الرئيسيةتقارير

جدل المرسكاوي : لـيبي أصيل .. أم وافد ؟؟

فاطمة عبيد

الفن‭ ‬‮«‬المرسكاوي‮»‬‭ ‬تراث‭ ‬موسيقي‭ ‬هاجر‭ ‬من‭ ‬ربوع‭ ‬الأندلس‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا

هذا‭ ‬قول‭ ‬اختلفتْ‭ ‬فيه‭ ‬الآراء،‭ ‬و‭ ‬تنوعتْ‭ ‬حول‭ ‬الجذور‭ ‬الأولى‭ ‬لهذ‭ ‬الفن،‭ ‬وتتفق‭ ‬غالبيتها‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ظهر‭ ‬على‭ ‬يد‭ )‬المورسكيين‭( ‬الوافدين‭ ‬من‭ ‬الأندلس،‭ ‬بعد‭ ‬هجرتهم‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬عاش‭ ‬جزء‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية‭ ‬الليبية،‭ ‬وبعضهم‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مرزق،‭ ‬التي‭ ‬اجتمع‭ ‬فيها‭ ‬مزيج‭ ‬إنساني‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والأمازيغ‭ ‬وحضارة‭ ‬وتراث‭ ‬أفريقيا،‭ ‬الوافد‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭….‬

  ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬نما‭ ‬ونشأ‭ ‬في‭ ‬مرزق،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الجنوب‭ ‬بداية،‭ ‬مثل‭ ‬هون‭ ‬وغات‭ ‬وسبها،‭ ‬وبعدها‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬ليبيا‭ ‬كافة‭.‬

بالرغم‭ ‬انه‭ ‬هناك‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬موطن‭ ‬التطور‭ “‬المرسكاوي‭” ‬تراث‭ ‬موسيقي‭ ‬هاجر‭ ‬من‭ ‬ربوع‭ ‬الأندلس‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭…. ‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬المرسكاوي‭ ‬قد‭ ‬درج‭ ‬عند‭ ‬العامة‭ ‬الليبيين‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بأنه‭ ‬فناً‭ ‬منسوباً‭ ‬الى‭ ‬مرزق،‭ ‬ومن‭ ‬مرزق‭ ‬جاءت‭ ‬تسمية‭ )‬مرزقاوي‭( ‬بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬تسمية‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ )‬موريسكيو‭( ‬الأندلس‭ ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬يهود‭ ‬بنغازي،‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬برع‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬برقة‭  ….‬

وتمتاز‭ ‬أنماط‭ ‬الأغنية‭ ‬الليبية‭ ‬التراثية‭ ‬المرسكاوية‭ ‬بكمية‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬والخصوصية‭ ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬غالبه‭ ‬إلى‭ ‬تنوع‭ ‬الآلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬المستخدمة‭ ‬وتنوع‭ ‬الأعراق‭ ‬والثانيات‭ ‬والثقافات‭ ‬لسكان‭ ‬البلد‭ ‬الواحد‭ ‬وامتزاجها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬بعضًا؛‭ ‬حيث‭ ‬مثّل‭ ‬المرسكاوي‭ ‬امتزاجاً‭ ‬نموذجيًا‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬العربية‭ ‬والأمازيغية،‭ ‬والأفريقية‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬بدأت‭ ‬الأغنية‭ ‬الليبية‭ ‬تتأثر‭ ‬بتطور‭ ‬الفن‭ ‬المغاربي‭ ‬الذي‭ ‬تأثر‭ ‬بدوره‭ ‬بالموسيقى‭ ‬الغربية،‭ ‬ولكن‭ ‬الأغنية‭ ‬الليبية‭ ‬الشعبية‭ ‬ظلت‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬وظلت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬والمناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والدينية‭ ‬أيضاً،‭ ‬حيث‭ ‬ارتبطت‭ ‬الأغنية‭ ‬الشعبية‭..‬

جدل‭ ‬فيسبوكي

دار‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المدة‭ ‬الماضية‭ ‬جدلاً‭ ‬ونقاشًا‭ ‬بين‭ ‬كتّاب‭ ‬وشعراء‭ ‬ومهتمين‭ ‬بتاريخ‭ ‬الفنون‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬الفن‭ ‬المرسكاوي‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬ليبي‭ ‬خالص‭ ‬أم‭ ‬جاء‭ ‬وافدًا‭ ‬من‭ ‬الأندلس‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬وافدة‭ ‬واضافات‭ ‬محلية‭. ‬

في‭ ‬مقال‭ ‬له‭ ‬بعنوان‭ : )‬عيون‭ ‬التاباويات‭ ‬الحزينة‭( ‬قدَّم‭ ‬الكاتب‭ ‬منصور‭ ‬بوشناف‭ ‬رؤيته‭ ‬ووجهة‭ ‬نظره‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬فن‭ ‬المرسكاوي‭ ‬مستندًا‭ ‬على‭ ‬جذوة‭ ‬التفاعل‭ ‬كنتُ‭ ‬قد‭ ‬دخلتها‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أيام‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مساء‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬غات،‭ ‬والاكاكوس‭ ‬ورأسي‭ ‬يعج‭ ‬بقوافل‭ ‬الشرق،‭ ‬والغرب،‭ ‬والشمال‭ ‬والجنوب‭ ‬وحكايات‭ ‬التجار‭ ‬والدعاة‭ ‬والمستكشفين‭ ‬وسلاطين‭ ‬وأمراء‭ ‬حكموها‭ ‬والأقرب‭ ‬الى‭ ‬سمعي‭ ‬وروحي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬كان‭ )‬فن‭ ‬المرزكاوي‭( ‬اعني‭ ‬بصمة‭ ‬مرزق‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ليبيا‭ ‬الثقافي‭ ‬ونمو‭ ‬هويتها‭ ‬الجامعة‭.‬

كنتُ‭ ‬مستفزًا‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬المرزكاوي‭ ‬إذ‭ ‬ذهب‭ ‬البعض‭ ‬الى‭ ‬انه‭ ‬فن‭ ‬‮«‬مورسكي‮»‬‭ ‬خالص‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬الاندلس،‭ ‬والمغرب‭ ‬لينتشر‭ ‬من‭ ‬مرزق‭ ‬الى‭ ‬بنغازي‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬ارجاء‭ ‬ليبيا‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يضمر‭ ‬تلك‭ ‬العدمية‭ ‬التي‭ ‬امتاز‭ ‬بها‭ ‬الليبيون،‭ ‬وهم‭ ‬يتفحصون‭ ‬مقتنياتهم‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية‭ ‬ولايرون‭ ‬ابعد‭ ‬من‭ ‬‮«‬الهنا‭ ‬والآن‮»‬‭ .‬

ذلك‭ ‬الكلام‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬مرزق‭ ‬وكل‭ ‬ليبيا‭ ‬كانت‭ ‬فارغة‭ ‬وكان‭ ‬انسانها‭ ‬متسمرًا‭ ‬لا‭ ‬يمارس‭ ‬اي‭ ‬شيء‭  ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يصطاد،‭ ‬ولا‭ ‬يزرع،‭ ‬ولا‭ ‬يبيع،‭ ‬ولا‭ ‬يشتري‭ ‬ولا‭ ‬يتناسل‭ ‬ولا‭ ‬يتعبد‭ ‬والأهم‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يغني‭ ‬ولا‭ ‬يرقص،‭ ‬ببساطة‭ ‬كان‭ ‬محنطًا‭ ‬ينتظر‭ ‬قدوم‭ ‬اولئك‭ ‬المورسكيين‭ ‬كي‭ ‬يعلموه‭ ‬الغناء‭ ‬وربما‭ ‬الحب‭ ‬وحتى‭ ‬التناسل‭ ..‬

نظرية‭ ‬الليبيين‭ ‬الراسخة‭ ‬لقرون‭ ‬بفراغ‭ ‬هذه‭ ‬الجغرافيا‭ ‬بانتظار‭ )‬الفنيقين‭ ‬والرومان‭ ‬والوندال‭ ‬والعرب‭( ‬ليعمروها‭ ‬ويعلموا‭ ‬انسانها‭ ‬التدين‭ ‬والغناء‭ ‬والرقص‭ ‬والتجارة‭ ‬والزراعة‭ ‬والسباحة‭ ‬وركوب‭ ‬الخيل‭ ‬كان‭ ‬شيئًا‭ ‬مقززًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬ليَّ‭ ‬وبعد‭ ‬تجوالي‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬انه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬جهل‭ ‬واستلاب‭ ‬مرضي‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الثثاقف‭ ‬والتفاعل‭ ‬الحضاري‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ .‬

كانتْ‭ ‬قوافل‭ ‬التجار‭ ‬القادمة‭ ‬إلى‭ ‬مرزق‭ ‬ومنذ‭ ‬قرون‭ ‬بعيدة‭ ‬وقبل‭ ‬سقوط‭ ‬الاندلس‭ ‬تحمل‭ ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬دائمًا‭ ‬البضائع‭ ‬وأيضا‭ ‬الفنون‭ ‬والمعتقدات‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لتلك‭ ‬القوافل‭ ‬بالدخول‭ ‬الى‭ ‬مرزق‭ ‬الا‭ ‬بعد‭ ‬اجراءات‭ ‬وفق‭ ‬اعراف‭ ‬وقوانين‭ ‬سنها‭ ‬حكام‭ ‬وشيوخ‭ ‬مرزق‭ ‬مثل‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬وشيوخ‭ ‬محطات‭ ‬القوافل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مرزق‭ ‬من‭ ‬اهمها،‭ ‬اثناء‭ ‬تلك‭ ‬الايام‭ ‬والليالي‭ ‬التي‭ ‬تأخذها‭ ‬تلك‭ ‬الاجراءات‭ ‬كان‭ ‬تجار‭ ‬وخدم‭ ‬تلك‭ ‬القوافل‭ ‬يستريحون‭ ‬و‭ ‬ايضا‭ ‬يحتفلون‭ ‬يغنون‭ ‬ويرقصون،‭ ‬كل‭ ‬قافلة‭ ‬وفنون‭ ‬بلادها‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬تلك‭ ‬ملتقى‭ ‬لفنون‭ ‬وايقاعات‭ ‬الجنوب‭ ‬والشمال‭ ‬والشرق،‭ ‬والغرب‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يدخل‭ ‬بسلاسة‭ ‬ويسر‭ ‬الى‭ ‬وجدان‭ ‬مرزق‭ ‬ويمتزج‭ ‬بفنها‭ ‬الخاص،‭ ‬فنها‭ ‬المرزكاوي‭ ‬الاصيل‭ ‬لتعيد‭ ‬مرزق‭ ‬صياغته‭ ‬وفق‭ ‬ايقاعاتها‭ ‬ومقاماتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بالضبط‭ ‬كما‭ ‬ستفعل‭ ‬بنغازي‭ ‬بالمرزكاوي‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ..‬

في‭ ‬‮«‬ليالي‭ ‬المرزكاوي‮»‬‭ .. ‬التي‭ ‬حضرتْ‭ ‬في‭ ‬مرزق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للتبو‭ ‬وفنونهم‭ ‬حضورٌ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ماغنته‭ ‬فرقة‭ ‬مرزق‭ ‬للفنون‭ ‬الشعبية،‭ ‬كانت‭ ‬فنونهم‭ ‬كفنون‭ ‬الطوارق‭ ‬في‭ ‬غدامس‭ ‬منفية‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬المدينة،‭ ‬ذلك‭ ‬الغياب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلا‭ ‬غيابًا‭ ‬لفنون‭ ‬البدو‭ ‬الرُّحل‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تمثل‭ ‬فنون‭ ‬التبو‭ ‬خاصة،‭ ‬فنون‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬السريع‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬هيردوت‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬قرنًا‭ ‬من‭ ‬وصولي‭ ‬إلى‭ ‬مرزق،‭ ‬بالطبع‭ ‬سنجد‭ ‬لو‭ ‬فتشنا‭ ‬بحثًا‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬فنون‭ ‬التبو‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬المرزكاوي‭ ‬الذي‭ ‬صاغته‭ ‬مرزق‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬شديد‭ ‬لقرون‭ ‬طويلة‭ ‬فلا‭ ‬اشك‭ ‬ابدا‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬العيون،‭ ‬عيون‭ ‬التاباويات‭ ‬اللامعة‭ ‬ذكاءً‭ ‬وحزنًا،‭ ‬ورشاقة‭ ‬الغزلان‭ ‬التي‭ ‬يتنقلن‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬السوق‭ ‬والكوخ‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬المرزكاوي‭ ‬الليبي‭ ‬الشامل‭ ‬للصحراء‭ ‬والبحر‭ ‬والريف‭ ‬والمدينة‭ ‬وحتى‭ ‬البادية‭ ‬رغم‭ ‬التجاهل‭ ‬والنكران‭ ‬الذي‭ ‬اظهره‭ ‬غالبية‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬درسوا‭ ‬فن‭ ‬المرزكاوي‭ .‬

من‭ ‬هون‭ ‬إلى‭ ‬مرزق

ويرى‭ ‬الكاتب‭ ‬والشاعر‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬قرينقو‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬رده‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬منصور‭ ‬بوشناف‭ ‬أن‭ ‬المرسكاوي‭.. ‬فن‭ ‬غنائي‭ ‬موسيقي‭ ‬شعبي،‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬الجفرة‭ ‬تحديداً‭ ‬مدينة‭ ‬هون‭ ‬و‭ ‬سوكنة‭ ‬و‭ ‬ودان‭.‬

وقبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون‭ ‬ويزيد،‭ ‬كانت‭ ‬مرزق‭ ‬هي‭ ‬عاصمة‭ ‬إقليم‭ ‬فزان‭ ‬وشهدت‭ ‬هجرة‭ ‬الكثير‭ ‬إليها‭ ‬قادمين‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬هون،‭ ‬حيث‭ ‬شكلوا‭ ‬نسبة‭ ‬لابأس‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬مرزق‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

ونقلوا‭ ‬فلكلورهم‭ ‬الغنائي‭ ‬كـ‭)‬السواقي‭ ‬والدبدابة‭ ‬والنخيخة‭ ‬والبروالي‭ ‬والعزف‭ ‬بآلات‭ ‬الموسيقى‭ ‬الشعبية‭ ‬كالطبل‭ ‬والمقرونة‭ ‬والدربوكة‭(.. ‬وتمازج‭ ‬الفن‭ ‬الهوني‭ ‬مع‭ ‬تراث‭ ‬مرزق‭ ‬العاصمة‭.‬

ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬فن‭ ‬المرسكاوي‭ ‬ُلدَ‭ ‬في‭ ‬هون‭ ‬وجارتيها‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬مرزق‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬بنغازي‭ ‬ليتطور‭ ‬هناك‭ ‬وينولد‭ ‬بالشكل‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارًا‭ ‬وبهاءً‭.. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬فن‭ ‬بنغازي‭ ‬وجذوره‭ ‬في‭ ‬هون‭ ‬والجيران‭.. ‬لنصل‭ ‬لحقبة‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬ثم‭ ‬السبعينيات‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬الفنون‭ ‬الهونية‭ ‬والجفراوية‭ ‬عموماً‭ ‬تنتقل‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬هون‭ ‬إلى‭ ‬بنغازي‭ ‬مباشرةً‭ ‬وإلى‭ ‬طرابلس‭ ‬أيضاً‭ ‬الأمثلة‭ ‬والشواهد‭ ‬كثيرة‭ ‬وموثقة‭.‬

معلومة‭ ‬بلا‭ ‬سند‭ ‬تاريخي‭ ‬

ومن‭ ‬جانبه‭ ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬عيسى‭ ‬في‭ ‬تعقيبه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بوشناف‭ ‬قرينقو‭ :‬

‭(‬يظن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قرينقو‭ ‬وبوشناف‭ ‬أن‭ ‬فن‭ ‬المرسكاوى‭ ‬ينحدر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬مرزق‭ ‬ثم‭ ‬ينسبونها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬الجفرة‭ ‬وهون‭ ‬والتبو‭ ‬و‭ ‬براك‭ ‬وسبها‭ ..‬هكذا‭ ‬بكل‭ ‬بساطة،‭ ‬وبأن‭ ‬كلمة‭ ‬المرسكاوى‭ ‬ماهو‭ ‬الا‭ ‬تحريف‭ ‬لكلمة‭ ‬مرزقاوى‭. ‬كمحاولة‭ ‬منهم‭ ‬لتجريد‭ ‬برقة‭ ‬من‭ ‬هويتها‭ ‬و‭ ‬تراثها‭ ‬الموسيقى‭ ‬ونسبها‭ ‬الى‭ ‬الجنوب‭ .!!‬

وأوضح‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعلومة‭ ‬لا‭ ‬سند‭ ‬لها‭ ‬تاريخيا‭ ‬ولاحتى‭ ‬لغويا‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يدعمها‭ ‬هو‭ ‬التشابه‭ ‬اللفظى‭ ‬بين‭ ‬مرسكاوى‭ ‬ومرزقاوى‭. ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬منطقى،‭ ‬لأن‭ ‬تحريف‭ ‬القاف‭ ‬الى‭ ‬كاف‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬اطلاقا‭ ‬فى‭ ‬لهجاتنا‭ ‬المحلية‭ . ‬إذا‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬أصل‭ ‬المرسكاوى؟

ويضيف‭ ‬عبدالوهاب‭ : ‬هناك‭ ‬اختلاف‭ ‬كبير‭ ‬وفرق‭ ‬شاسع‭ ‬مابين‭ ‬الغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬المرسكاوي‭ ‬في‭ ‬برقة‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬ودرنة‭ ( ‬وهي‭ ‬مناطق‭ ‬استقر‭ ‬فيها‭ ‬الاندلسيين‭ ‬والموريسكيين‭) ‬وبين‭ ‬اغاني‭ ‬وموسيقى‭ ‬مرزق‭ ‬وسبها‭ ‬وبراك‭ ‬والشاطيء

الموسيقى‭ ‬وأغاني‭ ‬المرسكاوي‭ ‬في‭ ‬برقة‭ ‬يتميز‭ ‬بوجود‭ ‬الموال‭ ‬والتبرويلة‭ (‬تحول‭ ‬الوصلة‭ ‬الى‭ ‬ايقاع‭ ‬راقص‭) ‬بينما‭ ‬لحن‭ ‬مرزق‭ ‬يخلو‭ ‬منهما‭ ‬تماما‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬يتميز‭ ‬بالحان‭ ‬وايقاع‭ ‬سريع‭ ‬يشبه‭ ‬الايقاع‭ ‬الافريقي‭ ‬

هناك‭ ‬اغنية‭ ‬للفنان‭ ‬الكبير‭ ‬ابراهيم‭ ‬الصافى،‭ “‬وين‭ ‬ما‭ ‬العين‭ ‬تشوف‭ ‬ضاوي‭ ‬خده‭”. ‬ذهلت‭ ‬من‭ ‬مدى‭ ‬التشابه‭ ‬بين‭ ‬لحن‭ ‬الأغنية،‭ ‬وبين‭ ‬الموشحات‭ ‬الأندلسية،‭ ‬عندها‭ ‬فكرتُ‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اللحن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬بالأندلس‭.‬

فن‭ ‬المألوف‭ ‬المنتشر‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬والمعروف‭ ‬بأصوله‭ ‬الأندلسية‭. ‬وإذا‭ ‬تذكرنا‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بهذا‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬الأندلس‭ ‬الى‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬عندها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬الأصل‭ ‬الحقيقى‭ ‬للمرسكاوى،‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بموشحات‭ ‬المألوف‭ ‬الأندلسية‭ ‬هم‭ ‬مسلمو‭ ‬الأندلس‭ ‬المعروفين‭ ‬بأسم‭ ‬الموريسكيين‭.‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬تهجيرهم‭ ‬من‭ ‬الأندلس‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامى‭ ‬1250‭ ‬و1614،‭ ‬وانتقل‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منهم‭ ‬الى‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬حاملين‭ ‬معهم‭ ‬فن‭ ‬المألوف‭ ‬والموسيقى‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬استقرت‭ ‬معظم‭ ‬العائلات‭ ‬الأندلسية‭ ‬فى‭ ‬درنة،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬جزءًا‭ ‬منها‭ ‬ذهب‭ ‬الى‭ ‬بنغازى‭ ‬وطرابلس‭. ‬حافظت‭ ‬طرابلس‭ ‬على‭ ‬نغم‭ ‬مألوف‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬النغم‭ ‬الأصلى،‭ ‬وطورته‭ ‬بينما‭ ‬أخذ‭ ‬اللحن‭ ‬الأندلسى‭ ‬ايقاعا‭ ‬مختلفا‭ ‬فى‭ ‬بنغازى‭ ‬ودرنة‭ ‬والبيضاء‭ ‬ليتحول‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬المورسكاوى‮«‬‭ ‬نسبة‭ ‬الى‭ ‬الموريسكيين‭. ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬ان‭ ‬ياخذ‭ ‬اللحن‭ ‬الأندلسى‭ ‬تفرعات‭ ‬مختلفة‭ ‬باختلاف‭ ‬البلد‭ ‬والمدينة،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬تسميته‭ ‬بالتشويه‭ ‬بل‭ ‬بالتطوير‭. ‬

من‭ ‬الممكن‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الموريسكيون‭ ‬قد‭ ‬جلبوا‭ ‬معهم‭ ‬أنماطًا‭ ‬موسيقية‭ ‬مختلفة،‭ ‬فهم‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬أندلسية‭ ‬مختلفة‭. ‬

ويؤكد‭ ‬عبدالوهاب‭ :‬

أن‭ ‬الموسيقى‭ ‬الشعبية‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارًا‭ ‬في‭ ‬اقليم‭ ‬اندلس‭ ‬جنوب‭ ‬اسبانيا‭ ‬هى‭ ‬موسيقى‭ ‬‮«‬الفلامنكو‮»‬‭ ‬التى‭ ‬نشأت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬التشابه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬كبيرًا‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الموريسكاوى‭ ‬والفلامنكو‮»‬،‭ ‬كلاهما‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الغناء‭ ‬بالحنجرة،‭ ‬والبداية‭ ‬بالموال‭ ‬كما‭ ‬يتشابهان‭ ‬فى‭ ‬معظم‭ ‬الآلات‭ ‬الموسيقية،‭ ‬حتى‭ ‬التصفيق‭ ‬باليدين‭ ‬موجودٌ‭ ‬فى‭ ‬كلاهما،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ذا‭ ‬إيقاع‭ ‬أسرع‭ ‬فى‭ ‬‮«‬الفلامينكو‮»‬‭.‬

كلمة‭ ‬مرسكاوي‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬إلا‭ ‬نطق‭ ‬لكلمة‭ ‬موريسكى‭ ‬باللهجة‭ ‬المحلية‭ ‬البرقاوية‭ ‬المريسكاوي‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬أندلسية،‭ ‬انتشر‭ ‬فى‭ ‬برقة‭ ‬وتم‭ ‬تطويره‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬حسب‭ ‬المنطقة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى