رأي

لقاء الأجيال

صالح قادربوه

جدارية 

لم تعد الظاهرة التي أخذتْ مساحتها في الصحافة والنقد والمسماة صراع الأجيال متوافقة مع عصرنا؛ بعد أن كانت من المعارك الثقافية البارزة خلال عقود طويلة وبالأخص في المشهد العربي .. يصح استبدال ذلك بمفهوم جديد اسمه لقاء الأجيال؛ فقد وحدت التكنولوجيا النَّاس ولكنها أذابت بشكل حاد الفوارق بين الفئات العمرية المختلفة، فصار سجن التقنية أو براحها يضم الأجيال جميعها، ويجعلها نموذجًا متشابهًا من حيث التواصل والتلقي والاستخدامات، فالكبار في السن والصغار يستخدمون الأداة نفسها ويتلقون المحتوى نفسه ويطلقون الرأي الموحد، وينسحب على الحركة الثقافية بتنوعها أو فلنقل بتشابهها.

إن الثقافة التي هي مجمل أنماط السلوك لدى المجموعة البشرية الواحدة انتقلت من البحث عن المختلف إلى دائرة هيمنة نمط التكنولوجيا على الفكر كله والجماعات البشرية وأجيالها.

ويبدو أن قادم الأيام سيشهد وسنشهد فيه انهيار كل تلك الحملات التي كانت الشهيرة في التدافع الفكري حين يتحول النمط الثقافي من السيطرة الإنسانية إلى سيطرة الروبوت، فيتحول الموضوع الحالي إلى ميراث غامض وتتجلى في قوة الآلة التي يريدون لها أن تكون عاقلة المعجزة العصرية وهي ربما من سيعجل بدمار العالم إن خرج عن السيستم.

لم تعد الأجيال غريبة عن بعضها، ولا بعيدة ولا ذات فوارق جوهرية ومبدئية؛ فالنمط المهيمن المحتوم قرب الإنسان من الإنسان لكنها قرابة مشبوهة، لأنها بنيت على الوسيط، ولو انعدم وجود هذا الوسيط لربما اكتشفنا فداحة المسيرة البشرية الحديثة برمتها.

نحن أجيال شبيهة مشبوهة وتروس في آلة التنميط؛ ولعل لقاء حقيقيًا بيننا جميعًا في مواجهة سؤال الوجود هو ما سيكتب لنا النجاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى