الرئيسيةحوار

درنة مابعد الصدمة.. د. تغريد شنيب: النازحون ينظرون للمطر بخيال الماضي

حوار: فرج الجهاني.. تصوير: ناصر بوراوي

درنة نموذج

البنية التحية في ليبيا وما تعانية رغم مشاريع الشركات المحلية والاجنبية حديثاً وقديماً تعاني كمريض تحت العلاج يتحسن يوماً، وينتكس شهراً رغم كل المشاريع «الماصة» للميزانيات لم تحل أزمة البنية والطرق ولازدحام ولم تحل مشكلة  منظومة صرف ضعيفة، وطرق  فرعية ورئيسة لمدن البلاد وقراها؛ وجسور انتهى عمرها الافتراضي، ومازالت مستعملة كل هذا لا نستطيع تجاهله ونحن نستقبل مشروع (عودة الحياة) وجملة الطرق الحديثة والإصلاحات ما مرت به درنة نموذجاً مصغراً لنقل يكشف بؤس هذه البنية ومعالجاتنا البطيئة والضعيفة جداً في درنة حسبما اوضحت مصلحة الطرق والجسور 

المنطقة المنخفضة المتضرَّرة بالكامل3ملايين و900ألف متر مربع

* الطرق التي تأثرت بالسيول بلغت 45ألف و880 كيلو مربع

* الطرق المنهارة بالكامل 30 كيلو متر مربع

90نقطة ضرر جسم بالطرق

169عبارة مائية منهارة

15 جسر متضرر

65منطقة تعرضت للانجراف

ولكي نصلح كل هذا نحن بحاجة إلى 315مليون دينار ليبي لاعادة شبكة طرق درنة إلى سابق عهدها

ماذا كنا سنخسر لو لو عمرنا الطرق بأسس صحيحة، وعالجنا المتهالك وانشأنا الجديد بدلاً من كل هذه الخسائر المادية، والمعنوية؟.

ماذا كانت تفعل مصلحة الطرق والجسور والصرف الصحي والموارد المائية والمواصلات في كل تلك السنوات واغلب مدن البلاد حالها مثل درنة واسوأ؟؛  هل ننتظر كوارث أخرى ليقتصر الأمر على الحصر والبكاء ووضع أرقام وميزانيات أم أن هذه البلاد لا تعنينا.

حالات، واضطرابات ما بعد الصدمة، تمثل أعراضاً وأزمات نفسية يصاب بها الإنسان عقب تعرضه لحادث ما، سيصبح بها لاحقًا جوهرا لمشكلاته. أعراض قد يصبح بها الشخص حبيسًا لهذه الأحداث في شكل ذكريات الماضي من ناحية، وفي محاولة تجنب كل ما يستدعي هذه الذكريات من ناحية أخرى.

فبهذه الاستراتيجية لن تكون هناك قدرة للتغلب على هذه الاضطرابات إلا من خلال نظام علاجي منظم.

فأساس الاسعافات الأولية النفسية هو اعتماد نهج إنساني يرعى هؤلاء المنكوبين. لهذا بات وجود مصحة (ياسمين) للعلاج النفسي كنهج إنساني يفرضه حدث معايش أليم .

من خلال زيارتنا لمدينة المغرب العربي السياحية (الريقاته) التي يعد من أكبر الأماكن التي تأوي نازحي فيضانات درنة في مدينة طرابلس، ألتقينا بالدكتورة تغريد شنيب مدير مصحة (ياسمين درنة) للدعم النفسي في مدينة الريقاته، ورئيس قسم إدارة المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية بوزارة الصحة.

وعن استفسارنا على مسببات وأحوال وجود نازحي فيضانات درنة في طرابلس لا سيما القرية السياحية الريقاته قالت:

ما حدث في مدينة درنة يجب أن يكون ناقوس إنذار للجميع بشأن الخطر المتزايد للفيضانات الكارثية في عالم يتغير بسبب تغير المناخ.

إن هطول الأمطار الغزيرة أكثر من معدلها الطبيعي لا شك يعد عاملاً مهماً في تسبب الظواهر الجوية المتطرفة وتفاقمها.

ولكن اضافة لهطول الأمطار أجتمعت عناصر الاهمال وعدم التأهب وسوء إدارة البنية التحتية للسدود في منطقة أصلاً معرضة للفيضانات، مما زاد من التأثير الإجمالي لعاصفة (دانيال).

وأوضحت الدكتورة شنيب، بعد حدوث كارثة درنة حدث نزوح لآلاف الأسر إلى مدن ليبيا عامة، لا سيما العاصمة طرابلس بمناطق القويعة، وبوسليم، والزهراء، والقرية السياحية «الريقاته».

وقد قام السيد محمد المعداني بفتح 40 شقة سكنية بمدينة المغرب العربي السياحية ، ولكن نظرًا لتوافد أعداد كبيرة من النازحين على مدينة الريقاته السياحية تم فتح المزيد من المساكن لإيواء هؤلاء النازحين حيث تم تجهيز 90 مسكنًا بين شقق وفلل ووصل العدد الكلي إلى 600 فرد يقيمون في القرية.

الاغاثات والمؤن تصل من أهل الخير ومن مؤسسات المجتمع المدني :

أثنتْ د. شنيب على كل من فتحوا بيوتهم لهؤلاء النازحين، وعلى رجال الأعمال ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وجميع الأيادي البيضاء التي تنادت من كل حدب وصوب وقامت بمد يد العون لاغاثة النازحين سواء بالمؤن الغدائية او المواد الصحية او الملابس والأحذية إضافة للمواد المعمرة كالمبردات وغيرها وكل ما يسلتزم من متطلبات الحياة اليومية.

فتح عيادات طبية متخصصة لعلاج ومتابعة النازحين:

وأشارت د. شنيب إلى قرار وكيل وزارة الصحة القاضي بضرورة تشكيل فرق طبية للمستشفيات والمراكز الصحية، وخاصة لمستشفى الرازي بااعتباره مستشفى خاصاً بالعلاج النفسي.

الأمر الذي ااستوجب ضرورة وجود عيادة نفسية عيادة ( الياسمين) بسبب خصوصية الإنسان الذي يعاني من مشكلات نفسية ولضرورة توفير عيادة خاصة بهذا الشأن .

تم تجهيز مصحة صغيرة للأسنان، وترتيبها من قبل الخدمات الصحية بحي الاندلس وطب الطواريء والطب العسكري وأطباء الهلال الأحمر والصليب الاحمر والمتطوعين بالتعاون مع وكيل وزارة الصحة، وتم تزويد العيادة بأربع سيارات اسعاف وعيادة متنقلة .

لقد قمنا بفتح العديد من التخصصات كالصحة العامة والأطفال والباطنة والأسنان والعيون والنساء والولادة وافتتاح صيدلية للأدوية.

وأشارت د.شنيب على وجود تنسيق مع مصحات خارجية لعلاج الحالات الطارئة مجاناً، كمصحة النفط ومصحة أنوار السلام لجراحة المخ والأعصاب ومصحة الفردوس للنساء والولادة ومركز المستقبل للتصوير، حيث يتم احالة الحالات الطارئة عن طريق طب الطواريء والطب العسكري بوصفة معتمدة من مصحة الريقاته، وقد تم إحالة عدة حالات وضع إلى مصحة الفردوس.

وهناك تواصل بين مستشفى الرازي، والهلال الأحمر مع الأسر الموجودة داخل وخارج القرية السياحية لمتابعة حالاتهم.

وقد كانت هناك حالات نفسية سيئة جدًا في الفترة الأولى من توافد الأسر النازحة كالشعور بالحزن العميق وقلة النوم والأرق.

الاكتئاب النفسي واضطرابات ما بعد الصدمة حالات موجودة بين النازحين:

وذكرت د. شنيب بأن هناك حالات تعاني من الاضطرابات والاكتئاب النفسي فهناك 30 حالة تعاني من القلق والفزع وقلة النوم والكوابيس، وهناك 12 طفلاً يعانون من التبول اللارادي وحالات الهلع أثناء النوم حيث ظهرت عليهم أعراض ما بعد الصدمة.

وفي سياق الحديث أضافت د. شنيب:

بأن اضطراب ما بعد الصدمة تظهر أعراضه بعد شهر إلى ثلاثة أشهر، فلقد لاحظنا على بعض النازحين أثناء سقوط المطر وقوفهم على الشبابيك ينظرون للمطر بخيال ماضي لما حدث لهم عند هطول الأمطار وارتفاع منسوب المياه في مدينة درنة، وهذه من أعراض أضطراب مابعد الصدمة.

ومن بين النازحين وجود حالات مصابة بحالة اكتئاب لا تستطيع أن تقوم حتى بوظائفها الحياتية، وذلك بظهور أعراض نفسية على الشخص في صورة آلام جسدية.

كما قالت بأن هناك 50 % من الموجودين بالمدينة السياحية عانوا من اضطرابات ما بعد الصدمة، فالذين تعرضوا للغرق أو الذين فقدوا ذويهم يعدون من أكثر الحالات التي تعاني من اضطرابات مابعد الصدمة، وبعض الحالات تتأثر عندما يكون هناك تساقط للأمطار .

وأوضحت د. شنيب، بأن الإضطرابات النفسية المصاحبة بأعراض قوية، تحتاج لفترة من العلاج لكي يرجع الشخص لتوازنه النفسي ويتكيف مجتمعياً؛ حيث يحتاج للأدوية التي تساعده على النوم والشفاء ولحتى يتخلص من حالة القلق الملازمة له، بالإضافة لجلسات متنوعة كعلاج المعرفة السلوكي والذي نحاول من خلاله تغيير نمط أفكاره الملازمة بسبب الأزمة،كشعوره بالخوف من البحر مثلاً.

العديد من المبادرات لها الأثر في العلاج والتشافي:

أشادت شنيب ببعض المبادرات، كمبادرة عافية ومبادرة (أملي في الله)، وفريق الكشاف، فقد قمنا بعلاج جماعي للنازحين بطريقة غير مباشرة وذلك بدعوتهم لحضور احتفالية في نادي القرية، خصصت للتعارف بين الأسر وزرع السعادة في نفوس الأطفال لكسر الحاجز النفسي وفي الوقت نفسه نقوم بالمتابعة والمراقبة للكثير من الحالات.

اخراج المريض من حالته الاكتئابية قد تحتاج لفترة ما بين36 اشهر، مع ملاحظة أن المريض عندما يتم شفاؤه قد يعود للمرض بمجرد رجوعه إلى مكان الحادثة حيث تتولد لديه أفكار الماضي، أو من خلال استمرارية الخوض والتحدث على هذه الذكريات، فالذكريات تنسى ولا تمحى، ولكن محاولة العلاج بطرق مختلفة كالعلاج النفسي الإيماني نستطيع الوصول بهم لمرحلة التعافي باذن الله ، ولقد لاحظنا فعلاً مدى الروح الإيمانية التي يتحلى بها النازحون.

ونوهت شنيب بأن هناك مبادرة أطلقها مجلس الوزراء عبر الرقم المجاني 1444 لطلب الاستشارات والمساعدات، سواء أكانت إجتماعية  أم نفسية وغيرها، حيث يتم إبلاغنا ويتم التواصل معهم سريعاً.

فكلنا نعتبر منظومة واحدة ومتكاملة تمكننا من الوصول وتقديم الخدمات بصورة أمثل.

وختمت د. شنيب بقولها :

نخاطب كل الجهات المسؤولة بأن تمنح جانبًا من الطمأنينة لمنكوبي فيضانات درنة، والذي يعد الداعم النفسي والأساسي لهم، فمن متطلبات الإسعافات الأولية النفسية أن تأمن لهم المكان والغذاء والدواء، فهواجس نازحي درنة تتمثل في خشيتهم من مستقبلهم المجهول، ذلك الطيف الذي يرواد مخيلاتهم دائماً، ولسان حالهم يردّد :

إلى متى سيستمر حالنا هكذا؟!. 

حوار : م.فرج الجهاني

عدسة: ناصر بوراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى