رأي

هيردوت يقوم بزيارة إلى ليبيا ويقدم مشروعا قانونيا

 

 

بقلم د. عبد الله البيباص

هيردوت من أشهر المؤرخين الإغريق وهو معروف بهيردوت الإغريقي سبق له وأن قام بزيارة لليبيا قبل الميلاد وكتب عليها مجلداً يسمى المجلد الرابع وقد دون في ذاك المجلد كل مشاهداته، وقد عاود الكرة مرة أخرى وقام بزيارات لليبيا وسجل ملاحظاته الآتي بيانها: لقد زرت مدينة طرابلس وهي ما تسمى بعروس البحر أو العاصمة البيضاء، ولها عمق تاريخي حافل وحضور في الذاكرة التاريخية إلى درجة سميت أنها أحد المدن الخمس على الشاطئ الليبي، وعند زيارتي للمدينة وجدتها في حضن البحر الأبيض المتوسط، يحتضنها كالابنة في حضن الأب الذي رزق بمولود بعد حين، النقطة الأبرز التي شدت انتباه هيردوت عند قيامه بجولة في ضواحي المدينة هو عدم وجود الأزهار أمام أعتاب البيوت معقباً أن الأزهار هي بصمات جمالية ربانية تضفي على النفوس السكينة، وتحفزه على التأمل، وهذا سبيل لتنمية الملكات، وإن الإنسان يظفر بشرف اكتمال مفهوم الإنسانية عندما يظفر بملكة الذوق، لأن الحياة موسيقى ونبضة فالإيقاع مطلب من المطالب الروحية لمعاني الحياة، والدليل على ذلك أن الرعاة في وحشة الصحراء يقتنون الناي ويتخذون منه أنيساً لهم، وبالتالي فإن طرابلس تتناغم مع أمواج البحر المتوسط في معزوفة موسيقية بديعة، نسمات البحر الرقيقة عندما تصطدم بسعف النخيل هي ألحان تخاطب أعماق النفس وتحتاج إلى من يتذوق ويشعر بالمحيط، هذا هو الإنسان الحي الكامل المكتمل المعصوم من العُقد النفسية، وبالتالي إن موقع المدينة وبقية المدن ما ينقصه إلا إضافة الأزهار المتنوعة والموسيقى، واستطرد هيردوت قائلاً عند تجواله في ضواحي المدينة، سائلاً عن النوادي المفتوحة، وهي أماكن مخصصة للشباب على مختلف فئاتهم العمرية، يلتقون فيها ويقرضون الشعر ويمرحون ويعبرون عن البراءة وفن الخطابة والأطروحات الكلامية ويتبادلون المحاور الثقافية المختلفة وبهذا يظفر هؤلاء الشباب بروح الفريق وأحكام الموروث التاريخي الأصيل والقيم النبيلة وفتح باب العلاقات الفسيحة، وهذه لمسة ابتكارية بديعة حضارية تنضوي على مضامين نفسية وتربوية ومعنوية خلاقة، واستطلع هيردوت عن وجود نوادي لكبار السن، فكانت الإجابة بالنفي فامتعض هيردوت من ذلك مستفسراً لماذا يبقى المسنون في بيوتهم قابعين يلازمون الركود، لماذا لم تصمم لهم أندية مفتوحة حتى ولو كانت مختلطة مع الشباب لكي يتم ربط الحاضر بالماضي، وأشار هيردوت أن أخطر نقطة في هذا الخضم هي الهوة بين الماضي والحاضر هذه النقطة تجعل الشباب ينسلخون عن الموروث وبالتالي يكون ذلك مدعاة لتبني عادات وتقاليد غريبة لذا يهيب هيردوت بضرورة اعتماد هذه اللمسة الثقافية والحضارية حتى تعطي لهذه المدينة مصداقيتها. ولماذا يتم إغفال هذه النقاط على الرغم من بساطتها وهي خطوة بناءة من أجل تطوير جاهزية المواطن ولا تكلف شيئاً إنه أمر مدعاة للغرابة! حقاً إن الأمم تنهض بإعداد شبابها ليس حصراً على المناهج الدراسية فقط بل يمتد الأمر إلى الروافد الثقافية الأخرى، وهي تكوين الملكات والاهتمام بالموهوبين، وربط الإنسان بمحيطه البيئي، حتى يتحدث الإنسان إلى نفسه ويترجم الوجدان ويخرجه من حالات الاحتباس، لأن معنى الحياة هو معنى مقدس، لا يتجسد في الكيان البيولوجي أكل وشرب وإلخ…بل الذوق والذواقة والإيقاع هم أساس الحياة والحضارة، والدليل على ذلك ونحن نستطلع أسفار تاريخنا الاجتماعي نسمع أن الأجداد يؤرخون بعام الشر عند حلول القحط، والأسماك تكاد أن تقفز عليهم من الشواطئ؟ من يجيب عن هذا السؤال ؟

وردد هيردوت قائلاً في فرنسا يكتبون سقيا جاك الزهرة وفي ليبيا يقولون ضرب عمر الكلب. أين هو التناغم بين البيئة والمحيط مع كينونة الحياة؟ لماذا لا نهتم بالطفولة؟ وحل هيردوت بأحد المدارس ووجد معلمة في الفصل الدراسي تعنف تلميذاً لم يبلغ من العمر سبع سنوات وتضربه! وفي الختام أوصي هيردوت بشدة على ضرورة تعريف الناشئين بدور المرأة الليبية في عقود وقرون خلت وكيف تمكنت من فرض نفسها في الحياة، وأنجبت فحول الرجال، على الرغم من ضنك الحياة المتاح وما تجود به الطبيعة، لا يوجد لديها أي مظهر من مظاهر الحياة العصرية، لا ثلاجة، أو غسالة أو مكيف سوى الخيام في أعماق الصحراء وتردد الحمد لله والشكر لله. لقد سجلت صفحات نورانية وهي من أروع المناظر وعلى إثر ذلك تصفح هيردوت بعض الكتب المدرسية لم يجد أي أثر للمرأة الليبية بتاتاً. وصاحب هيردوت في هذه الرحلة القصيرة أحد شباب الوطن، والذي ألبسه الله   لباس الوقار والهيبة، وهو من أرباب القلم، ولد في إحدى المدن الليبية في مدينة الجوش، وشهدت طفولته جانباً من ملامح الحياة الاجتماعية وهو من الموهوبين، وأصحاب الملكات، هو الدكتور أبو القاسم عمر صميدة والذي تعهد بإعادة صياغة الملامح الاجتماعية وانتزاعها من سراديب النسيان، وإعدادها في شكل مصور يقدم للناشئين لتعريفهم بحياة الأجداد كما أسدى هيردوت أطيب التحايا وأسمى آيات الشكر لصحيفة فبراير والذي اختارها لتكون منصة انطلاق له لنشر مقالاته. وأوصى هيردوت بالمؤسسة التشريعية إصدار تشريع لإنشاء النوادي المفتوحة للناشئين والشباب والكهلة والشيوخ وذلك لخلق جسر من التواصل بين الماضي والحاضر وغاية هذا التشريع هو حماية الشباب من الامتلاخ عن الماضي. و استصدار تشريع لفرض مادة علمية رديفة تُعني بالموروث التاريخي المجتمعي ضمن مراحل التعليم الأساسي والثانوي. واستنطاق الماضي واعتصار الذاكرة التاريخية لتجسيد الملامح التاريخية الأصيلة للحياة الاجتماعية لحفظها من الاندثار والتلاشي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى