ثقافة

رمضان في عيون المبدعين

استطلاع/ سميرة البوزيدي 

يأتي شهر رمضان وتحدث طقوس جديدة عن المعتاد .. إلى أي مدى يمكن القول بوجود مناشط وفاعليات رمضانية ثقافية تفلح في خلق طقس مغاير عن باقي العام؟, وهل لديك طقوس خاصة على المستوى الشخصي؟ 

أسئلة كبيرة 

عائشة الأصفرروائية 

لا قيمة عندي للمسافة الزمنية بين أول مرة  عرفتُ فيها رمضان وأنا في الخامسة عام 1961 وبين رمضان 2024. 

في الخامسة، خوفٌ وقلقٌ وفضولٌ من الرجل العملاق  الذي  سيصل بعد أيام، أراقب انشغال أمي والجارات والتجهيزات،، غربلة المطبخ ودار الخزين، تشميس وتحميص وتقديد .. السوق والطاحونة.. أجري وراء أمي تسبقني نظراتي المشوبة بالخوف، لو فقط تخبرني لِمَ كل هذا الاهتمام، ومن هو الرجل رمضان الذي سيغلق شارعنا بجسده الضخم؟، وماذا سيفعل بنا؟ في اليوم التالي وقبل وصول رمضان، تقف سيارة «لاندروفر» وسط الشارع وأمي والجارات يتسابقن نحوها بأكياس ومحمولات صغيرة وكبيرة قالت أمي إنها لإغاثة الجزائريين، قال والدي إن الفرنسيين يقتلون النَّاس في الجزائر  ويأخذون أرضهم ويحرمونهم أكلهم، وتفر النساء والأطفال  نحو الجبال، لم أهتم فأنا مرتعبة من مجيء العملاق رمضان بعد أيام، طمأنتني أمي أن رمضان شهر صوم  وليس رجلاً، وسنأكل فيه ليلاً البسيسة والتمر المعصد في زيت الزيتون، ونحتسي الشربة وستقلي لنا الكفتة، بعد يومين وعلى جدار  أبيض وكبير بداية شارعنا يُعرض فِلم عن حرب الجزائر، قال والدي إنهم يعذبون المجاهدين، وينتزعون أظافر البطلة «جميلة بوحيرد».. أول بطلة أحببتها كانت على جدار شارعنا في 1961، أحببتها دون أن أميز صورها في الفلم كما لم أتبين أية تفاصيل إلا الرعب الذي نقله لنا والدي،  ليلتها أغمضتُ يدي بقوة على أظافري وتكورتُ في حضن جدتي، ولم أسألها كيف يصوم الجزائريون الفارون بالنساء والأطفال من النيران والتعذيب للاحتماء بالجبال بلا عجين التمر؟ لا أعرف لماذا يسأل الأطفال في صمت؟ ربما بعض الأسئلة الكبيرة لا يمكنها التحرَّر من حلق طفلة بالروضة، 

ربما هو الفرق بين رمضان 61 ورمضان 2024، أن يخرج السؤال الكبير من حلقي: كيف في رمضان الإسلام تباد شعوب المسلمين، تُنزع أحشاؤهم وتسحق أدمغتهم.. لماذا يجوّع أطفال غزة ويدفنون أحياءً تحت ركام بيوتهم؟

لكني في رمضان 2024 كبرتُ لدرجة لا يمكنني معها سماع جواب والدي، غاب وصلواته وشروحه،  ولن تحمّص لنا أمي السويق، وسنشتري الأعشاب الجاهزة من البقالة، وأيضًا غابتْ طفلة عام 61 مع أسئلتها، إنما في رمضان 2024 سألتني حفيدتي وهي تشاهد القنابل تحرق رؤوس العزّل وتطحن هامات المآذن : 

وأين جندُ الله؟

الشاعرة مريم سلامة 

القراءة والترجمة والعزلة 

كثيرًا ما اُسأل، )غلبك رمضان والا غلبتيه؟( وأجيب بمرح، «الصحاب ما يتصارعوا» لذلك سأبدأ بالشق الثاني من السؤال لأنني اعرف رمضان ورمضان يعرفني ..أما المناشط والآخرون تحتاج دائمًا إلى تحديث معرفي!

في رمضان بدءًا من اللحظة الأولى لدخوله يغمرني هدوءٌ وسكينةٌ لا عهد ليّ بهما. ومن شدة فرحي بهذه الهبة ولرغبتي في الاختلاء بها، دائمًا ما اطلب اجازتي السنوية في هذا الشهر، وهذا لا يعني الارتماء في حضن الكسل بل انتقل إلى خانة أخرى من العمل:

القراءة والترجمة والكتابة 

لا أحب طقس الزيارات الليلية، والسهرات الرمضانية. أنام باكرًا واستيقظ قبل الفجر بساعتين أو ثلاث حسب الموسم ودرجة أو كثافة العمل ثم اعود للنوم في وقت الضحى. 

أحبُ المشي في ليل رمضان لذلك اختار الجامع الابعد.

لا اذكر أنني تابعتُ مسلسلاً رمضانيًا منذ سنوات طويلة لكن في السنوات الأخيرة تعرفتُ على «شط الحرية» ومع هذا قلما يحدث أن اشاهده كاملاً.

ثمة متغيرات تهب رياحها بين فترة وأخرى تفرض وجودها على رمضاني وتنتهك طقوسًا ألفتها في وجوده ويظل توقي لاستعادة تلك الاستثناءات من «طاحونة الشيء المعتاد» هو شغلي الشاغل

أما الشق الأول من السؤال يحتاج إلى قدر من المعرفة بل ولآخر تحديث لذلك، إن سمحتم ليّ اعتذر، عن اجابته. 

غياب القامات

الشاعر معمر الأمين الزائدي

الطقوس الرمضانية لها نكهتها المميزة عن غيرها من الطقوس ربما لارتباطها الشرطي بما ترعرعنا عليه من توادد وتفعيل الرغبة في التجدد من خلال الأجواء الرمضانية المختلفة .. دائمًا لشهر رمضان نكهة خاصة وخصوصًا على المستوى الثقافي حيث تعودنا على الأمسيات الشعرية والأجواء الثقافية والفنية وتنوع الفعاليات  كبرنا ونحن ننظر إلى كل المناشط الرمضانية بعين الحب والتميز حيث نلتقي بعد طول انقطاع بالزملاء والاحباب والاصدقاء وليس خافيًا أنه صار نمطاً نفتقده خصوصًا في السنوات الأخيرة وإن كانت الأجواء الرمضانية السائدة تكاد تكون خالية من الروح والشغف لعدة أسباب منها غياب القامات التي نحبها ويرتبط وجودها بالأجواء الثقافية وإن اختلفت أسباب الغياب فهو أمر نتجرع مراراته ونلمسه في الثوب الرمضاني المهلهل الحالي إضافة لذلك فإننا نرى القائمين على تهيئة المناخ الرمضاني أنهم يركزون فيما يبدو على ثقافة «الهشك بشك» المتمثلة في المسابقات وبرامج المنَّوعات السريعة بعيدًا عن الخطاب الثقافي الرصين والحيوي لكأنه تسويق للتفاهة وتكريس لثقافة المحتوى الرخيص .

كنا نرى أمسيات شعرية وندوات تطرح أسئلة مهمة وقضايا حيوية وكان الإعداد والاستعداد بمستوى الحدث . 

حاليًا .. خوذ ماجاك واحمد ربي نحن خير من الصومال للأسف الدافعية والرغبة والشغف كلها تذوب إزاء المتوفر في السوق الثقافي ولا يبقى لنا سوى توقع إلى أي مدى سيكون مستوى الانحدار في السنوات المقبلة خصوصًا بعد تغوَّل العقول الأحادية المركبة والموغلة في التشضي .

ليس طقوس معينة حاليًا سوى ترقب وانتظار وبعض اللقاءات اليتيمة لبعض الاصدقاء الذين ما يزالون يسكرون بالشعر ويلوكون الذكريات .. 

نتبادل أحاديثنا بكل ماتحتويه من أشجان ونرجع مطمئنين على كل شيء إلى أحلامنا تلك التى نتنفسها . 

المناشط الثقافية فضاء فكري مهم

الكاتب يونس الفنادي 

لا يمكن إطلاقاً تجاهل الجهود الثقافية التي تبذل خلال شهر رمضان المبارك سواء اتفقنا معها أم اختلفنا، وبالتالي من الواجب تقديرها وشكر القائمين عليها جميعاً، حيث هناك الفعاليات الحكومية الرسمية التي ظلت منذ عقود طويلة تختار المدينة القديمة كفضاء لمناشط متنوعة تتمثل في أمسيات شعرية أو حوارات ثقافية، أو ندوات فكرية، أو حفلات للمدائح الدينية، أو المالوف، أو الفنون الأخرى. وكذلك المبادرات الفردية الشخصية باسهاماتها في تحريك الجمود الثقافي والعمل على خلق مناشط متعدّدة. ولا ننسى الجمعيات الأهلية مثل جمعية «المهندسين»، والنقابات مثل نقابة «المحامين»، والنوادي الرياضية التي تنظم لقاءات ثقافية مختلفة خلال شهر رمضان وهي سُنة قديمة دأبت عليها، والآن أضيفت إليها مناشط ثقافية تقيمها بعض الأحزاب السياسية ذات الاهتمامات الثقافية مثل حزب «السلام والازدهار» .

للأسف كل هذه المناشط تأتي كل عام بلا استعداد ولا تقييم مسبق، ولا استفادة مما سبقها، ولا وفق خطط برامجية مدروسة بشكل جماعي، بل معظمها اقتراحات واجتهادات فردية لا تخلو من العديد من النواقص أو السلبيات، فيا حبذا لو يتم تقييم هذه الفعاليات مباشرة بعد إنتهاء الشهر الكريم ورصد الملاحظات حولها لمحاولة تفادي الجوانب السلبية منها وتطوير الايجابيات، ووضع التوصيات للبرامج القادمة.

في تصوري أن جميع هذه المناشط تكسر الأجواء الروتينية المعتادة، وتوفر فضاءً اجتماعياً وثقافياً فكرياً يذيب الجمود ويبعث الكثير من الدفء في العلاقات الودية، إضافة إلى ما يقدمه من معلومات أو اجتهادات أو أخبار أو أفكار جديدة، أو نقاشات متطورة حول قضايا سابقة مختلفة.

أما بالنسبة ليّ شخصياً فإنني أحاول قدر الإمكان، أن استقطع بعض الوقت من الالتزامات الأسرية والاجتماعية لتلبية بعض الدعوات والمشاركة في بعض هذه المناشط المتنوعة للاستفادة مما يطرح فيه،ا أو التواصل واللقاءات مع الزملاء والأصدقاء خلالها. 

اتحمس دائمًا للمشاركة

بدر الدين الورفلي 

المناشط في رمضان ذات نكهة خاصة. وإذا كنتُ حريصًا على حضور المحاضرات والندوات الثقافية عمومًا، فإنها بالنسبة ليّ في رمضان تكون أكثر حميمية، وعادة ما أتحمس أيضًا للمشاركة في منشط أو اثنين كل عام ، لا مجرد الحضور، بخلاف بقية العام حيث أستثقل تحضير ورقة، أو المشاركة في ندوة ، وأعتقد أن عدم وجود فاصل للغداء والقيلولة يطيل النهار ويمنح فرصة للقراءة لا تتاح خلال العام. لذا غالبًا ما اقرأ كثيرًا في شهر رمضان وهذا هو طقسي شبه الوحيد إن استثنينا لقاءات المساء في المقاهي مع الأصدقاء أو الزيارات العائلية من حين إلى آخر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى