الرئيسية

بعد غياب ستة عقود.. الحاجة مسعودة القطعاني تلتقي ابنها

وداد الجعفري

حظيت بفرصة لقاء بمحض الصدفة أثناء زيارة عابرة لبعض صديقاتي العاملات بـ(دار الوفاء) لرعاية العجزة والمسنين حيث علمتُ منهن بقصة تبدو للسامع غريبة بعض الشيء،وربما عصية عن التصديق، وعلمت أن الدار تجهز لاستقبال زائر اسثنائي ليس ككل الزوار الذين يرتادون المكان،،ويتفقدون ذويهم بين الحين والآخر، هو ابن إحدى النزيلات ظل غأئبًا عنها ستة عقود من الزمن ..وذلك بسبب انفصالها عن والده تركته وهو طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره فقد عصفت بها مشكلات الحياة، وأجبرتها على مفارقة فلذة كبدها فى الدنيا، ولكن قضاء اللَّه تعالى دائماً فيه اللطف والرحمة بعباده عندما قدر لهما اللقاء..

كيف بدأت القصة …..

يذكر أن موظفةً بمستشفى الجلاء تدعى «نعمات السيد» تشتغل في حياكة الملابس كانت تستضيف الحاجة مسعودة بين الحين والآخر، نعمات تحكى قائلة منذ أن تعرفتُ عليها من قبل زملاء ليَّ في العمل عندما كانت تشتغل في مقهى المستشفى وكان الجميع يعاملها معاملة حسنة .. كما كانت هى إنسانة جيدة تحبنا كما نحبها نحن وكان الجميع يتفقدها دائمًا حتى أبنائي وبناتي بحكم كنتُ اصطحبها معي  وقمنا باصطحابها للمستشفى لإجراء عملية لعيونها واجراء بعض الكشوفات لها نصحتني بعض الزميلات بحكم أنني من دولة مصر  قيل ليَّ يجب أن تسلميها لدار المسنين لرعايتها والاهتمام بها؛ وفعلا تم الاتصال بالأستاذ رضاء موظفين بالدار وتم التنسيق معه حيث استجابوا وحضروا لإصطحاب الحاجة مسعودة ومنذ ذلك الوقت ونحن نقوم بزيارتها إلى أن قامتْ الدار بدعوتنا لحضور حفل استقبال ابنها كنا سعداء بذلك أنا والمَّمرضات بالمستشفى

الحاجة «مسعودة» سردتْ جزءًا من تفاصيل حياتها، أو جزءًا مما اسعفتها بها الذاكرة قائلةً : لقد فرقتْ الحياةُ بيني وبين ابني حيث انفصلتُ عن زوجي منذ سنين طويلة  في طبرق، واتجهتُ للعمل بمدينة طرابلس وبعد فترة سمعتُ أن ابني توفى حزنتُ، ودفنتُ ذلك الحزن وكان كل من يشتغل معي فى المستشفى يعرف انني وحيدة وليس لدى أحد فيحاولون مراعاة مشاعري ولم يواصلني أحد من الأهل، أو الأقارب ولم اتواصل أنا مع أحد منهم إلى أن قامتْ الدار بعدة مجهودات للعثور على ابنى وكان الموضوع بالنسبة ليَّ معجزة ..

السيدة مسعودة إدريس مصباح القطعاني مواليد 1943م دخلتْ دار الوفاء لرعاية العجزة والمسنين بتاريخ 1942019 واستقرتْ بين أسرتها الثانية التي احاطتها بالرعاية النفسية والصحية وباعتبار مكتب الخدمة كان مكلفًا بدراسة الحالات الموجودة بالدار بعد أن كُلِفَ الأستاذ إدريس عبدالله غيث مديرًا للدار الذي أعاد تنظيمها من جديد وقد روتْ الأستاذة شويخة مستشارة بمكتب الخدمة الاجتماعية قائلة إن الحاجة مسعودة كانت موظفة بمستشفى «الجلاء» ما يقارب الثلاثين عامًا فقد كنتُ اسألها عن حياتها وهل لها أبناء ؟

قالت لنا إن لها ابنًا اسمه فتحي، ولكن سمعتْ انه توفي واحسستُ من كلامها أنها لم تكن متأكدة فكنتُ امازحها بأنني قد وجدت ابنها  وقمت فيما بعد بالاتصال بمديرية امن طبرق عن طريق موقع التواصل الاجتماعي  للاستفسار  عن ابنها ولكن مديرية الامن لم تتجاوب مع الدار حينها كدنا نفقد الأمل

افترقنا  قبل أن التحق بالدراسةوالتقينا وأنا محال للتقاعد

ولكن قدر لهذه الأم أن تلتقي بابنها حيث ذهبت لمصرف الصحارى فرع حي الأندلس حيث ألتقيت بامرأة وتعرفت عليها وعندما سألتها من أي مدينة فى ليبيا قالت من إحدى المناطق الشرقية من طبرق وسردت لها بعض التفاصيل عن النزيلة بالدار واعطيت لها اسم ابنها بالكامل، وهل تستطيع أن تتواصل مع أهلها هناك لتساعدنا فى أن نجد ابنها، الحقيقة ابدت استجابة وقالت انها ستتصل باخوانها وتبادلنا الأرقام، وانصرفت  لتتصل بي فى المساء قائلة أن لها اخًا صديقه صديق أشرف حفيد الحاجة مسعودة .

هكذا جاء الخبر بسرعة وكان مفاجيئًا للجميع سواء  للابن أو لعائلته ولجميع العاملين بالدار وكان الجميع ينتظر المفاجأة ولقائهما مع بعض وكنا نجهز لهذا اللقاء فعندما اتصلنا بالابن كان من الصعب أن يصدق أن امه مازلت على قيد الحياة .

واضافت اريد من الجميع يفهم أن الأستاذ فتحي لم يترك أمه، ولم يضعها فى دار رعاية المسنين الظروف فرقتهم وهو عمره 4 سنوات وقامت برعايته زوجة ابيه وبقى لا يعرف عن قصة والدته شيئًا. 

ويحكى الابن فتحى عمران الكيلاني أنه من مواليد طبرق 1958، ويبلغ من العمر 65عامًا ويعمل بمعهد فني متوسط لقد فارقت أمي أبي  وانا أبلغ من العمر 4 سنوات ولم اعرف عنها أي تفاصيل زوجة أبي رحمها الله هي من قامت بتربيتي والحقيقة لم تقصر معي وكل ما كان معي صورة لأمي فقط حاولت عندما كبرت أن استدل عنها ولم أفلح تمضى السنون واصبت بالاحباط وأهملت فكرة البحث.

وبفضل الله تعالى وتصاريف الأقدار مع مجهودات المسؤولين بالدار بعد هذه السنوات الطويلة التقى بأمي فقد تركتني وانا مازلت لم ادرس والتقيتُ بها وأنا محال على التقاعد اكثر من اثنتين وستين سنة حرمتني متعة العيش مع الأم التى ولدتني أكرمنى الله تعالى بها واكرمها بي لكي يواسي كلٌ منا الآخر. 

الأستاذ إدريس غيث يفيد بالقول الحمدلله إن جهودنا تكللت بالنجاح وأسهمنا باعادة لم شمل وإعادة الابن الى أحضان أمه ولو في سن متأخرة نوعًا ما 

فمهما امتد العمر بالأم تظل المهد الأول والوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى