الرئيسية

الكتابة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬؟‭!‬

‭ ‬سميرة‭ ‬البوزيدي

الكتابة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬إلى‭ ‬أين؟‭ ‬

في‭ ‬عصر‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬تغير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وصار‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬دخوله‭ ‬الى‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والطب‭ ‬والترفيه‭ ‬والفن‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وغيرها

لكن‭ ‬هل‭ ‬يستطيع‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬ابداعًا‭ ‬؟

وإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ترى‭ ‬عدم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إمكانيته؟

وما‭ ‬تصوركَ‭ ‬لمستقبل‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيطرة‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي؟

هذه‭ ‬أسئلة‭ ‬ذهبنا‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتَّاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬وسنرى‭ ‬تصوراتهم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

منصور‭ ‬العجالي

كاتب‭ ‬وناقد‭ ‬ومترجم‭ ‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬من‭ ‬مهندسي‭ ‬وعلماء‭ ‬الذكاء‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬التنبؤ‭ ‬بقدراته‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وأثرها‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬عمومًا‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬نواقيس‭ ‬الخطر‭ ‬التي‭ ‬تدق‭ ‬هنا،‭ ‬وهناك‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬ككاتب‭ ‬معني‭ ‬بالكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬سوف‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬الكتَّاب‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة‭ ‬مثل‭ ‬تجميع‭ ‬البيانات،‭ ‬وعرض‭ ‬كافة‭ ‬التناصات،‭ ‬والقراءات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمواضيع‭ ‬المراد‭ ‬الكتابة‭ ‬فيها‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬وتوليد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬بيسر‭ ‬بالغ‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬المنجز‭ ‬الإبداعي‭ ‬وغزارته‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معًا،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬المترجمون‭ ‬اليوم‭ ‬مستعينين‭ ‬بأدوات‭ ‬الترجمة‭ ‬بمساعدة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬‮«‬الكات‮»‬،‭ ‬ومحركات‭ ‬الترجمة‭ ‬الغامرة‭ ‬‮«‬immersive translation‮»‬‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬النصوص‭ ‬وفك‭ ‬الشفرات‮ ‬‭ ‬التي‭ ‬يعملون‭ ‬عليها‭. ‬الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬العروض‭ ‬السمعية‭ ‬المرئية‭ ‬فيما‭ ‬اصطلح‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بالسَّطْرجة‭ ‬أي‭ ‬الترجمة‭ ‬السمعية‭ ‬البصرية‭ ‬Subtitle captioning‮ ‬،‮ ‬‭ ‬أو‭ ‬الدبلجة‭ ‬Dupping‭.‬‮    ‬‭ ‬سيشتد‭ ‬التنافس‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬وستظهر‭ ‬أنماطٌ‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬تتسم‭ ‬بتمازج‭ ‬الأجناس‭ ‬وتعدد‭ ‬الصيغ‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬وستتشكل‭ ‬بالطبيعة‭ ‬قيمُ‭ ‬جمالية‭ ‬تحاكي‭ ‬مستقبل‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬و‭ ‬صناعة‭ ‬المحتوى‭. ‬سيكون‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬أشبه‭ ‬بالفسيفساء‭ ‬اللفظية‭ ‬المعقدة‭ ‬الجمال‭ ‬ستعرف‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬ألوانًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬تُخْلَق‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬التقنية‭ ‬وستنفجر‭ ‬المعاجم‭ ‬بحمولتها‭. ‬سيكون‭ ‬للأعمال‭ ‬الجديدة‭ ‬قراؤها‭ ‬وسيمضي‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬التقانة‭ ‬المقروءة‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬ثم‭ ‬يعتريهم‭ ‬فقدان‭ ‬شغف‭ ‬القراءة‭ ‬لكثرة‭ ‬التشابه‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬ولتنامي‭ ‬الوعي‮ ‬‭ ‬بنضوب‭ ‬ينابيع‭ ‬الأصالة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭. ‬في‭ ‬السوق‭ ‬سيكون‭ ‬قصب‭ ‬السبق‭ ‬للتقانة‭ ‬لكن‭ ‬كنزة‭ ‬اليد‭ ‬تبقى‭ ‬مقدمة‭ ‬على‭ ‬كنزة‭ ‬الآلة،‭ ‬سينجز‭ ‬الذكاء‭ ‬كل‭ ‬الأعمال‭ ‬الإبداعية‭ ‬لكنه‭ ‬يبقى‭ ‬بحاجة‭ ‬لتصحيح‭ ‬مساراته‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإنسان‭ ‬كلما‭ ‬عنَّت‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬تعاريج‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬خوارزميات‭ ‬الذكاص‭ ‬من‭ ‬محاكاتها‭ ‬وتوقع‭ ‬تواترها‭. ‬سيبقى‭ ‬الذكاء‮ ‬‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لأصالة‭ ‬ارتجال‭ ‬الانسان‭ ‬وحدسه‭ ‬وبنات‭ ‬أفكاره‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬خوارزميات‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جوهر‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬الذي‭ ‬نستشرف‭ ‬اليوم‭ ‬أثره‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الإبداعي‭ ‬

عادل‭ ‬الصاري‭ ‬ناقد‭ ‬ودكتور‭ ‬جامعي‭ ‬

تصنيع‭ ‬نصي‭ ‬

يستطيع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬بحثًا‭ ‬علميًا‭ ‬أو‭ ‬رواية،‭ ‬أو‭ ‬ينظم‭ ‬قصيدة‭ ‬موزونة،‭ ‬أو‭ ‬منثورة،‭ ‬ولكن‭ ‬الناقد‭ ‬المبدع‭ ‬والخبير‭ ‬سيكتشف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬مجرد‭ ‬نصوص‭ ‬ملفقة‭ ‬لا‭ ‬إبداع‭ ‬فيها،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬نتاج‭ ‬معاناة‭ ‬وتأمل‭ ‬في‭ ‬خبايا،‭ ‬والموضوع‭ ‬ذاته،‭ ‬وقد‭ ‬طُلب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬نظم‭ ‬قصيدة،‭ ‬فقام‭ ‬بجمع‭ ‬نصوص‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وكوَّن‭ ‬منها‭ ‬قصيدة‭ ‬صناعية‭ ‬باردة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬التصنيع‭ ‬النصي‮»‬‭ ‬سيشيع‮ ‬‭ ‬عملية‭ ‬تزييف‭ ‬النصوص‭ ‬وانتحالها،‭ ‬ويخشى‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬الإبداع‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭.‬‮ ‬‭ ‬

مفتاح‭ ‬الشريف‭ ‬

فنان‭ ‬تشكيلي‭ ‬

الكتابة‭ ‬والرسم‭ ‬ليسا‭ ‬مجرد‭ ‬مهارات‭ ‬تقنية‭ ‬بل‭ ‬هما‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬والتجربة‭ ‬الشخصية‭ ‬والرؤية‭ ‬الفريدة‭ ‬لكل‭ ‬فنان‭ ‬أو‭ ‬كاتب‭ ‬قد‮ ‬‭ ‬يساهم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮ ‬في‭ ‬إبتكار‭ ‬النصوص‭ ‬الملائمه‮ ‬‭ ‬لكنه‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬الوجداني‭ ‬والبعد‭ ‬الروحي‭ ‬اللذان‭ ‬يشكلان‭ ‬جوهر‭ ‬الإبداع‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬قدرة‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬استخلاص‭ ‬المعاني‭ ‬و‭ ‬الأنماط،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬نصوص‭ ‬متماسكة،‭ ‬لكنه‭ ‬يظل‭ ‬عاجزًا‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬عمل‭ ‬كتابي‭ ‬يحمل‭ ‬المشاعر‭ ‬والتجربة‭ ‬الشخصية‭ ‬لكاتب‭ ‬حقيقي‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي،‭ ‬فاللوحة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ألوان‭ ‬وخطوط،‭ ‬بل‭ ‬انعكاس‭ ‬لحالة‭ ‬الفنان‭ ‬النفسية‭ ‬والروحية،‭ ‬وامتداد‭ ‬لذاته‭ ‬ووجهته،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬محاكاته‭ ‬برمجيا‭ ‬،‭ ‬ربما‭ ‬يتمكن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬إتقان‭ ‬الأساليب‮ ‬‭ ‬والمدارس‭ ‬الفنية،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬حقيقية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬فنان‭ ‬صادق‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬ضربته‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬اللوحة‭ ‬بشعور‭ ‬الاكتمال‭ ‬أو‭ ‬النقص‭. ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يبقى‭ ‬الإبداع‭ ‬الحقيقي‭ ‬ملكا‭ ‬للإنسان‭ ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬يظل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬مساعدة‭ ‬لا‭ ‬أكثر

مأمون‭ ‬الزايدي

كاتب‭ ‬ومترجم‭ ‬

الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والكتابة‭ ‬

رأيتُ‭ ‬أن‭ ‬أحيل‭ ‬الأسئلة‭ ‬إلى‭ ‬ChatGPT‭ ‬‮ ‬ليتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وقدراته‭ ‬كأحد‭ ‬أبرز‭ ‬نماذج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬‮ ‬اليوم‭ ‬وأحد‭ ‬أبرز‭ ‬النجوم‭ ‬‮ ‬وأنقل‭ ‬لكم‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭ ‬اجاباته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬والفطنة‭.‬

سؤالك‭ ‬عميق‭ ‬وجوهري،‭ ‬ويدور‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي،‭ ‬والإبداع‭ ‬الإنساني،‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬يشغل‭ ‬الباحثين‭ ‬والمبدعين‭ ‬والمفكرين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

هل‭ ‬يستطيع‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬إبداعًا‭ ‬؟‭!‬

نعم،‭ ‬ولكن‭…‬

الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬قادرٌ‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬نصوص‭ ‬أدبية‭ ‬وشعرية‭ ‬وقصصية،‭ ‬بل‭ ‬وأحيانًا‭ ‬يدهش‭ ‬القارئ‭ ‬بجمالياتها‭ ‬وتشابهها‭ ‬مع‭ ‬أساليب‭ ‬كبار‭ ‬الأدباء‭. ‬لكنه‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬محاكاة‭ ‬الأساليب‭ ‬القائمة‭ ‬وتحليل‭ ‬الأنماط‭ ‬اللغوية‭ ‬والمجازية،‭ ‬وليس‭ ‬لأنه‭ ‬يملك‭ ‬‮«‬شعورًا‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬داخلية‮»‬‭ ‬للعالم‭.‬

الإبداع‭ ‬الإنساني،‭ ‬في‭ ‬جوهره،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬جمال‭ ‬الشكل،‭ ‬بل‭ ‬تجربة‭ ‬وجودية،‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الألم،‭ ‬والدهشة،‭ ‬والبحث،‭ ‬والقلق،‭ ‬والفرح‮…‬‭ ‬وهي‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬يعيشها‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭.‬

إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يمكنه‭ ‬الإبداع‭ ‬إذًا‭ ‬؟

يمكن‭ ‬للذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬نصوصًا‭ ‬جميلة‭ ‬وذكية‭ ‬ومتماسكة‭ ‬فنيًا‭.‬

يمكنه‭ ‬مساعدة‭ ‬الكتّاب‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬أفكار،‭ ‬وصقل‭ ‬الأسلوب،‭ ‬وتجاوز‭ ‬عوائق‭ ‬الكتابة‭.‬

لكنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬العميق‭ ‬الأصيل‭ ‬الذي‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬الشخصية‭ ‬والمعاناة‭ ‬والوعي‭ ‬الذاتي‭.‬

حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬نموذجُ‭ ‬ذكاء‭ ‬صناعي‭ ‬كتب‭ ‬نصًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬أو‭ ‬أحدث‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬فكرية‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬منعطفًا‭ ‬أدبيًا‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬مثلًا‭ ‬‮«‬شكسبير‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬نيتشه‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬أو‭ ‬‮«‬كافكا‮»‬‭.‬

تصور‭ ‬لمستقبل‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ : ‬‮ ‬

1‭. ‬تعاون‭ ‬لا‭ ‬صراع‭:‬‭ ‬سيتحوَّل‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬مساعدة‭ ‬للكاتب‭  ‬مثل‭ : ‬القلم،‭ ‬أو‭ ‬الطابعة‭  ‬لا‭ ‬بديلاً‭ ‬عنه‭.‬

2‭. ‬تغيير‭ ‬دور‭ ‬الكاتب‭:‬‭ ‬الكاتب‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مجرد‭ ‬منتج‭ ‬للكلمات،‭ ‬بل‭ ‬مبدع‭ ‬للرؤية،‭ ‬ومنسق‭ ‬للأفكار،‭ ‬ومراقب‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬وسط‭ ‬فيضان‭ ‬النصوص‭ ‬الآلية‭.‬

3‭. ‬ازدهار‭ ‬الكتابة‭ ‬الشخصية‭:‬‭ ‬النصوص‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الشخصي،‭ ‬الإنساني‭ ‬العميق،‭ ‬ستصبح‭ ‬أكثر‭ ‬قيمة،‭ ‬لأنها‭ ‬ستُرى‭ ‬كأثر‭ ‬إنساني‭ ‬نادر‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تغمره‭ ‬الآلات‭.‬

4‭. ‬ظهور‭ ‬أشكال‭ ‬هجينة‭:‬‭ ‬قد‭ ‬تظهر‭ ‬مدارس‭ ‬أدبية‭ ‬جديدة،‭ ‬تدمج‭ ‬بين‭ ‬الخيال‭ ‬البشري،‭ ‬والذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬واحد،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬سابقًا‭ ‬مع‭ ‬الفن‭ ‬الرقمي‭.‬

خلاصــــــة

الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬قد‭ ‬يكتب‭ ‬شعرًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يحزن،‭ ‬قد‭ ‬يروي‭ ‬قصةً،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يحلم،‭ ‬قد‭ ‬يقلد،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يثور‭.‬

ولذلك،‭ ‬ستبقى‭ ‬الكتابة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تلامس‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتغيره‭  ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تغير‭ ‬شكلها‭  ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭. ‬

طاهر‭ ‬الفراح

كاتب‭ ‬وناقد‭ ‬فني‭ ‬

الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يطور‭ ‬نفسه‭ ! ‬

منذ‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع،‭ ‬أعلنتْ‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬جوجل‮»‬‭ ‬عن‭ ‬نموذجها‭ ‬‮«‬AlphaEvolve‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬فإنه‭ ‬توصل‭ ‬بالفعل‭ ‬لنظام‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه،‭ ‬ويرى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المطورين‭ ‬والخبراء‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬يفصلنا‭ ‬الكثير‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬لما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـمرحلة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬Singularity‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سيتخطى‭ ‬مستوى‭ ‬الذكاء‭ ‬البشري‭ ‬لدرجة‭ ‬أننا‭ ‬سنكون‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬كيفية‭ ‬عمله،‭ ‬وبالتالي‭ ‬التحكم‭ ‬به‭.‬

ما‭ ‬يُزيل‭ ‬مخاوفنا‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬سنتمكن‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬لحلول‭ ‬لمشكلات‭ ‬كبرى،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬الأزمة‭ ‬المناخية‭ ‬والأمراض‭ ‬المستعصية‭… ‬إلخ‭.‬

قد‭ ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬التفائل،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يُطرح‭ ‬هنا‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬البشري،‭ ‬أي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الواقع‭ ‬والإحساس‭ ‬بالجمال‭ ‬والتعبير‭ ‬عنه‭ ‬كما‭ ‬نُعبر‭ ‬عنه‭ ‬نحن‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفنون‭ ‬المختلفة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الأدب؟‭.‬

لو‭ ‬تعمقنا‭ ‬قليلاً‭ ‬بالكيفية‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬النصوص‭ ‬الإبداعية،‭ ‬يمكنَّنا‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أنه‭ ‬يشتغل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدربه‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬كُتبتْ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مؤلفين‭ ‬وكتَّاب‭ ‬بشر،‭ ‬وهو‭ ‬يطور‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يُحاكي،‭ ‬ويُولّد‭ ‬ما‭ ‬يُشابهها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭ )‬النماذج‭ ‬اللغوية‭(‬،‭ ‬أي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬أنماط‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مليارات‭ ‬الكلمات‭ ‬الموجودة‭ ‬سلفًا‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تنفي‭ ‬عنه‭ ‬صفة‭ ‬الإبداع‭ ‬تمامًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬قرّائها‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬وربما‭ ‬لدرجات‭ ‬يصعب‭ ‬تمييزها‭ ‬عن‭ ‬نصوص‭ ‬بشرية،‭ ‬ويوجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاختبارات‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬أو‭ ‬الدراسات‭ ‬الجامعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬نتائجها‭ ‬صادمة‭.‬

أيضًا‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬لتراث‭ ‬الأدب‭ ‬البشري‭ ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬سؤال‭ ‬أخلاقي‭ ‬مهم‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬مشروعية‭ ‬وقانونية‭ ‬استخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬نصوص‭ ‬أدبية،‭ ‬وقد‭ ‬بدأتْ‭ ‬بالفعل‭ ‬حملات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كبار‭ ‬الكتَّاب،‭ ‬والروائيين‭ ‬في‭ ‬التوعية‭ ‬والتنديد‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬وبعضهم‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬مقاضاة‭ ‬كبار‭ ‬الشركات‭ ‬المطورة‭ ‬له‭ ‬لانتهاكها‭ ‬حقوق‭ ‬الملكية‭ ‬لأعمالهم‭ ‬واستخدامها‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬نماذجها‭.‬

العالم‭ ‬بتاريخ‭ ‬تطور‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭ ‬سيعلم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ساعدنا‭ ‬على‭ ‬التواجد‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬بل‭ ‬والتفوق‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الأجناس‭ ‬الحية،‭ ‬هو‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الظروف‭ ‬الممكنة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬توجد‮ ‬‭ ‬الظروف‭ ‬المناسبة‭ ‬نقوم‭ ‬بإختلاقها‭ ‬بأنفسنا‭.‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تفوق‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬العامل‭ ‬البشري‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حاضرًا‭ ‬فيها‭ ‬بقوة‭ ‬وقد‭ ‬تقبلنا‭ ‬حقيقة‭ ‬تفوقه‭ ‬وتعايشنا‭ ‬معها‭.‬

في‭ ‬لعبة‭ ‬الشطرنج‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أقيمتْ‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينيات‭ ‬سلسلة‭ ‬مباريات‭ ‬شهيرة‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬والآلة،‭ ‬حيث‭ ‬واجه‭ ‬‮«‬غاري‭ ‬كاسباروف‮»‬،‭ ‬بطل‭ ‬العالم‭ ‬حينها،‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬‮«‬Deep Blue‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬بينهما‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬استطاع‭ ‬‮«‬كاسباروف‮»‬‭ ‬الفوز‭ ‬بكل‭ ‬سهولة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬مباراة‭ ‬الإعادة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬تعرض‭ ‬‮«‬كاسباروف‮»‬‭ ‬لأول‭ ‬هزيمة‭ ‬ساحقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الآلة‭.‬

ومع‭ ‬مرور‭ ‬السنين‭ ‬تطورتْ‭ ‬محركات‭ ‬الشطرنج‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬AlphaZero‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ذكاء‭ ‬لم‭ ‬يُعلم‭ ‬حتى‭ ‬الشطرنج‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬ولكنه‭ ‬ظل‭ ‬يلعب‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬ويتعلم‭ ‬من‭ ‬أخطائه،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬يستحيل‭ ‬هزيمته‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحركات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الشغف‭ ‬البشري‭ ‬بالشطرنج،‭ ‬بل‭ ‬تحوّل‭ ‬التحدي‭ ‬ليصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الإعداد‭ ‬للمباريات؛‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬اللاعبون‭ ‬يستعينون‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لتطوير‭ ‬افتتاحيات‭ ‬وخطط‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬مفاجئين‭ ‬بها‭ ‬خصومهم‭ ‬البشر‭.‬

في‭ ‬اعتقادي‭ ‬الشخصي‭ ‬والمتفائل،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سيحصل‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬مستقبلا‭ ‬سيكون‭ ‬شبيهًا‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الشطرنج‭ ‬وغيرها،‭ ‬وكما‭ ‬تكيّفنا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬سنقف‭ ‬مصدومين‭ ‬وحائرين‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬رواية،‭ ‬أو‭ ‬قصيدة‭ ‬مذهلة‭ ‬يبدعها‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه،‭ ‬ثم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬سنتعود‭ ‬على‭ ‬نوعية‭ ‬هذه‭ ‬الكتابة‭ ‬وربما‭ ‬تصبح‭ ‬نوعا‭ ‬أدبيّا‭ ‬آخر‭ ‬ويصبح‭ ‬له‭ ‬قراء،‭ ‬ومحبون‭ ‬كما‭ ‬محبي‭ ‬الروايات‭ ‬التاريخية،‭ ‬أو‭ ‬الرمانسية‭.‬أما‭ ‬نحن‭ ‬البشر‭ ‬فربما‭ ‬يساعدنا‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬في‭ ‬مهام‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التحرير‭ ‬الأدبي‭ ‬أو‭ ‬التدقيق‭ ‬اللغوي،‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬الكتابة‭ ‬المشتركة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬بالفعل‭ ‬وكانت‭ ‬نتائجه‭ ‬مبهرة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ )‬Hypnocracy‭: ‬Trump‭, ‬Musk‭, ‬and the Architecture of Reality‭(.‬

أخيراً‭ ‬من‭ ‬الجدير‭ ‬التذكير‭ ‬بأننا‭ ‬تمكنا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬حياتنا‭ ‬كجنس‭ ‬بشري‭ ‬من‭ ‬تطويع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬والكائنات‭ ‬الحيَّة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وقد‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬وإثراء‭ ‬حياتنا‭ ‬للإفضل،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬استثناءً‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سينطبق‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬أيضاً،‭ ‬وليس‭ ‬لدي‭ ‬شك‭ ‬مستقبلاً‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬قد‭ ‬نتجاوز‭ ‬روائع‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭ ‬وربما‭ ‬نصل‭ ‬لأبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬

قصي‭ ‬محمد

كاتب‭ ‬وروائي‭ ‬

دعنا‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‮ ‬‭ ‬إنّ‭ ‬اللّغة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬هي‭ ‬الهدّية‭ ‬الميتافيزيقية‭ ‬التي‭ ‬أتتنا‭ ‬من‭ ‬السماء،‮ ‬‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬زمن‭ ‬ولادة‭ ‬اللغة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬البُحّاث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اللّغة‭ ‬واللِّسانيات‭ ‬تحديداً‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قلق‭ ‬مستمر‭ ‬حول‭ ‬المصدر‭ ‬المادي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬منه‭ ‬تكوين‭ ‬اللغة،‭ ‬لم‭ ‬تتفق‭ ‬نتائج‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬اللغوي‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬موحد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬غياب‭ ‬العامل‭ ‬المادي‭ ‬يُحيل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اللّغة‭ ‬لها‭ ‬إرتباط‭ ‬عميق‭ ‬بالإنسان‭ ‬دون‭ ‬غيره،‭ ‬إن‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬العلم‭ ‬تحديد‭ ‬نهايته‭ ‬هما‭ ‬اللغة‭ ‬والموت،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬العلم‭ ‬غير‭ ‬قادرٍ‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬كلتا‭ ‬الظاهرتين‭ ‬ليرجعهما‭ ‬لأصل‭ ‬مادي‭ ‬ملموس،‭ ‬فالعلم‭ ‬يحتاج‭ ‬مادة‭ ‬وفي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لعامل‭ ‬مادي‭ ‬يثبت‭ ‬وجود‭ ‬خلية‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الموت‭ ‬كذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬لو‭ ‬أعتبرنا‭ ‬أنهما‭ ‬العلتان‭ ‬اللتان‭ ‬يقفان‭ ‬حجر‭ ‬عثرة‭ ‬أمام‭ ‬هيمنة‭ ‬إبننا‭ ‬العاق‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الإصطناعي‮»‬‭. ‬

كنتُ‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬أطرح‭ ‬سؤالاً‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬منذ‭ ‬ولادة‭ ‬الذكاء‭ ‬الإصطناعي،‭ ‬هل‭ ‬بإمكانه‭ ‬فعليًّا‭ ‬أن‭ ‬يغزو‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬يرتادها‭ ‬الإنسان؟،‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬صدّد‭ ‬الدّخول‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الذكاء؟،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬صناعة‭ ‬الآلة‭ ‬البخارية‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬واستغناء‭ ‬الطبقة‭ ‬البرجوزاية‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬إلى‭ ‬اليد‭ ‬العاملة؟

ام‭ ‬لم‭ ‬تسبب‭ ‬صناعة‮ ‬‭ ‬الآلة‭ ‬في‭ ‬إقصاء‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬يد‭ ‬عاملة‭ ‬ذكية‭ ‬ماهرة‭ ‬تقوم‭ ‬بتشغيلها‭ ‬كذلك‭ ‬نقيس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬تدجين‭ ‬الحيوانات‭ ‬وإستخدامها‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭. ‬لكن‭ ‬ولادة‭ ‬الذّكاء‭ ‬الإصطناعي‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬زلزال‭ ‬مدوي‭ ‬أذهل‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬اخترعه‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬تطويره،‭ ‬لقد‭ ‬إقتحم‭ ‬الذكاء‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬تقريباً‭ ‬وبات‭ ‬بوسع‭ ‬كثيري‭ ‬التشائم‭ ‬أن‭ ‬يحددوا‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬كما‭ ‬حددها‭ ‬فوكوياما‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬وكما‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬رولان‮» ‬‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬الكاتب‭ ‬و‮«‬غوستاف‮»‬‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬المسرح‭ ‬والرسم‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬صيرورات‭ ‬موت‭ ‬متتالية‭ ‬لم‭ ‬يصدق‭ ‬المتشائمون‭ ‬في‭ ‬قراءتهم‭ ‬للمستقبل‭ ‬البشري‭ ‬وإلى‭ ‬الآن‭!‬

هل‭ ‬مات‭ ‬المسرح؟‭ ‬هل‭ ‬مات‭ ‬الرَّسم؟‭ ‬هل‭ ‬مات‭ ‬الكاتب؟‭ ‬يستطيع‭ ‬الذكاء‭ ‬إعطاءنا‭ ‬نصًا‭ ‬إبداعيًا‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬كبيرة‭ ‬يستحضر‭ ‬بها‭ ‬نصوص‭ ‬لكتَّاب‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬والشعر،‭ ‬ثم‭ ‬يجري‭ ‬عملية‭ ‬خوارزمية‭ ‬معقدة‭ ‬ليركب‭ ‬نصًّا‭ ‬إحترافيّاً‭ ‬مُدعيًا‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أنتجه،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬آخر‭ ‬إن‭ ‬إنتاج‭ ‬نص‭ ‬إبداعي‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬بالمطلق‭ ‬على‮ ‬‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يرتكز‭ ‬فيه‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الوجدانية‭ ‬للإنسان،‭ ‬إن‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني‭ ‬بالمجمل‭ ‬هو‭ ‬التعبير‭ ‬الأسمى‭ ‬عن‭ ‬الإحساس،‭ ‬عن‭ ‬الشعور،‭ ‬عن‭ ‬العاطفة،‭ ‬عن‭ ‬التجربة،‭ ‬إن‭ ‬النص‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاعل‭ ‬وإحتكاك‭ ‬الإنسان‭ ‬بالوجود،‭ ‬حالة‭ ‬الحب‭ ‬التي‭ ‬يكتب‭ ‬عنها‭ ‬الشاعر‭ ‬لحبيبته‭ ‬ترتبط‭ ‬يقينيا‭ ‬بعلاقته‭ ‬الصادقة‭ ‬مع‭ ‬محبوبه،‭ ‬تعبيره‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬عن‭ ‬الفرح‭ ‬عن‭ ‬الحزن‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يلامسه‮ ‬‭ ‬تفتح‭ ‬اللغة‭ ‬أبوابها‭ ‬للذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬حتى‭ ‬تجسد‭ ‬الحالة‭ ‬العاطفية‭ ‬له،‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬الذكاء‭ ‬الإصطناعي‭ ‬فهو‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬تمامًا،‭ ‬إن‭ ‬نصوصه‭ ‬باردة‭ ‬لا‭ ‬تجسد‭ ‬حقيقة‭ ‬التجربة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عند‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولو‭ ‬بلغ‭ ‬الذكاء‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬نص‭ ‬إبداعي‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الجمال‭.‬

لا‭ ‬يزال‭ ‬الذكاء‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التجربة،‭ ‬فالبيانات‭ ‬كمصدر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الحسِّية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬معيار‭ ‬الصدق‭ ‬والكذب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحدده‭ ‬كمرجع‭ ‬أساسي‭ ‬للتفريق‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬النص‭ – ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الذكاء‭ – ‬وبين‭ ‬الكاتب‭ ‬المزيف‭ ‬الذي‭ ‬يستعين‭ ‬بالذكاء‭ ‬مدعيًا‭ ‬إمتهانه‭ ‬مهنة‭ ‬الكتابة،‭ ‬إن‭ ‬النصوص‭ ‬الركيكة‭ ‬أو‭ ‬الضعيفة‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬السردي‭ ‬أعتبرها‭ ‬أنا‭ ‬دلالة‭ ‬مُهمّة‭ ‬جدًّا‭ ‬على‭ ‬مِصداقية‭ ‬الكاتب،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬بات‭ ‬الذكاء‭ ‬فيه‭ ‬قادرٍ‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬نص‭ ‬جمالي‭ ‬يفتقد‭ ‬إلى‭ ‬معيار‭ ‬الصدق‭ ‬والنزاهة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى