رأي

الحاج مصطفى ميزران

 

الجزء الأول

أمين مازن

‎يستطيع المتأمّل المُنصف لسِيَّرِ الآباء المؤسسين لدولة الإستقلال أن يصف السيد مصطفى ميزران بالرمز الوطني الجدير بالقدر الوافر من الإحترام، ولئن كان مردُّ ذلك يعود إلى التنشئة التي أفلح ذووه في أن يخصّوه بها، بما حققته دراسته العصرية في ذلك الزمان والتي كان أهم ركائزها التضلّع في اللغة الإيطالية و ممارسة النشاط الرياضي، ذلك الذي جعله في مقدمة الفائزين في أشهر سباق للسيارات نظمه الإيطاليون على مستوى عالمي، فكان من إيجابيات الرجل و بالأحرى الشاب في ذلك الزمان ما ظهر عليه من صون نفسه من نقيصة الإنبهار بذلك المستعمر عندما رأيناه في مقدمة الجيل الذي نهض  بحمل لواء الدعوة إلى الإستقلال بمجرد اندحار المستعمر الفاشي بتأسيس الحزب الوطني مع عدد من مجايليه، ذلك الحزب الذي ما لبث أن توحّد مع حزب الجبهة الوطنية المتحدة  «التي ظهر في ذات الفترة» في كيان جديد دُعيَّ بالمؤتمر الوطني والذي قوبل بترحيب غير عادي من السلطة القائمة عندما أُنيطت رئاسته بالسيد بشير السعداوي العائد من مهجره في ديار الشام والحجاز والمتواصل مع عديد الرموز المشاركة له في الوعي وقرب الإقامة أوالمراسلة من أمثال عمر شنِّيب وأحمد زارم وعمر مالك ومحمد فياض وعمر عباس و غيرهم، وقبل هؤلاء وبعدهم أيضا، أكثر من طرف دولي اختمرت لديهم فكرة تمكين الشعوب المُحَررة من الدول خاسرة الحرب كي تحكم نفسها بنفسها وبموجب تفاهمات شملت ضمن ما شملت المساعدات الإقتصادية والعسكرية، إنها الصيّغ التي بلورها الحراك السياسي الذي جعل من السعداوي زعيم الأغلبية ومن مبادئ حزبه وحدة البلاد وانضمامها للجامعة العربية ومبايعة الأمير إدريس ملكاً على الكيان المنتظر على الرغم من وجود حزب ينادي بالنظام الجمهوري وآخر يدعو للإتحاد مع مصر، إنها الخطوات التي توالت وأثمرت حصول البلد على استقلاله وإجراء أول انتخابات نيابية خاض فيها ضمن آخرين مصفى ميزران المعركة و حقق الفوز عن إحدى دوائر المدينة، تلك التي طُبِّقَ فيها نظام التصويت بالبطاقات والصناديق، فقرر سكانها خوض المعركة وعدم الإلتفات إلى الدعوات القائلة بمقاطعة الإنتخاب في الدوائر التي اتُبِعَ فيها نظام التسجيل ففاحت روائح التزييف مما دعا المتساكنين إلى الإحتجاج بل واللجوء إلى القوة ، فكانت القوة المقابلة وكان فتح السجون للعشرات بل للمائات ممن جِيء بهم فُرادى وجماعات من عديد المدن القرى أشهرها زوارة والزاوية والعجيلات وبني وليد ومصراتة والخمس، في حملة دامت لمدة سنة وكانت حديث الناس في أماكن كثيرة وبلغت أصداؤها خارج البلاد، فشكلت سلبية من سلبيات العهد.

‎أكمل مصطفى ميزران دورات الهيئة النيابية الأولى ذات السنوات الأربع جالساً في مقاعد المعارضة كما حفظت وثائق المرحلة، وقد تعذّرَ عليه أن يكون ضمن المُجدد لهم في الهيئة الثانية، ليس لأنه كان ذي أداء غير جيد في كل الأساسيات وإنما لما طرأ على الواقع من مستجدات أهمها ازدياد خبرة المكلفين بتطبيق سياسات الحكومة الرامية إلى إبعاد كل من لا تستريح لوجوده جرّاء ما بدر منه في أكثر من أمر، فضاق به ذرعاً بعض المسئولين حين لم يدركوا قيمة أن يكون لهم بمجالسهم من يعارض بعض تقديراتهم للأمور فلجئوا إلى تشتيت المجموعات الشعبية المتماسكة والقادرة على التمسك بمن ترى فيه الرمز بواسطة توزيع الدوائر الإنتخابية مستفيدين من الكتل الزاحفة أحياناً والعبث بالتناسق المكاني أحياناً أخرى،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى