الرئيسيةحوار

هل‭ ‬لدينا‭ ‬تـأريخ‭ ‬للشعر‭ ..‬؟‭!‬

سالم‭ ‬العوكلي

 ‬تحقيب‭ ‬الشعر،‭ ‬أو‭ ‬الفنون‭ ‬عموماً،‭ ‬وفق‭ ‬أجيال‭ ‬عَقدية،‭ ‬قد‭ ‬يسرد‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعراء‭ ‬وفق‭ ‬أعمارهم،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يسرد‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعر،‭ ‬لأنّ‭ ‬كتابة‭ ‬التاريخَين‭ ‬مختلفة‭ ‬تماماً‭. ‬يقر‭ ‬الروائي‭ ‬المؤرخ‭ ‬للرواية‭ ‬الأوروبية‭ ‬وفق‭ ‬اكتشافاتها‭ ‬الجمالية‭ ‬والمعرفية‭ ‬أن‭ ‬‮«‬في‭ ‬هاتين‭ ‬العبارتين‭: ‬تاريخ‭ ‬ألمانيا،‭ ‬تاريخ‭ ‬فرنسا،‭ ‬يختلف‭ ‬المضاف‭ ‬إليه‭ ‬بينما‭ ‬يحتفظ‭ ‬مفهوم‭ ‬التاريخ‭ ‬بالمعنى‭ ‬ذاته‭.‬

وفي‭ ‬عبارات‭:‬‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬تاريخ‭ ‬التقنية،‭ ‬تاريخ‭ ‬العلم،‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ليس‭ ‬المضاف‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬المختلف،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬تاريخ‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬شيئًا‭ ‬مختلفًا‭. ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬الألمعي‭ )‬جوليان‭ ‬جراك‭( ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الأدب،‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬فقط،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يتضمن‭ ‬إلا‭ ‬أسماء‭ ‬الانتصارات،‭ ‬ما‭ ‬دامتْ‭ ‬الهزائم‭ ‬فيه‭ ‬ليستْ‭ ‬انتصارًا‭ ‬لأحد‮»‬‭.‬

حاولتُ‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬للشعر‭ ‬الليبي‭ ‬بادئًا‭ ‬من‭ ‬السؤال‭ ‬المبكر‭ ‬والمقلق‭ ‬للناقد‭ ‬خليفة‭ ‬التليسي‭ ‬‮«‬هل‭ ‬لدينا‭ ‬شعراء؟‭!‬‮»‬‭ ‬لكني‭ ‬أخفقتُ‭ ‬كمن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إبرة‭ ‬في‭ ‬كومة‭ ‬رمال،‭ ‬أو‭ ‬كمن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬خيوط‭ ‬حرير‭ ‬من‭ ‬غابة‭ ‬شوك،‭ ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬تبدتْ‭ ‬الهوية‭ ‬كهلام‭ ‬كلما‭ ‬حاولتُ‭ ‬لمسها‭. ‬ولكن‭ ‬فلنبدل‭ ‬سؤال‭ ‬التليسي‭ ‬بسؤال‭ ‬آخر‭: ‬هل‭ ‬لدينا‭ ‬تاريخ‭ ‬للشعر؟‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬افترضنا‭ ‬مبدئياً‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬المقصود‭ ‬يعني‭ ‬تاريخ‭ ‬الانتصارات‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬الشعر‭ ‬الليبي‭. ‬

للرواية‭ ‬الغربية،‭ ‬وللموسيقى،‭ ‬وللمسرح‭ ‬والرسم‭ ‬والشعر‭ ‬أيضاً‭ ‬تاريخ،‭ ‬استطاعتْ‭ ‬الحركة‭ ‬النقدية‭ ‬المواكبة‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الفنون‭ ‬أن‭ ‬تكتبه‭ ‬بشكل‭ ‬تراكمي‭ ‬وتحدد‭ ‬مساراته،‭ ‬ومنعطفاته،‭ ‬وثوراته،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬يرصد‭ ‬تاريخ‭ ‬الاكتشافات،‭ ‬وتتبع‭ ‬مسار‭ ‬الثيمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬طرحها‭ ‬وتجاوزها‭ ‬تباعاً‭. ‬فثمة‭ ‬مبدعون‭ ‬يوسعون‭ ‬مجال‭ ‬الإبداع‭ ‬أفقياً،‭ ‬وثمة‭ ‬مبدعون‭ ‬عبقريون‭ ‬يحفرون‭ ‬فيه‭ ‬رأسيًا‭. ‬فأين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬وما‭ ‬مدى‭ ‬إمكانية‭ ‬تلمس‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬للشعر‭ ‬الليبي؟‭. ‬هل‭ ‬تاهت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬السرد‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يتابعها‭ ‬نقدياً،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬ولفترة‭ ‬طويلة‭ ‬تجربة‭ ‬أفقية‭ ‬تراكم‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنين‭ ‬دون‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬لها؟‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرؤية‭ ‬الواضحة‭ ‬لهذا‭ ‬الماضي‭ ‬يمكن‭ ‬للشاعر‭ ‬الراهن‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬يضع‭ ‬قدمه،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬قلمه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يذهب‭ ‬بالنقلات‭ ‬الشكلية‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬عبر‭ ‬دروب‭ ‬يضيئها‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل،‭ ‬ويحددها‭ ‬البعد‭ ‬الزماني،‭ ‬ولا‭ ‬تستقي‭ ‬أوهامها‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬مكانية‭ ‬مبعثرة‭ ‬جعلت‭ ‬تجربتنا‭ ‬الحديثة‭ ‬مغرقة‭ ‬في‭ ‬تجريب‭ ‬الأشكال‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬تراكمًا‭ ‬يمكن‭ ‬سرده‭ ‬بانسياب‭ ‬دون‭ ‬تعثر‭. ‬ويؤكد‭ ‬هذا‭ ‬المصير‭ ‬خلو‭ ‬تجربتنا‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬‮«‬الجماعات‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬‮«‬البيانات‭ ‬الشعرية‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬ظهور‭ ‬من‭ ‬سموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬‮«‬التسعينيون‮»‬‭ ‬نهاية‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية‭ ‬تقريباًً،‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬لظاهرة‭ ‬الجماعات‭ ‬الشعرية‭ ‬وبياناتها‭ ‬من‭ ‬أهمية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إصرارهم‭ ‬في‭ ‬بياناتهم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬قتل‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬القطيعة‭ ‬التامة‭ ‬مع‭ ‬الماضي،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬اليُتم‭ ‬المعرفي‭ ‬أو‭ ‬اللُّقاطة‭ ‬الشعرية‭ ‬مصيراً‭ ‬محتماً‭ ‬لغالب‭ ‬تجاربهم‭. ‬ثمة‭ ‬تأريخ‭ ‬للشعر‭ ‬والفنون‭ ‬عموما،‭ ‬ليس‭ ‬بالتحقيب‭ ‬الكرونولوجي،‭ ‬ولكن‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬زلزالية‭ ‬غيرت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ما‭ ‬يجعلني‭ ‬أعتبر‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬منعطفاً‭ ‬مهما‭ ‬لعديد‭ ‬الفنون‭ ‬العربية‭ ‬عموماً،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القصيدة‭ ‬الليبية‭ ‬خصوصاً‭. ‬والحال‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬يَعتبر‭ ‬معظمُ‭ ‬النقد‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬هزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬العام‭ ‬1967‭ ‬شكلت‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬منعطفاً‭ ‬زلزالياً‭ ‬غيّرَ‭ ‬طبيعة‭ ‬ووجهة‭ ‬وخطاب،‭ ‬وحتى‭ ‬أشكال‭ ‬عديد‭ ‬الفنون‭. ‬رغم‭ ‬نبذي‭ ‬لمفهوم‭ ‬القطيعة‭ ‬كاستحالة‭ ‬زمنية،‭ ‬كتبتُ‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحراك‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ثم‭ ‬انتقاله‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬مقالةً‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬جيل‭ ‬القطيعة‮»‬،‭ ‬تطرقتُ‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬استثنائية‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الرقمي‭ ‬الذي‭ ‬انفجرت‭ ‬مكبوتاته‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ثم‭ ‬مصر‭ (‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬الثورة‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭) ‬وهو‭ ‬جيل‭ ‬فاجأ‭ ‬العالم‭ ‬لأن‭ ‬الكثيرين‭ ‬كانوا‭ ‬ينظرون‭ ‬إليه‭ ‬كجيل‭ ‬خامل‭ ‬وغير‭ ‬مبالٍ،‭ ‬ولا‭ ‬تطلعات‭ ‬له،‭ ‬لكنه‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬معطياً‭ ‬للعالم‭ ‬بظهره،‭ ‬منكفئاً‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬يرضع‭ ‬منها‭ ‬الضوء‭ ‬وكأنها‭ ‬نوافذ‭ ‬مشرعة‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬بإطلالة‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬متغيرات‭ ‬العالم‭ ‬السريعة‭. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنترنت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬متاع‭ ‬البيت‭ ‬الضروري،‭ ‬كنت‭ ‬حين‭ ‬أدخل‭ ‬مقهى‭ ‬إنترنت،‭ ‬أجده‭ ‬مكتظا‭ ‬بالشبان‭ ‬المنكفئين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النوافذ،‭ ‬يقيمون‭ ‬صداقاتهم‭ ‬وعلاقات‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬ويتابعون‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬التقني‭ ‬الذي‭ ‬يعدهم‭ ‬بالكثير،‭ ‬كي‭ ‬يغادروا‭ ‬عزلتهم‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬عزلة‭ ‬أنظمة‭ ‬كانت‭ ‬العتمة‭ ‬تقنيتها‭ ‬المفضلة‭ ‬لإعماء‭ ‬الحقائق‭ ‬ونشر‭ ‬الأشباح،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬الواقع‭ ‬الحي‭ ‬هو‭ ‬عالمهم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬وهذا‭ ‬العالم‭ ‬الضوئي‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ ‬الحقيقي‭. ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬الشاعرات‭ ‬والشعراء‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬القصيدة‭ ‬أداة‭ ‬تعبيرهم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحساسية‭ ‬الجديدة‭. ‬‮ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أذهب‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬إلى‭ ‬القطيعة‭ ‬بمفهومها‭ ‬السياسي‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفنون‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬التأثر‭ ‬بهذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬الجمالية‭ ‬الملهمة‭ ‬والتي‭ ‬أحالت‭ ‬الشارع‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬كرنفال‭ ‬ملون‭ ‬من‭ ‬الرفض‭ ‬والتمرد‭ ‬القَطْعي‭ (‬هذه‭ ‬المرة‭)‬،‭ ‬لأن‭ ‬خطابات‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الإصلاح‮»‬‭ ‬استُبدلت‭ ‬بهتاف‭ ‬جذري،‭ ‬والمفارق‭ ‬أنه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬يكون‭ ‬الهتاف‭ ‬نثرياً‭ ‬دون‭ ‬وزن‭ ‬أو‭ ‬قافية‭ ‬‮«‬الشعب‭ ‬يريد‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬الهتاف‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬شكّل‭ ‬نقلة‭ ‬جمالية‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون،‭ ‬واستعاض‭ ‬بالهدم‭ ‬وإعادة‭ ‬البناء‭ ‬عن‭ ‬الترميم‭ ‬والتلفيق،‭ ‬واعتقد‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬الفنون‭ ‬استجابت‭ ‬لهذه‭ ‬الرغبة‭ ‬الشاملة،‭ ‬ونتائج‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬باديةٌ‭ ‬بجلاء‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬الفنون‭ ‬الكتابية‭ ‬والبصرية،‭ ‬وهي‭ ‬نتائج‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تم‭ ‬ــ‭ ‬للأسف‭ ‬ــ‭ ‬اختزالها‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬السياسي‭ ‬المُحبِط‭. ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬أثر‭ ‬الطائر‭ ‬في‭ ‬الهواء‮»‬‭ ‬تطرقت‭ ‬أنا‭ ‬والشاعر‭ ‬عاشور‭ ‬الطويبي،‭ ‬في‭ ‬رسائلنا‭ ‬المتبادَلة،‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الشعرية‭ ‬الليبية‭ ‬الجديدة،‭ ‬حيث‭ ‬يقر‭ ‬عاشور‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬بداية،‭ ‬لا‭ ‬بُدَّ‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬أن‭ ‬حراكًا‭ ‬شعريًّا‭ ‬بأصوات‭ ‬شابَّة‭ ‬جديدة‭ ‬أخذ‭ ‬يتصدَّر‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬الليبي‭.‬‮»‬‭. ‬ويذكر‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬‮«‬ريم‭ ‬المبروك،‭ ‬سراج‭ ‬الورفَلِّي،‭ ‬أنيس‭ ‬فوزي،‭ ‬وفيروز‭ ‬العَوْكَلي‮»‬؛‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬في‭ ‬كتابات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكثيرُ‭ ‬من‭ ‬الغضب،‭ ‬والذي‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬الدينَ‭ ‬كخصمٍ،‭ ‬والأخلاق‭ ‬كعدوٍّ‭. ‬المفردة‭ ‬عند‭ ‬أغلبهم،‭ ‬وخاصّةً‭ ‬الذكور‭ ‬منهم،‭ ‬غير‭ ‬مُهذَّبة،‭ ‬وتقترب‭ ‬قصيدتهم‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬شارلز‭ ‬بوكوفسكي‭.‬القصيدة‭ ‬البوكوفسكية‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة‭. ‬غضب‭ ‬كبير‭ ‬وإحساس‭ ‬بالعبث‭ ‬واللا‭ ‬جدوى‭ ‬كبير؛‭ ‬لعلَّ‭ ‬هذا‭ ‬لِصِغَر‭ ‬السِّنِّ،‭ ‬وقلَّة‭ ‬التجربة،‭ ‬وووووو‭… ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬عاشه‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬يشيب‭ ‬له‭ ‬الرُّضَّع‭. ‬شعريًّا،‭ ‬النُّضجُ‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬وحَفرٍ‭ ‬مُستمرٍّ‭ ‬من‭ ‬المبدع‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬وعقله‭. ‬وفي‭ ‬سنتين‭ ‬قفز‭ ‬سراج‭ ‬الورفلي‭ ‬بنصِّه‭ ‬قفزات‭ ‬كبيرة‭. ‬هو‭ ‬يحاول‭ ‬تخطِّي‭ ‬نفسه،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬والدين‭ ‬والشعر،‭ ‬أحمد‭ ‬المكِّي‭ ‬المستجير،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬يرى‭ ‬بعين‭ ‬واحدة،‭ ‬وقلب‭ ‬واحد،‭ ‬أعني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬الآخرين،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬أصفه‭ ‬بالعلماني‭ ‬الديني‭. ‬دعنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬فيروز‭ ‬العوكلي‭. ‬فيروز‭ ‬تكتب‭ ‬وهي‭ ‬خائفة،‭ ‬كمن‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬فراشة‭ ‬ويخاف‭ ‬هروبها‭. ‬هي‭ ‬لا‭ ‬تكتب‭ ‬مثل‭ ‬بوكوفسكي‭. ‬خوفها،‭ ‬وربما‭ ‬الشَّكُّ‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬كشاعرة‭ ‬عاملان‭ ‬مهمَّان‭ ‬لجعلها‭ ‬تتلمَّس‭ ‬طريقها‭ ‬في‭ ‬الشِّعر،‭ ‬وإن‭ ‬استمرَّت‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬شأن‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري؛‭ ‬لأن‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬وراءها‭ ‬شاعرٌ‭ ‬خَوَّاف‭ ‬شَكَّاك‭ ‬تَصِلُ‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬نفسها‭ ‬ومكانتها‭. ‬الخوف‭ ‬والشك‭ ‬علامة‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح،‭ ‬لكل‭ ‬مبدع‭. ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخاف‭ ‬ولا‭ ‬يشكُّ،‭ ‬شاعِرٌ‭ ‬ميت‭. ‬وخوفي‭ ‬أن‭ ‬يرضى‭ ‬الشعراء‭ ‬الجُدُد‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬فيموتوا‭. ‬وأجيبُه‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬تالية‭: ‬‮«‬‭ ‬نعم،‭ ‬مثلما‭ ‬سُمِّيَت‭ ‬أجيال‭ ‬بالبودليرية،‭ ‬أو‭ ‬ربطت‭ ‬تجارب‭ ‬بجون‭ ‬بيرس،‭ ‬أو‭ ‬بجاك‭ ‬بريفيرا،‭ ‬أو‭ ‬إليوت،‭ ‬أو‭ ‬جيمي‭ ‬فريزر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تحرُّر‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬هاجسه‭ ‬القومي‭ ‬‮«‬القومي‭ ‬بمعنى‭ ‬استلابه‭ ‬تجاه‭ ‬تراثه‭ ‬القومي‭ ‬فقط‭ ‬وليس‭ ‬بالمعنى‭ ‬السياسي‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬البوكوفسكية‭ ‬وفق‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬بعثتَها‭. ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬يطَّلِعوا‭ ‬عليه‭ ‬مثل‭ ‬العديدين‭ ‬الذين‭ ‬سُمُّوا‭ ‬بالبودليريين،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سحر‭ ‬الشعر‭ ‬ومعجزته،‭ ‬ثمَّة‭ ‬إلهام‭ ‬واحد‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬قلق‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭.‬‮»‬‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى