الرئيسيةلقاءات

المولد النبوي: جدل البدعة والاستحباب

إنتصار المغيربي

تهل علينا نفحات ربيع الأول بذكرى مولد النبي  الصلى عليه وسلم   ، والذي  اتفقت اغلب الدول العربية  والإسلامية  أن يكون في  الثاني عشر من ربيع الأول، وقد تعودت أغلب الأسر الليبية  أن تكون أجوائها مغايرة عن باقي الأيام  وليستشعر الصغار  خاصة  فرحة يوم مولده عليه الصلاة و السلام  فتتنوع وتختلف مظاهر الاحتفال بالسلب والإيجاب  في المدن الليبية .وكالعادة مع  إطلالة شهر ربيع الأول يثار الجدل الذي يتجدد  كل عام  بين من يرى بدعيته وبين من يرى استحبابه والاحتفال بذكرى مولد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام  ، وقد غاب عن المختلفين إعذار المخالف بالرأي من علامات الوعي والنضج لدى الإنسان،  ويخصص صناع القرار عطلة رسمية بمناسبة المولد النبوي الشريف تاركين  للناس  حرية الاختيار  فمن  وجد في الاحتفال خيرًا فليحتفل ومن وجد غير ذلك فليدع .

وجد هذا أجدادهم يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف التي تعد ثقافة إسلامية أصيلة ضاربة في جذور التاريخ لأكثر من ألف عام في العديد من البلدان الإسلامية في العالم. وليبيا كغيرها من الدول الإسلامية تحتفل العديد من الأسر بتجهيز أكلة العصيدة كموروث ثقافي يعتزون به في كل مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف لتبقى في أذهان الأحفاد نسيمًا عطرًا يفوح أريجه كلما مرّ في كل عام. وقد اختص هذا العام بمظاهر التضامن مع الناجين من فيضانات وسيول درنة إضافة إلى إحسان المنطقة الغربية وفزعتها واستمرار مد العون لصغار والكبار لإخوتهم في المنطقة الشرقية عامة ولدرنة خاصة.

م. محمد البصيري باحث بمركز المواصفات والمعايير القياسية  قال:

الاحتفال بالمولد النبوي أعاده الله علينا وعليكم وعلى جميع الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركة ، فهو  إظهار للسرور والاستبشار بمولده صل الله عليه وسلم، الذي به خرج العالم من الظلمات إلى النَّور، وأشار إلى التأكيد على أهمية الاحتفال؛ فهو وسيلة لتعريف شباب الإسلام بوصايا  النبي صل الله عليه وسلم وشمائله، ولأن في الاحتفال بالمولد النبوي تثبيت لقلوب المؤمنين، والثبات من أهم عوامل النصر، وهو  تربية للأجيال على محبة  النبي عليه الصلاة والسلام وتعظيمه وإجلاله، وهو وسيلة للدعوة إلى الله، وكم اهتدى باحتفالاته من شباب مراهق   كانوا منحرفين، ثم التحقوا بحلقات القرآن العظيم. ولا جرم أن هذه الأمور تغيظ أعداء الإسلام، وتبطل مخططاتهم، الهادفة إلى إبعاد الأمة عن نبيها وسلخها عن هويتها وأصالتها.

وأوضح قائلاً : نفترض  التسليم بصحة الاحتجاج بترك السلف الاحتفال بذكرى مولده الشريف فإن السلف لم يصلوا التهجد جماعة في المساجد إطلاقًا، ولم يختموا القرآن في التراويح، ولم يخصصوا مساحة خاصة للنساء في المساجد، ولم يقوموا بتنقيط القرآن وشكله وتقسيمه إلى أرباع وأثمان، ولم يكتبوا آيات قرآنية على جدران المساجد أو على ضريح النبي صل الله عليه وسلم، ولم يدونوا الحديث النبوي بل كانوا ينهون عن ذلك، ولم يحتفلوا بذكرى المولد النبوي الشريف ، فلماذا كل هذه الأمور التي لم يفعلها السلف تكون جائزة باستثناء الاحتفال بالمولد النبوي فيقولون هو بدعة محرمة ؟! 

من جهتها قالت  الأستاذة  إيمان المغيربي واعظة في الإرشاد الديني : أنه  لا وجه للمقارنة  فيما سبق في زمن النبوة و وقتتنا الحاضر وفعلاً  صلاة التهجد والقيام لو فعلها الرسول الكريم  لوجب على المسلمين اتباعه، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي النافلة  في بيته حتى لا تفرض وتصبح سنة واجبة، واستغربت من مجادلة  المثقفين لعلماء المسلمين  وهذا لا يجوز  وفيما يخص تنقيط الحروف؛ فالعرب لم يكونوا بحاجة لها  ثم عن القرآن الكريم كان محفوظًا في قلوب الصحابة عليهم رضون الله  وبسبب وفاتهم تم جمع القرآن الكريم  ثم من حسن الأدب مع نبينا لا يقال  زيارة قبر الرسول وصاحبيه رضوان الله عليهما بل يقال زيارة الحبيب المصطفى،  وهو في الحجرة الشريفة  أي لا توجد كتابة على  قبره عليه الصلاة والزخرفة في المساجد منهي عنها، أما النهي عن تدوين الحديث لانهم كانوا يحفظونه وعندما مات الصحابة بأعداد كبيرة  وتم تدوين الأحاديث أخذ عشرات السنين عن فلان وفلان ويتأكد من صحة الحديث ويشار إلى ضعف حديث ما العلة في الناقل أو السند ويعد علم الحديث من اصعب العلوم على الإطلاق  وعن ما قيل في زخرفة كسوة الكعبة المشرفة  فإن العرب تتسابق إليها   حتى قبل الإسلام، وأكدت إن الاحتفال بالمولد النبوي غير وارد عن السلف وإن  أمهات المسلمين لم يخصصوا يومًا للاحتفال بمولده وهن أولى به  وأوضح أننا نحتفل بقدوم نبينا  بالصلاة والسلام عليه كل يوم لا أن يخصص يوم في العام  وبما إننا مسلمين  فنحن نتبع ولا نبتدع  ولا بد أن ننتبه من تأثير الشيعة على بلادنا الإسلامية  كما حذرت من الابتعاد عن عادة أكل العصيدة  بمقارنات لا تجدي نفعاً  مع أهمية تحكيم العقل على العاطفة. وأن تكون فرحتنا بمولده عليه الصلاة والسلام بالتمسك بتعاليم الإسلام واتباع سنته ومساعدة إخوتنا في المنطقة الشرقية ، سائلين العلي القدير أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين  وأن يرحم شهداء فيضانات درنة وطبرق ويعوض الناجين  خيراً.

أ. ناجية خميس معلمة متقاعدة قالت : يشهد شهر ربيع الأول من كل عام جدلًا بين تحليل أو تحريم الاحتفال من جهة وأيضاً المظاهر السلبية كاشعال النَّار والألعاب النارية المزعجة ، ورغم تحذير وسائل الإعلام وخطباء المساجد في يوم الجمعة  وقيام الحرس البلدي بواجبه في مصادرة كل من يبيع الألعاب النارية قبل  يوم الميلود،  ولكن أغلب الناس يديروا ما يبو ! ؟؛ فكل ممنوع مرغوب وتجارة المفرقعات تدخل بالتهريب لأن الجمرك يمنع دخولها بحكم القانون  فيلجأ التجار إلى البيع الإلكتروني وتشهد ضواحي طرابلس قيام بعض الأسر بالاحتفال بإشعال النيران والألعاب النارية التي تسبب أضرارا جسيمة كفقد العين وحروق اليدين بل  سببت بعضها بتر الأصابع  والحروق في الوجه واليدين.

وأوضحت  أن قرب المولد الشريف يحتدم الصراع حول الاحتفال النبوي،  فيحتفل من يحتفل و يمتنع من يمتنع و يلتزم الحياد وأكدت إن الاحتفال عادة من عوائد الأجداد ،  وجدنا عليها  أباءنا  و أجدادنا و ليست لها علاقة بالعبادة و إنما عادات اجتماعية .وأكدت  رغم التوعية في وسائل  الإعلام  وفي صفحات التواصل الاجتماعي،  إلا إن الشباب  ومنهم التجار في تحدٍ صارخ وتناقض عجيب ،فهم  يدعون  انهم  يحتفلون  بالنبي صل الله عليه وسلم  ويظهرون  محبتهم  من خلال الإسراف الزائد  وإشعال المفرقعات  المدوية والعنيفة ، بينما نجدهم  في الوقت نفسه يخالفونه  فالبعض تارك لصلاة  أو يقطع الرحم ويفعل ما يغضب الله تعالى ، وهؤلاء ينطبق عليهم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود عليه.

والحمد لله أن أغلب الشباب بات واعيًا  بان الاحتفال بيوم الميلود  يكون بتطبيق  تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.

د. حاتم علي النجار  باحث في الدراسات الإسلامية  أوضح أن يوم المولد النبوي الشريف له خصوصية عند الليبيين، وقد استجاب العام الماضي العديد من الأسر  بعدم الإسراف والتبذير واقتصر الاحتفال بالأناشيد التي تسعد النفس وتقوي الارتباط الوجداني بالدين الإسلامي.

وأكد  أن أغلب الأسر تركز في التبرع بثمن الهدايا وشراء الحلويات  ليوم الميلود بمساعدة سكان درنة الناجين وأشار إلى تضامن أبناءه مع الناجين من الفيضانات في درنة وقد تبرعوا بما في «الشقاقة» من نقود  لشراء الفرش والملابس وتسليمها للهلال الأحمر وكانوا يدخرون النقود من مصروفهم لأجل ركوب الألعاب في الملاهي ليوم المولد النبوي الشريف.

 وأوضح أن دور الأسر هو  حث أبنائها على التفاعل مع إخوانهم في درنة يعد تعبيرا على محبتهم لرسول عليه الصلاة والسلام نهنئ الأمة الإسلامية بحلول شهر ربيع الأنوار والأسرار فهو شهر ميلاد سيد الخلق، سيد العالمين الأولين والأخرين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم أعاده علينا باليمن والأمان والرضى.

فتحية  المجبري موظفة قالت  : نهنئ الليبيين  بذكرى المولد النبوي  الشريف سائلين المولى العلي القدير أن يجعل قدوم هذا الشهر قدوم خير وفرج ونصر وعزة وفتح للإسلام والمسلمين  ، وأن يجعل أيامكم كلها أفراح وأن يعيده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة وعلى الأمة العربية والإسلامية بالفرج واليسر والخير.

وأوضحت أنه من المعتاد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وكان سابقا يستخدم  أبنائي  مع أطفال الجيران الألعاب النارية المتنوعة من بعد صلاة المغرب ولكن بسبب الأضرار  الصحية التي سببته  على جهاز التنفس وحالات الحروق،  تم منع شرائها أو إدخالها في البيت بل ونمنع أطفالنا من الخروج كي لا يصيبهم  الأذى من لعب  شباب الجيران بالألعاب النارية الخطرة والحمد لله هذا العام  اغلب الأسر عندها وعي بعدم شرائها  وعندما لا يجد التجار من يشتريها لن يستوردوها لاحقا. وأكدت أن الاحتفال بذكرى مولده الشريف باتباع سنته وتطبيق تعاليم الإسلام وأشارت إلى أهمية تعميق مفهوم صلة الرحم  عند الأبناء وهو من خلال التطبيق العملي كزيارة بيت الجد   يوم العطلة صباح يوم الميلود  وتجهز العصيدة  الليبية وتلتف العائلة حول الجدة التي تجهز عالة الشاهي  مع الحلويات التقليدية كالكعك المالح والغريبة والمقروض  ويتبادل الأسر الحديث عن كيفية مساعدة الناجين من الفيضانات في درنة . وأشارت أن هذا العام له خصوصية فالقلوب حزينة على ضحايا فيضانات وسيول مدينة درنة وقد اتفقت العائلة على التبرع بمال الألعاب النارية لمساعدة الناجين ولم يعترض أبناؤنا بل غمرت قلوبهم السعادة لمساعدة أطفال درنة.

أ. عبد الناصر الترهوني  تاجر قال  : يسعدني أن أتقدم إليكم بأصدق التهاني والتبريكات بمناسبة مولد النبي الشريف مولد الهداية للمسلمين سائلا المولى العلي القدير أن يجعلها بداية الخير والازدهار لكم ولجميع المسلمين. وأشار إلى بيع ما يلزم ليوم  الاحتفال بالميلود  فقام باستيراد من بلدان عربية ومن أجنبية  والبضاعة تتأخر حتى تصل قبل المناسبة بأيام ويتم التسويق عبر صفحتي على الفيس  ومنها الألعاب النارية الخفيفة  والدفوف والدرابيك للبنات  و تشكيله كبيرة من الفوانيس والألعاب، فهي الأكثر طلبًا وربحاً.

واكد أن الأطفال الناجين من الفيضان درنة  سيقدم لهم هدايا مجانية بمناسبة الميلود. وأشار إلى  استخدامها في الاحتفال بالأناشيد  وهذا الاحتفال ليس  بدعة ،  فإن مدح النبي صلى الله عليه وسلم والإنشاد له فقد بدأ من اليوم الأول الذي دخل فيه المدينة وصار الناس ينشدون فرحًا بطلعة رسول الله ويقولون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وقد أكثر شعراء الرسول (حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك) من الأبيات الرقيقة والعذبة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وختم قائلا على الإعلاميين أن يعلنوا   السرور فقد اقترب ذِكرى مولِد الرسول ؛ صلّوا عليه وسلّموا تسليما .

من جانبه غرد أ. محمد أبو القاسم الككلي  على صفحته في (الفيس بوك) قائلاً  : مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف يبدأ النقاش حول ما إذ كانت العصيدة بدعة أم لا، دون التطرق إلى مسألة شراء الألعاب النارية وإلحاق الضرر بعباد الله  هل هو حلال أم حرام . وما يهمنا في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو العصيدة التي ارتبطت بالمولد النبوي الشريف فقط. فهي طبق عربي يصنع من الدقيق المخلوط بالماء وقليل من الملح وقطرات من الزيت وهي من الأكلات الشعبية المشهورة ولها مكانة خاصة في المناسبات الاجتماعية.

وأشار إلى ليبيا وتونس فتقدم العصيدة  في أسبوع المولود الجديد، أو احتفالًا بالمولد النبوي الشريف، وفي الجزائر يعد طبق شتوي تقليدي له مكانة خاصة في المناسبات الاجتماعية، والعصيدة أكلة تحظى بشعبية خاصة في دول شمال أفريقيا لسرعة إعدادها ومذاقها الحلو وغالبًا ما يتم تقديمها في المناسبات الاجتماعية والمولد النبوي الشريف ، والخلاصة أن العصيدة عادة متوارثة عرفها العرب قبل الإسلام، فلا داعٍ لكل هذا النقاش حول العصيدة بدعة أم لا.

وفي السياق ذاته قال أ. يوسف الغزال تعرض أجدادنا لأزمنة القحط والجوع  فكانوا يدخرون  كل عام  ما يكفي من الدقيق والسمن ليكون عصيدة تقدم كإفطار صباحي في يوم (المولد الشريف) كان الأطفال في يوم المولد يأكلون حتي يشبعون من أغلى وجبة عندهم  أو أكثر أكلة يحبونها في ذلك الوقت وهى ( عصيدة بالسمن) والفرحة أكثر عندما تحلى بعسل النَحّْلة أو رُبّْ النَخّْلة ، حتى يبقى إسم الرسول يوم ميلاده في عقولهم وقلوبهم بطعم السمن والعسل. وأوضح أن  هذه البدعة الحسنة هي الخطوة الأولى التي تقوم بها العائلة الليبية في تحبيب النشئ  لشخص الرسول الكريم وأكد على أهمية انتقال  الأسر الليبية لمجموعة القيم والمعتقدات التي تؤمن بها  من جيل الأجداد إلى جيل الأحفاد. وبحكم الزمن تقبل المجتمع المسلم هذا التقليد وأخدت تتسع فكرة الاحتفال بالميلاد النبوي الشريف حتى شمل كل الفئات العمرية؛ احتفال للصغار يرفعون بالقناديل بما فيها من رمزية أن محمد النبي كان ميلاده (قنديلا) يضئ ظلامات الجاهلية الأولى ، ويلبسون ثيابا جديدة للبنات ونزخرف أيدهن بالحناء ، ويغني الأولاد وقناديلهم تضئ شوارع القرية وأزقتها ؛ وتتبعهم البنات يرفعن قنديل(حواء). أما كبار السن كان أغلبهم من الأميين يفرحون عندما يجدون من يقرأ عليهم سيرة الرسول الأعظم في خلوة الجامع مصاغة بلغة سهلة على عقولهم. والنساء تكحل عيونها وتزخرف أيديها وأرجلها بالحناء ليلة الميلود، ويتبادل النَّاس فيما بينهم التهاني والتبريكات بمولد الرسول الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى