ثقافة

مجرد رأي..

إبتسام العور

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تخرج‭ ‬علاقات‭ ‬العمل‭ ‬الباردة‭ ‬عند‭ ‬سواد‭ ‬النَّاس‭ ‬عن‭ ‬إطارها‭ ‬الرسمي‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬عليها،‭ ‬فتتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬علاقات‭ ‬شخصية‭ ‬دافئة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬صداقات،‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬وشأن‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقاتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬شأن‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المهن‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولا‭ ‬يصح‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنَّ‭ ‬ينكر‭ ‬عليهم‭ ‬صداقاتهم‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نمتْ‭ ‬داخل‭ ‬محيط‭ ‬عملهم‭ ‬إن‭ ‬اكتفوا‭ ‬بتبادل‭ ‬ما‭ ‬يتبادله‭ ‬الأصدقاء‭ ‬علنًا‭ ‬من‭ ‬تهانٍ،‭ ‬ومعايدات‭ ‬وإلقاء‭ ‬التحايا‭ ‬على‭ ‬العام،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬شاءوا‭ ‬من‭ ‬أمورهم‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬عن‭ ‬القراء،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬أحد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكتَّاب‭ ‬مراجعة‭ ‬طويلة‭ ‬عريضة‭ ‬لعمل‭ ‬أحد‭ ‬زملائه‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وينشرها‭ ‬على‭ ‬حساباته‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المواقع‭ ‬الثقافية،‭ ‬أو‭ ‬المهتمة‭ ‬بالأدب‭ ‬وشؤونه،‭ ‬فذلك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬أساسات‭ ‬الصداقة،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أساسيات‭ ‬استمرارها‭ .‬

ما‭ ‬ينشره‭ ‬بعض‭ ‬الكتَّاب‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مراجعات‭ ‬لأعمال‭ ‬زملائهم‭ ‬أصدقائهم‭ ‬الأدبية‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أخذ‭ ‬صفة‭ ‬الإنصاف‭ ‬أو‭ ‬الحياد‭ ‬طوعًا،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬انتزاعها‭ ‬قسرًا،‭ ‬لأن‭ ‬جُله‭ ‬يظهر‭ ‬مبالغة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬المديح‭ ‬مع‭ ‬تغاضٍ‭ ‬متعمد‭ ‬عن‭ ‬الأغلاط‭ ‬والعيوب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسلم‭ ‬أي‭ ‬كاتب‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إعطاءه‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القراء‭ ‬والمتابعين‭ ‬تعلو‭ ‬عن‭ ‬مجاملات‭ ‬أصدقاء‭ ‬لبعضهم،‮ ‬‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأليق‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجاملات‭ ‬لم‭ ‬تُنشر‭ ‬على‭ ‬الوسائط‭ ‬العامة‭ ‬وبقيتْ‭ ‬ضمن‭ ‬مراسلاتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬فما‭ ‬يزعج‭ ‬القراء‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأدب‭ ‬لا‭ ‬خدمة‭ ‬له‭ ‬وفي‮ ‬‭ ‬سبيل‭ ‬توطيد‭ ‬صداقات‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬وجودها‭ ‬من‭ ‬عدمه،‮ ‬‭ ‬وإنما‭ ‬ما‭ ‬يعنيهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬كتابة‭ ‬المراجعات‭ ‬الأدبية‭ ‬أمر‭ ‬منوط‭ ‬بهم‭ ‬لا‭ ‬بالكتاب‭ ‬وهم‭ ‬أصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬الأقوى‭ ‬والكلمة‭ ‬الفارقة‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬مواد‭ ‬أعدتْ‭ ‬أصالة‭ ‬لهم،‭ ‬فعندما‭ ‬يبحث‭ ‬أحدهم‭ ‬عن‭ ‬مراجعة‭ ‬لكتاب،‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬قبل‭ ‬اقتنائها‭ ‬فإنه‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬رأيٍ‭ ‬كتبه‭ ‬قارئ‭ ‬مثله‭ ‬لا‭ ‬طوية‭ ‬له‭ ‬فيما‭ ‬كتب،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الكاتب‭ ‬الذي‭ ‬إذا‭ ‬أعملنا‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬مراجعاتهم‭ ‬لما‭ ‬ظهر‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬صورة‭ ‬دائن‭ ‬أقرض‭ ‬مدينا،‭ ‬ليقضي‭ ‬الثاني‭ ‬للأول‭ ‬دينه‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬ذرعه‭ ‬موعد‭ ‬إصدار‭ ‬عمل‭ ‬صاحبه،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬ترفقنا‭ ‬قليلاً،‭ ‬وأحسنا‭ ‬الظن‭ ‬بهما‮ ‬‭ ‬فلن‭ ‬نزيد‭ ‬عن‭ ‬اعتبارها‭ ‬مثلما‭ ‬اعتبرها‭ ‬القراء،‮ ‬‭ ‬مجرد‭ ‬مجاملات‭ ‬منمقة‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬غرضها‭ ‬محاولة‭ ‬رفع‭ ‬القيمة‭ ‬الأدبية‭ ‬لذلك‭ ‬العمل‭ -‬إن‭ ‬استطاعت‭-‬،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كذلك،‭ ‬فلن‭ ‬نخرج‭ ‬عن‭ ‬الاحتمال‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير‭ ‬وهو‭ ‬اعتداء‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬مهام‭ ‬النقاد‭ ‬مستغلين‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬صمتهم‭ ‬أمام‭ ‬ضجيج‭ ‬مطابعٍ‭ ‬باتت‭ ‬تطبع‭ ‬أوراقها‭ ‬البيضاء‭ ‬بأي‭ ‬كلام‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬مقابل‭ ‬حفنة‭ ‬أوراقٍ‭ ‬خضراء‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى