محمد عثمان الصيد.. للكاتب الليبي أمين مازن
لن يخشى الإنزلاق نحو المبالغة من يعتبر السياسي الليبي محمد عثمان الصيد في مقدمة الأذكياء من النواب الليبيين، عند التأريخ لأبناء الجنوب الليبي من الذين فازوا بعضوية هذا المجلس، عبر سيرته السياسية التي بدأها من عضوية لجنة الحادي و العشرين، تلك التي شُكِّلت بواقع سبعة أعضاء من أقاليم ليبيا الثلاثة، برقة، طرابلس، فزان، و المكونة لما صار يُعرف دولياً بليبيا عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية و هزيمة دول المحور أمام قوات الحلفاء، و البت في مصير ليبيا على أساس الإستقلال و وضع النواة الأولى باختيار سبعة أشخاص من كل اقليم، ذلك العدد الذي ما لبث أن رُفِعَ بذات النسبة ليصل إلى عشرين من كل اقليم كونوا جميعاً الجمعية الوطنية التي وضعت الدستور و بايعت الأمير إدريس ملكاً و قد كان على رأسهم بالنسبة لفزان محمد عثمان الصيد و الذي ما لبث أن أفلح في دخول أول حكومة انتقالية وزيراً بدون حقيبة ليطوره سريعاً إلى وزارة الصحة، تلك الوزارة الخدمية المناطة بالولايات فتكون الوزارة و الحالة هذه إشرافية و يتمكن هو في ترتيبات لاحقة أن يجمع معها عضوية مجلس النواب، ضامناً لقرينه الشيخ منصور محمد عضوية مجلس الشيوخ ليتحرك دور المجموعة التي كانت قد بدأت بتنمية قدراتها و توسيع خبراتها و شبكة علاقاتها و دفعها إلى توسيع دائرة التحاصص و ما يفرضه من وجود التمثيل المناسب بالمرافق الإتحادية، فيزول العُرف الذي كان متمثلاً في إناطة حقيبة الصحة بالسيد محمد عثمان الصيد و يتولى النائب المحترم أكثر من وزارة و يحتك بأكثر من عنصر إداري من موظفي الوزارات التي شغلها و حرص على التواصل رأساً مع موظفيها كلما لاحظ على بعض الوكلاء عدم الرجوع إليه و قد كان آخر هذه الوزارات وزارة الإقتصاد و هو يعود إلى الوزارة في حكومة السيد عبد المجيد كعبار عقب إبعاد طاله بحكومة بن حليم، كما تحدث هذا الأخير في مذكراته، هي عودة تزامنت مع نمو موارد الدولة الناتجة عن تقدم الحفر عن البترول و انعكاسه القوي على زيادة مواطن الشغل مما جعل أبناء الجنوب لم يعودوا مضرب أمثال في شغف العيش و القبول بأدنى الدرجات، فعرفت المدينة يومئذ عديد النابهين الذين تفاوتت قدراتهم على الإستفادة من المستجدات ابتداءً من قطاع النقل و ما أوجده من فرص العمل في قيادة السيارات و الشاحنات و ما في حكمها إلى الأعمال المساعدة الجالبة لأسخى المداخيل المالية و التموينية، كما عرفت المدينة إلى جانب هذا النوع آخرين حلّوا موظفين بالحكومة الإتحادية و مؤسساتها الكثيرة، منهم الموظف العادي و منهم الذي حلَّ عضواً ببعض اللجان النوعية، إلى جانب المصارف و مجالس إدارتها و الهيئات و المؤسسات و لجانها، تلك التي كان بن عثمان شديد الإنتباه إليها كما روينا ممن عرفنا من كبار موظفي تلك الأيام الذين التقيناهم على أكثر من صعيد، لا فرق بين من روى من باب الإعجاب و من روى من باب الامتعاض أو من كان ساخراً و فوجِئ بغير ما توقع و لا سيما و هو يفاجأ بتكليف الملك للرجل برئاسة الحكومة خلفاً للسيد كعبار.. لقد أدرك في وقت مبكر من وجوده في المدينة من هذا المدخل أهمية أن يكون له وجوده في حي من أحيائها المهمة فبادر إلى الشروع في تشييد سكن خاص له و في أحدث الأحياء المرغوبة على الرغم من أنه كان قد تحصل على سكن حكومي كبير الحديقة و البناء في بداية شارع الجرابة الشهير، ففضّل ابتياع قطعة أرض فسيحة خط بها بيتاً لافتاً من الناحية الهندسية، و سعى إلى الارتباط بالسكان من خلال زيارة أحدث مرفق أهلي هو نادي بن عاشور، حيث المزاوجة بين الرياضة و الفن مما ترك أثراً طيباً لدى السكان و بالذات الشباب، و قد شاءت الصدف يومئذ أن يتزامن الفراغ من تشييد البيت و ربما السكن به أن قبل الملك استقالة الحكومة و تكليف بن عثمان برئاسة الحكومة و ذلك في خطوة أثارت استغراب أكثر من طرف مما جعل الحديث غير البريء عند ترأس الحكومة و الإقامة بالبيت الجديد ينطوي على أكثر من تعليق غير ودّي، إلا أن المراقبين الأكثر وعياً توقعوا أن ما سيفاجئون به أكثر، إذ لاحظوا في قبول نواب المعارضة الذين سعوا إلى إسقاط كعبار و رفضوا الإشتراك في وزارته قبلوا الدخول مع بن عثمان مستلمين أهم الحقائب و آخرين نهظوا بوزارات مُحدَثَة،