رأي

بوبكر قرينقو في ذمة الله

أمين مازن

فارق الحياة عن عمر ناهز الخامسة والسبعين المرحوم أبوبكر أحمد صالح قرينقو إثر مرض عضال لازمه فترة ليست بالقصيرة كان فيها مثالاً للتجلّد والصبر، عاش أبو بكر دائم الإنشغال بالشأن العام والحرص على المشاركة فيه بالممكن والرواية عنه بتجرّد، وذلك منذ أن قُدِّرَ له أن يكون بين المنغمسين فيه من أبناء جيله الذين تزامن انخراطهم في التعليم الجامعي في السنتين الأخيرتين من ستينيات القرن الماضي تزامناً مع سقوط النظام الملكي واستمرار النشاط الطلابي في الموقف المتمسك بالاستقلالية والمتناقض مع النظام والذي اتخذ فيه الفقيد سبيلاً يحرص على العمل أكثر من القول، إذ بقيَ على صلة غير عادية مع القياديين الحقيقيين حتى وهم يُساقون للسجون، ولم ينصت بذات الوقت لبعض النصائح المُبطنة بالتهديد حول بعض الوطنيين، وإذا كان الواقع الصغير قد فرض عليه التعاطي مع بعض الاستحقاقات المحلية الريفية وما تحمله من بعض النزعات العشائرية، إلا أنه ظل دائماً مثال الشاهد الموضوعي الذي لا يبخس الذين لا يتفق معهم كريم خصالهم ونظافة أيديهم أيا كانت حِدّتهم. وقد كان يتوفر على حصيلة غير هينة من الرواية الشفوية السليمة من الأهواء، استفدت على الصعيد الشخصي منها كثيراً في تدقيق المعلومات ودور الأشخاص الذين ساهموا في الجهاد من جيل الآباء، لا سيما وهم يضطرون للهجرة باتجاه مصر، عندما قُدِّرَ لوالده أحمد بن صالح أن يتزامل في العمل مع السيد أحمد عون سوف أحد رجال العهد الملكي الذي شارك في تأسيس الجبهة الوطنية المتحدة، وحمل حقيبة نظارة الداخلية بطرابلس ثم الوزارة على مستوى المملكة، وفضّل قرينقو الأب أن يترك العلاقة حيث هي، حتى أن السيد عون سوف هو من بادر وحرص على التواصل معه في المزرعة البسيطة التي كان يعمل بها.

تلقى أبوبكر تعليمه الأول بهون والثانوي بسبها والجامعي بطرابلس، كما درس الفرنسية بباريس وكان ضمن الذين أسسوا المعهد العالي للكهرباء وإدارته من مالطا ردحاً من الزمن، ومع أن المرض قد أضناه كثيراً وأعياه نقص الأكسجين بما لا يدركه إلا من شاهده وهو يعاني الألام، ولكن في تحمُّل تئن منه الجبال، والذي شاهدت بعضه في مسقط الرأس والآخر بمدينة طرابلس قبل أن تدركه المنية أخيرا، فلأسرته وأبنائه وكل من عرفه بهذه المواقع التي أشرنا إليها خالص العزاء ومن كان دون ذلك الاستغفار والدعاء. 

وَمَا تَدْرِي نَفْس بِأَيِّ أَرْض تَمُوت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى