رأي

المشواشي والبالوعة

قلم: نجاح مصدق

ذات‭ ‬يوم‭ ‬استيقظ‭ ‬المشواشي‭ ‬الفارّ‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬العجيلي‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬صاخبة‭ ‬تعلو‭ ‬بالخارج‭ ‬انتفض‭ ‬من‭ ‬سريره‭ ‬الممتد‭ ‬بحرا‭ ‬بطوله‭ ‬كجناحي‭ ‬طائر‭ ‬اسطوري‭ ‬ورمى‭ ‬لحافا‭ ‬كانت‭ ‬نساجته‭ ‬امرأة‭ ‬بوشم‭ ‬أصيل‭ ‬استلت‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬خيوطها‭ ‬ودثرت‭ ‬لياليه‭ ‬البارده‭ ‬بحمله

خرج‭ ‬من‭ ‬مغارته‭ ‬المختبئة‭ ‬في‭ ‬الجبال‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬كطفل‭ ‬خائف‭ ‬من‭ ‬معنفه‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الصوت‭ ‬اللامرئي

كان‭ ‬المكان‭ ‬المسيج‭ ‬برحلة‭ ‬طويلة‭_ ‬غرس‭ ‬فيها‭ ‬المشواشي‭ ‬تجاربه‭ ‬وانكساراته‭ ‬اعلاما‭ ‬لجغرافيا‭ ‬ترحاله‭ _‬كقاع‭ ‬لبئر‭ ‬عميق‭ ‬تأتي‭ ‬منه‭ ‬الأصوات‭ ‬تباعا‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭ ‬ويتدفق‭ ‬المدى‭ ‬كبقعة‭ ‬زيت‭ ‬تختفي‭ ‬فيها‭ ‬المسميات‭ ‬والاشخاص

كل‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬ناظريه‭ ‬يتحول‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق‭ ‬إلى‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬حقول‭ ‬القمح‭ ‬وأشجار‭ ‬الزيتون‭ ‬والنخلة‭ ‬التي‭ ‬خبأ‭ ‬تحت‭ ‬ظلها‭ ‬أسراره‭ ‬يتلاشى

اغمض‭ ‬عينيه‭ ‬لعله‭ ‬يرى‭ ‬سرابا‭ ‬او‭ ‬خيل‭ ‬له‭ ‬لكنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اكتشف‭ ‬ان‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬قدميه‭ ‬تغوص‭ ‬وتغوص‭ ‬ساحبة‭ ‬إياه‭ ‬إلى‭ ‬قاع‭ ‬سحيق‭ ‬لا‭ ‬آخر‭ ‬له

ارتعد‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬مايرى‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬قدماه‭ ‬تحاول‭ ‬الفرار‭ ‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬أين؟

فكل‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يخصه‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬بالوعة‭ ‬كبيرة‭ ‬تسحب‭ ‬إلى‭ ‬أعماقها‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كفم‭ ‬وحش‭ ‬جائع‭ ‬يلتهم‭ ‬بشراهة‭ ‬ملحوظة‭ ..‬قفز‭ ‬لعله‭ ‬ينجو‭..‬الأرض‭ ‬تتحول‭ ‬لبالوعة‭ ..‬يا‭ ‬إلهي‭ ‬حدث‭ ‬المشواشي‭ ‬نفسه‭ :‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬الدم‭ ‬والحبر‭ ‬مجرى‭ ‬واحد‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬البالوعة‭ ?‬

الروائح‭ ‬النتنة‭ ‬خانقة‭ ‬حد‭ ‬الغصة‭ ..‬الأصوات‭ ‬مبحوحة‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬الرائحة‭ ‬النفاذة‭ ‬تكاد‭ ‬تحسم‭ ‬الأمر‭ ‬لصالحها‭ ‬وتطبق‭ ‬على‭ ‬الهمس‭ ‬المتبقي

كأنّه‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬قنديل‭ ‬ومفتاح‭ ‬بو‭ ‬زيد‭ ‬وسلوى‭ ‬بوقعيقيص‭ ‬وحنان‭ ‬البرعصي‭ ‬وجموع‭ ‬برائحة‭ ‬رطوبة‭ ‬جدران‭ ‬السجون‭ ‬تتوافد‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬سلمت‭ ‬ماتبقى‭ ‬من‭ ‬دمها‭ ‬للبالوعة‭ ‬وتلاشت

كيف‭ ‬يصبح‭ ‬الوطن‭ ‬للحظة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬التاريخ‭ ‬بالوعة‭ ‬تسدها‭ ‬وتكشف‭ ‬اغوارها‭ ‬أحجارا‭ ‬رماها‭ ‬العابرون

وكيف‭ ‬يتلاشى‭ ‬المشواشي‭ ‬وسط‭ ‬الماء‭ ‬الكدر‭ ‬والبحر‭ ‬الأسود‭ ‬داخل‭ ‬البالوعة‭ ‬الكبيرة‭ ‬مخنوقا‭ ‬بالعفن

‮…‬‭.‬

فاقتربي‭ ‬أيتها‭ ‬العاصفة

هذا‭ ‬الزقاق‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬يتسع‭ ‬لرؤوسنا

حذائي‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬يسمعني

بريدي‭ ‬بوح‭ ‬ثقيل

لا‭ ‬تحمله‭ ‬الريح

يسقط‭ ‬قبل‭ ‬المعارك‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى