رأي

الخمسون ديناراً وستة ملايين ليبي

محمد الرحومي

الكل‭ ‬وصف‭ ‬ماحدث‭ ‬جرا‭ ‬الخمسين‭ ‬ديناراً‭ ‬بأنها‭ ‬قصة‭ ‬حزينة‭ ‬أبطالها‭ ‬وضحاياها‭ ‬هم‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ..‬

هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بسحبها‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غياب‭ ‬السيولة‭ ‬ولا‭ ‬يرتبط‭ ‬بتداول‭ ‬سحب‭ ‬العملة‭ ‬ثم‭ ‬الثانية‭ ‬ولا‭ ‬ربما‭ ‬فئة‭ ‬العشرين‭ ‬ثم‭ ‬العشرة‭ ‬دنانير‭  ‬أيضاً‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالقيمة‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬يختزنها‭ ‬التجار‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬أصحاب‭ ‬الميراث‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬سيتعذر‭ ‬إيداعها‭ ‬في‭ ‬حساباتهم‭ ‬مسبقاً‭ ..‬

سرد‭ ‬هذا‭ ‬الحزن‭ ‬وهذه‭ ‬الربكة‭ ‬المحيرة‭ ‬فعلاً‭ ‬يبدأ‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬تعاملات‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬ومضحكة‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬ومزعجة‭ ‬حتى‭ ‬الهوس‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭ .‬

كيف‭ ‬لمصرف‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬بأن‭ ‬ثمة‭ ‬عملة‭ ‬مزورة‭ ‬وهي‭ ‬أساساً‭ ‬قد‭ ‬صرفت‭ ‬من‭ ‬صرافيه‭ ‬وأدوات‭ ‬صرفه‭ ‬وكيف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يرجع‭ ‬إيداعها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقوم‭ ‬بصرفها‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬للمواطن‭ ..‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يعلم‭ ‬فيه‭ ‬جيداً‭ ‬إنها‭ ‬غير‭ ‬متداولة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الليبي‭ .. ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الضخمة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الحلاقين‭ ‬وبراريك‭ ‬الخضرة‭ .‬

المواطن‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬اتبع‭ ‬ما‭ ‬راق‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تخمين‭ ‬كي‭ ‬يجد‭ ‬حلاّ‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬لذا‭ ‬اشترى‭ ‬قنينة‭ ‬ماء‭ ‬بورقة‭ ‬الخمسين‭ ‬واحتسى‭ ‬كوباً‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬بذات‭ ‬القيمة‭ ‬حتى‭ ‬يضمن‭ ‬بقاء‭ ‬رصيدها‭ ‬وهكذا‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ..‬

تاجر‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬لم‭ ‬يقبل‭ ‬بهذا‭ ‬التحايل‭ ‬على‭ ‬عقله‭ ‬أحياناً‭ ‬وفي‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى‭ ‬قبل‭ ‬التعامل‭ ‬بها‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬150‭ ‬ديناراً‭ ‬‮»‬‭ ‬كاملة‭ ‬الصرف‭ ‬دون‭ ‬رجوع‭ ‬لأي‭ ‬قيمة‭ ‬وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬أصبح‭ ‬السوق‭ ‬الليبي‭ ‬مزعجاً‭ ‬ومضحكاً‭ ‬ومبكياً‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ .‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬ومازال‭ ‬المواطن‭ ‬والتاجر‭ ‬يتأرجح‭ ‬مابين‭ ‬القيل‭ ‬والقال‭ ‬في‭ ‬اقتصادياته‭ ‬ومدخراته‭ ‬كما‭ ‬لازالت‭  ‬الدولة‭ ‬تائهة‭ ‬بين‭ ‬قرارات‭ ‬المصرف‭ ‬ونبض‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬انتهت‭ ‬به‭ ‬السبل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ..‬

وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬ليبي‭ ‬وليبية‭ ‬مصابون‭ ‬بدوار‭ ‬ورقة‭ ‬الخمسين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬أي‭ ‬بنادول‭ ‬يعيد‭ ‬له‭ ‬مزاج‭ ‬الحياة‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭ …‬

                  ‬كونوا‭ ‬بخير‭ ..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى