التراثيةرتوشسياحة

غدامس .. السنة المائية

إبراهيم إمام

في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬تبدأ‭ ‬السنة‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غدامس؛‭ ‬حيث‭ ‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬ساريًا‭ ‬حتى‭ ‬فترة‭ ‬الاربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬تقريبًا‭ ‬يوجد‭ ‬بالمدينة‭ ‬مكان‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬القادووس‮»‬‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قصي‭ ‬بمدينة‭ ‬غدامس‭ ‬القديمة‭ ‬‮«‬ميدان‭ ‬تصكو‮»‬

هذا‭ ‬الميدان‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬مساحته‭ ‬عدة‭ ‬أمتار‭ ‬كان‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬تجارة‭ ‬الصحراء‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المربع‭ ‬الصغير‭ ‬حجمًا،‭ ‬والكبير‭ ‬تأثيرًا‭ ‬كانت‭ ‬تعقد‭ ‬الصفقات‭ ‬التجارية،‭ ‬وكانت‭ ‬تسّير‭ ‬القوافل‭ ‬ذات‭ ‬الشمال‭ ‬وذات‭ ‬الجنوب،‭ ‬وشرقًا‭ ‬وغربًا،‭ ‬أما‭ ‬يوجد‭ ‬‮«‬القادووس‮»‬‭. ‬

‮«‬القادووس‮»‬‭ .. ‬لمن‭ ‬سيتساءل‭ ‬هو‭ ‬الساعة‭ ‬المائية‭ ‬الغدامسية‭ ‬

بهذه‭ ‬الساعة‭ ‬تقاس‭ ‬كميات‭ ‬المياه‭ ‬المصروفة‭ ‬من‭ ‬نبع‭ ‬غسّوف‭ ‬‮«‬عين‭ ‬الفرس‮»‬‭  ‬للمزارع‭ ‬القديمة‭ .‬

هذا‭ ‬‮«‬القادووس‮»‬‭ ‬هو‭ ‬وسيلتنا‭ ‬المثلى‭ ‬لحساب‭ ‬الوقت‭ ‬أيضًا‭ ‬وتحديد‭ ‬مواعيد‭ ‬الصلوات‭ ‬وساعات‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬الصغير‭ ‬كان‭ ‬يقبعُ‭ ‬رجلٌ‭ ‬نسميه‭ ‬‮«‬القدّاس‮»‬‭ ‬أيّ‭ ‬الحاسوب‭ ‬بلغة‭ ‬العصر‭.‬

وظيفته‭ ‬حصر‭ ‬كميات‭ ‬المياه،‭ ‬وتوزيعها‭ ‬على‭ ‬مستحقيها‭ ‬حسبما‭ ‬هو‭ ‬مرسومٌ‭ ‬في‭ ‬دفاتر‭ ‬نبع‭ ‬‮«‬غسوف‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬نقطة‭ ‬لأحد‭ ‬ولا‭ ‬ينقص‭ ‬منه‭ ‬نقطة‭ .‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يحق‭ ‬للأهالي‭ ‬شراء،‭ ‬وبيع‭ ‬وإجار‭ ‬حصص‭ ‬المياه‭ ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬تفتح‭ ‬الدفاتر،‭ ‬ويتم‭ ‬تعديل‭ ‬الحصص‭ ‬حسب‭ ‬التحديث‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬عليها‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬كامل‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يعقد‭ ‬المزاد‭ ‬السنوي‭ ‬لبيع‭ ‬حصص‭ ‬الماء‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬راغب‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬حصة‭ ‬ماء‭ ‬رجلاً‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬امرأة‭ ‬

إنه‭ ‬عيد‭ ‬كبير‭ ‬فقط‭ ‬عليكَ‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬لخيالك‭ ‬العنان‭ ‬وتتخيل‭ .‬

منذ‭ ‬ازيد‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أعوام‭ ‬استحدث‭ ‬طقس‭ ‬الاحتفال‭ ‬بهذا‭ ‬اليوم‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬تفاعلي‭ ‬من‭ ‬الأهالي‭. ‬

جمعية‭ )‬اينير‭( ‬للتراث‭ ‬احيتْ‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬بنجاح‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬تعود‭ ‬الحياة‭ ‬لمدينة‭ ‬غدامس‭ ‬القديمة‭ ‬

اليوم‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬ملكٌ‭ ‬خالصٌ‭  ‬للنساء،‭ ‬والأطفال‭ ‬فقط‭ ‬

الجميع‭ ‬يتسابق‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العيد‭. ‬

لوحات‭ ‬تراثية‭ ‬بديعة‭ ‬تقام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬المدينة‭ ‬المختفة‭. ‬

سينعم‭ ‬الأطفال‭ ‬ما‭ ‬حرمنا‭ ‬منه‭ ‬نحن‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬أطفالاً‭ ‬

اعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬وجبة‭ ‬الملوخية‭ ‬الشهية‭ ‬ستفوح‭ ‬رائحتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أزقة‭ ‬المدينة‭ ‬وسيتلذذ‭ ‬الجميعُ‭ ‬بالتهامها‭ .‬

ستستمتع‭ ‬النساء‭ ‬ببهجة‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬كثيرًا‭ ‬

غدًا‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬المخصص‭ ‬للرجال‭ .. ‬لن‭ ‬يتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬ريال‭ ‬مدريد‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اليوفي‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬تمريرات‭ ‬‮«‬كروس‮»‬‭ ‬القاتلة‭. ‬

غدًا‭ ‬الجميع‭ ‬سيتحدث‭ ‬عن‭ ‬تاريخه،‭ ‬وحضارته،‭ ‬وتقاليده،‭ ‬وعاداته‭ ‬

غدًا‭ ‬عيدنا‭ ‬الحقيقي‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى