ‬والازدهار،‭ ‬فتيسر‭ ‬لي‭ ‬شخصيا‭ ‬حضورها‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬حيوية‭ ‬هذا‭ ‬الباحث‭ ‬المتمكن‭ ‬والمتابع‭ ‬الجيد‭.‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بتاريخ‭ ‬الثامن‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬حيث‭ ‬اختار‭ ‬منطلقا‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬الرواد‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬كتابة‭ ‬التاريخ،‭ ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬طاهر‭ ‬الزاوي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬المختار‭ ‬الذي‭ ‬أعدمه‭ ‬الفاشِست‭ ‬الطليان،‭ ‬فاتخذ‭ ‬منه‭ ‬الزاوي‭ ‬مسوغا‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قاسي‭ ‬نقده‭ ‬لأداء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السنوسيين‭ ‬في‭ ‬الجهاد‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬السيد‭ ‬إدريس‭ ‬المعروف‭ ‬يومئذ‭ ‬بالأمير‭ ‬والمُبايَع‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تجمع‭ ‬لقيادة‭ ‬ليبيا‭ ‬حربا‭ ‬أو‭ ‬مفاوضة‭ ‬عندما‭ ‬قرنت‭ ‬تركيا‭ ‬تنازلها‭ ‬عن‭ ‬ليبيا‭ ‬مكرهة‭ ‬لإيطاليا‭ ‬وأرفقت‭ ‬ذلك‭ ‬التنازل‭ ‬بإعطاء‭ ‬الليبيين‭ ‬استقلالهم،‭ ‬فامتشق‭ ‬الكثيرون‭ ‬سلاحهم‭ ‬رافضين‭ ‬التسليم‭ ‬للإيطاليين‭ ‬الذين‭ ‬رست‭ ‬بواخرهم‭ ‬بالشواطئ‭ ‬الليبية،‭ ‬وقد‭ ‬أثارت‭ ‬كتابات‭ ‬الشيخ‭ ‬الطاهر‭ ‬الزاوي‭ ‬معارضة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القادرين‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الشيخين‭ ‬الأخضر‭ ‬العيساوي‭ ‬ومحمد‭ ‬عبد‭ ‬الملك،‭ ‬ويومئذ‭ ‬نشط‭ ‬الحراك‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬باندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بهزيمة‭ ‬إيطاليا‭ ‬ضمن‭ ‬قوات‭ ‬المحور‭ ‬وانتصار‭ ‬الحلفاء‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬ضمنه‭ ‬بريطانيا‭ ‬وقد‭ ‬تنبهت‭ ‬مبكرا‭ ‬إلى‭ ‬حتمية‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬الدول‭ ‬المستعمرة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الاستقلال،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬المصير‭ ‬الليبي‭ ‬بالاستقلال‭ ‬وأفلحت‭ ‬سابقة‭ ‬السيد‭ ‬إدريس‭ ‬وتأييده‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لقاء،‭ ‬وكما‭ ‬أشرنا،‭ ‬أن‭ ‬تجعله‭ ‬الأجدر‭ ‬بتبوئ‭ ‬عرش‭ ‬الدولة‭ ‬الوليدة‭ ‬المتشكلة‭ ‬من‭ ‬برقة‭ ‬وطرابلس‭ ‬وفزان،‭ ‬وتبدأ‭ ‬حركة‭ ‬التدوين‭ ‬للتاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬فيشتد‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الذين‭ ‬تقدموا‭ ‬صفوف‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬ما‭ ‬أهلهم‭ ‬لترويج‭ ‬آرائهم‭ ‬بشأن‭ ‬التاريخ‭ ‬وغير‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬عداهم‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الشيخ‭ ‬الطاهر‭ ‬الزاوي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬حقوقه‭ ‬العلمية‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬سبتمبر‭ ‬69‭ ‬عندما‭ ‬عُيِّنَ‭ ‬مفتيا‭ ‬لليبيا‭ ‬ليشغل‭ ‬الموقع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬عديد‭ ‬الصعوبات‭ ‬وتفضيله‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بطرابلس‭ ‬فلم‭ ‬يُعلَن‭ ‬إنهاء‭ ‬عمله‭ ‬ولم‭ ‬يُذكر‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬بقائه‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬المسؤولية‭.‬

لم‭ ‬يبخل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحاضرين‭ ‬بتعقيباتهم‭ ‬أو‭ ‬أسئلتهم،‭ ‬وكان‭ ‬المُحاضِر‭ ‬شديد‭ ‬الترحيب‭ ‬بها‭ ‬استيضاحا‭ ‬أو‭ ‬إضافة،‭ ‬وكان‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أساهم‭ ‬بالكثير‭ ‬لولا‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬وقت‭ ‬الحاضرين‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬ما‭ ‬أدلى‭ ‬به‭ ‬المُحاضِر‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬قيمة،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متعلقا‭ ‬بما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬التضييق‭ ‬الذي‭ ‬لقيه‭ ‬الشيخ‭ ‬الطاهر‭ ‬الزاوي‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الملكي‭ ‬والذي‭ ‬وإن‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لإنكاره،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬التردد‭ ‬الذي‭ ‬تعلق‭ ‬بموقف‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الهوية،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يُسرِع‭ ‬باستخراج‭ ‬مستند‭ ‬السفر‭ ‬المؤكد‭ ‬لهويته‭ ‬الليبية،‭ ‬فظل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬الإقامة،‭ ‬فوجد‭ ‬المتربصون‭ ‬مبرر‭ ‬الانتقام‭ ‬والملابسات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬كثيرة‭ ‬وكلٌ‭ ‬يستطيع‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة،‭ ‬ولعل‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬يتسع‭ ‬لإلقاء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأضواء‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعطي‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬حق‭ ‬حقه‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تداخلت‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يأذن‭ ‬بتبين‭ ‬الخيط‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬الخيط‭ ‬الأسود‭ ‬‮«‬وَلِلَّهِ‭ ‬الْمَثَلُ‭ ‬الْأَعْلَىٰ‮»‬‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى