رأي

ضحكٌ كالبكاء

أمين مازن

فتحت‭ ‬الدوائر‭ ‬الحكومية‭ ‬أبوابها‭ ‬عقب‭ ‬عطلة‭ ‬دامت‭ ‬تسعة‭ ‬أيام‭ ‬كاملة‭ ‬بدأت‭ ‬بيومي‭ ‬الجمعة‭ ‬والسبت‭ ‬أي‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬لتدخل‭ ‬عطلة‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬بالتاسع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ذي‭ ‬الحجة‭ ‬حيث‭ ‬يقف‭ ‬الحجاج‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬عرفة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يتسنى‭ ‬له‭ ‬وصول‭ ‬تلك‭ ‬الربوع‭ ‬فيما‭ ‬يكمل‭ ‬أبناء‭ ‬البلاد‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬الأضحية‭ ‬وربما‭ ‬شراءها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬اليوم،‭ ‬ولأن‭ ‬يومي‭ ‬الأربعاء‭ ‬والخميس‭ ‬ستتلوهما‭ ‬عطلة‭ ‬الجمعة‭ ‬والسبت‭ ‬فقد‭ ‬رأت‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬رئيسها‭ ‬ضم‭ ‬اليومين‭ ‬إلى‭ ‬عطلة‭ ‬العيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُخصما‭ ‬من‭ ‬إجازات‭ ‬الموظفين‭ ‬السنوية،‭ ‬هو‭ ‬تقليد‭ ‬عالمي‭ ‬رأى‭ ‬بعض‭ ‬رؤساء‭ ‬الوزارات‭ ‬السابقين‭ ‬العمل‭ ‬به،‭ ‬وحَرِصَ‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬أن‭ ‬يعلنه‭ ‬في‭ ‬صفحته،‭ ‬لشعوره‭ ‬ربما‭ ‬أن‭ ‬ترك‭ ‬الإعلان‭ ‬للإدارة‭ ‬المختصة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬سينقص‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬أي‭ ‬إعلان‭ ‬أو‭ ‬فرحة‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬به،‭ ‬ناسياً‭ ‬أو‭ ‬متناسياً‭ ‬أن‭ ‬الفرحة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يستشعرها‭ ‬العاملون،‭ ‬تلك‭ ‬المتصلة‭ ‬برواتبهم‭ ‬والتي‭ ‬تشهد‭ ‬انخفاضاً‭ ‬لقوتها‭ ‬الشرائية‭ ‬كما‭ ‬شهدته‭ ‬من‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬شوهِدَ‭ ‬عقب‭ ‬فبراير‭ ‬عامة‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬خاصة،‭ ‬عندما‭ ‬زيدت‭ ‬حقائب‭ ‬الوزارات‭ ‬من‭ ‬ترفيع‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬مرشحين‭ ‬كوكلاء‭ ‬فصاروا‭ ‬وزراء‭ ‬ليتلوهم‭ ‬الوكلاء‭ ‬ومساعدوهم‭ ‬ودواوين‭ ‬الإثنين‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬الرواتب‭ ‬والميزات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬التوقف،‭ ‬وما‭ ‬أدّى‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬من‭ ‬إهدار‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬اقتُطِعَ‭ ‬جزءٌ‭ ‬منها‭ ‬لتسديد‭ ‬مستحقات‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتراكمة‭ ‬لأغنت‭ ‬الآلاف‭ ‬عن‭ ‬صندوق‭ ‬الإحسان‭ ‬التي‭ ‬تُصر‭ ‬بعض‭ ‬الفضائيات‭ ‬على‭ ‬عرضها‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإذلال‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬المغالطة،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬سكانها‭ ‬العشرة‭ ‬ملايين‭ ‬فيما‭ ‬يزيد‭ ‬دخلها‭ ‬عن‭ ‬المليارات‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نراهم‭ ‬يقضون‭ ‬عيداً‭ ‬اختلف‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬أعياد‭  ‬الأضحى‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬الكآبة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬علامتها‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬سوى‭ ‬القليل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬ألفناهم‭ ‬يملأون‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬الكبيرة‭ ‬سواء‭ ‬وهم‭ ‬يشترون‭ ‬أضحياتهم‭ ‬من‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬المزدحمة‭ ‬بسيارات‭ ‬النقل‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬أو‭ ‬الخراف‭ ‬المعروضة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬فبدت‭ ‬الشوارع‭ ‬خالية‭ ‬بالكامل‭ ‬وعندما‭ ‬حرصت‭ ‬ضمن‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬تشويط‭ ‬رأس‭ ‬الأضحية‭ ‬بمنطقة‭ ‬غوط‭ ‬الشعال‭ ‬وأسواق‭ ‬اللحوم‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الموسوم‭  ‬بإثنين‭ ‬مارس،‭ ‬وقد‭ ‬اعتدت‭ ‬أن‭ ‬أجده‭ ‬مزدحماً‭ ‬وأقضي‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يرافقني‭ ‬من‭ ‬الأحفاد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬مجيئ‭ ‬دوري‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬هالني‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬محترفي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬يضربون‭ ‬أخماساً‭ ‬في‭ ‬أسداسٍ‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬الازدحام‭ ‬يسمح‭ ‬للعامل‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬الواحدة‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬جنيها،‭ ‬إذا‭ ‬به‭ ‬يخفض‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬القيمة‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يأتي‭ ‬كالعادة‭..! ‬فيتضح‭ ‬جلياً‭ ‬انخفاض‭ ‬عدد‭ ‬الذين‭ ‬أمكنهم‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬أو‭ ‬الشعيرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعجزون‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬ثمن‭ ‬الأضحية‭ ‬من‭ ‬حرِّ‭ ‬مالهم‭ ‬وتأبى‭ ‬كرامتهم‭ ‬أن‭ ‬تدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الاستدانة‭ ‬أو‭ ‬قبول‭ ‬الحسنة‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬أمامهم‭ ‬غير‭ ‬التخلّي‭ ‬عن‭ ‬نحر‭ ‬الأضحية‭ ‬ليبقى‭ ‬الشارع‭ ‬الطويل‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬المارة‭ ‬ومحال‭ ‬الجزارة‭ ‬مقفلة‭ ‬خلافاً‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬سنين،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬الفضائيات‭ ‬الممولة‭ ‬تواصل‭ ‬مقابلاتها‭ ‬مع‭ ‬الحجاج‭ ‬الذين‭ ‬يلهجون‭ ‬بشكر‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬والإشادة‭ ‬بالمجانية‭ ‬التي‭ ‬توفرت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مبرر‭ ‬ويتمكن‭ ‬مرافقي‭ ‬من‭ ‬إنجاز‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬وبين‭ ‬تذكّر‭ ‬من‭ ‬فقدت‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬العمر‭ ‬وأبيات‭ ‬الشعر‭ ‬المخلدة‭ ‬لعيد‭ ‬المتنبي‭ ‬مع‭ ‬كافور‭ ‬الأخشيدي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تنس‭ ‬أمواله‭ ‬صورة‭ ‬سيف‭ ‬الدولة،‭ ‬أخرجني‭ ‬تحريف‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬به‭ ‬مصر‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬لأقول‭: ‬وكم‭ ‬ذا‭ ‬‮«‬بليبيا‮»‬‭ ‬من‭ ‬المضحكات‭ ‬ولكنه‭ ‬ضحك‭ ‬كالبكاء‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى