الرئيسيةتقاريرسياسة

حقائق تاريخية في ذكرى الاستقلال.. “الاستقلال” مقاومة صنعته وإرادة شعب هيأته..

يصادف الـ24 من ديسمبر من كل عام ذكرى استقلال ليبيا التي أعلنت فيه البلاد استقلالها تحت اسم المملكة الليبية المتحدة بنظام ملكي دستوري وراثي. وفي كلمته الأولى من شرفة قصر (المنار) من مدينة بنغازي، أعلن ملك البلاد محمد إدريس السنوسي لأبناء ليبيا، أن أعز أمانيه وكل سعيه أن تحيا ليبيا حياة دستورية، وتمارس السلطات فيها وفقًا لأحكام الدستور .

جاء هذا الاستقلال بعد خلاف الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بين منح ليبيا استقلالها أو الوصاية لمدة عشر سنوات لتتم إحالة الأمر إلى الأمم المتحدة التي تبنت عام 1949 قرارًا تقدمت به عدة دول لمنح ليبيا الاستقلال قبل يناير 1952 ونجح الوفد الليبي في كسب صوت دولة (هايتي) الذي كان المُرَجّح في تصويت الدول الأعضاء؛ فنالت ليبيا استقلالها في مثل هذا اليوم لعام 1951

فهو يوم يجسد انتصاراً وطنياً لكل الليبيين، حيث يُذكرنا ببطولات الأجداد والآباء الذين كافحوا وناضلوا وجاهدوا وخضَّبوا بدمائهم الزكية تراب ليبيا إيماناً بقضيتهم العادلة في الحرية والاستقلال.

« فقد مرت ليبيا بمحطات تاريخية قد اهلتها إلى استقلالها، نستطيع أن نقول بانها محطات حسمت لفسح الطريق امام الاستقلال، فمبايعة الملك ادريس عند قيام جمهورية برقة سنة 1916 كان محطة اولى، و بيعة حكومة طرابلس في مؤتمر غريان سنة 1922 كان المحطة الثانية، كما ان بيعة الجمعية التأسيسية سنة 1950 كانت محطة خاتمة، و التي بدورها في نفس السنة اقرت العلم الليبي و انتخبت اللجنة الدستورية مكونة من ستة اعضاء. كما انه عند اقتراب المراحل التاريخية التى تدرجت إلى أن تنال ليبيا استقلالها كان ترابها مقسم بين ثلاث مستعمرات، بريطانيا، ايطاليا و فرنسا، حيث خسرت إيطاليا في الحرب العالمية الثانية سنة 1943 مع دول المحور أمام الحلفاء، بعد ذلك خضعت طرابلس وبرقة معاً تحت سيطرة الادارة البريطانية، وحاولت ايطاليا الرجوع الى طرابلس مرة ثانية تحت اتفاقية (بيفنسفورزا) برعاية الامم المتحدة سنة 1949، و ذلك لإخضاع برقة تحت سيطرة الاستعمار البريطاني، و طرابلس تحت سيطرة الاستعمار الإيطالي، و فزان تحت سيطرة الاستعمار الفرنس ، و قامت على اثر ذلك مظاهرات واسعة فى ليبيا منددة بهذه الاتفاقية ، التى تدعم رجوع ايطاليا من جديد الى ليبيا ، و تبع هذه الاتفاقية الاخفاق و الفشل على اثر معارضة مندوب هايتى رجوع ايطاليا الى ليبيا ، و نقص صوت واحد فى الاقتراع كان مطلوباً لضمان الاغلبية فى الامم المتحدة . كانت التيارات الوطنية اتجاه استقلال ليبيا تخوض فى تيارين اثنين ، تيار يدعو الى دولة و حكومة واحدة يتزعمها الملك ادريس رحمه الله ، و نستطيع ان نطلق على هذا التيار بالتيار الوحدوى ، و يتبناه فى ذلك الوقت حزب المؤتمر الطرابلسى ، اما التيار الثانى الذى تبناه حزب الاستقلال فقد كان يدعو الى الحكومة الاتحادية (الفيدرالية) ، بحيث تصبح ليبيا ثلاثة حكومات ولائية و حكومة فيدرالية ، و بعد فشل اتفاقية بيفن سفورزا فى 17 مايو 1949 ، تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة فى 21 نوفمبر 1949 قرار استقلال ليبيا الذى اقترحته وفود الهند و العراق و باكستان و الولايات المتحدة، حيث نتج القرار باغلبية 48 صوتاً ضد صوت واحد و غياب تسعة اصوات، و نجح القرار بأن تصبح ولاية طرابلس ، برقة و فزان دولة مستقلة ذات سيادة، و ان لا يتأخر تطبيق القرار قبل 1 يناير 1952 ، و اعلن الاستقلال فى 24 ديسمبر 1951 قبل اسبوع من الموعد النهائى لتطبيق قرار الاستقلا ، أصبح الدستور معداً للتنفيذ ، كما تولت الحكومة المؤقتة البلاد و اصبح الدستور جاهزا للتنفيذ ، و استمر العمل بالحكومة الفيدرالية الى ان اقترح تغيير النظام الفيدرالى بنظام جمهورى ، و استمر العمل على الاصلاحات الدستورية منذ سنة 1955 فى هذا المضمار ، حتى اعلن النظام الجمهورى فى سنة 1963 ، و اصبحت ليبيا دولة واحدة موحدة بحكومة واحدة و برلمان واحد بدل ثلاث حكومات ولائية و حكومة فيدرالية . المنظار الزمنى للسرد التاريخى لكل هذه الاحداث يعطى وجه تشابه بين الاستقلال بقرار الامم المتحدة سنة 1951 و التحرر من الدكتاتورية فى ثورة 17 فبراير ، حيث كانت مدة الاستعمار قبل الاستقلال أربعون سنة (19111951) ، وفترة الاستعمار من قبل نظام القذافى كانت اثنتان و اربعون سنة (19692011)، نستطيع ان نقول بأن فترة الاستعمار فى ليبيا هى اثنتان و ثمانون سنة ، تتخللها فترة الاستقلال ثمانية عشرة سنة (19511969) ، و بذلك يكون المجموع مائة سنة ، و السؤال هنا هل ما زالت ليبيا تتحمل اكثر من هذا العبء؟ ، بكل ثرواتها و مواردها المادية و البشرية ، يستوجب علينا حساباً منطقياً لهاتين الفترتين بنتيجة حاسمة ، ان بر الامان سوف يكون قريباً ، و بذلك تحسم مسألة الديمقراطية و دولة القانون ، غير ذلك يكون هناك تعثر فى الطريق و تسرب فى الاتجاه غير صحيح ، و سوف تفتح الابواب على اطراف خارجة عن هذه المعادلة الى التدخل و الاحتواء ، ليس بعيداً ان احد المنعطفات التى تغير الاتجاه الصحيح للتحرر و تحقيق العدالة الاجتماعية ، هى الدوافع الفردية و الجماعية ، حب التسلط و الاندفاع نحو الجهوية و المناداة بالقبلية . ايضاً هناك مقارنة تاريخية ناتجة بين الدكتاتوريتين المتحالفتين قبل استقلال ليبيا، فقد تحالف موسلينى مع زميله هتلر فى تلك الفترة ، و المعروف على الحزب الفاشى الذى كان يتزعمه موسلينى كان مطبوع عليه الاقصاء لكل مخالفيه و الابادة لكل معارضيه ، و قد خسرت هذه الدكتاتورية المتحالفة عندما تحالف الجيش السنوسى مع انجلترا سنة 1943 فيما يعرف بمعركة العلمين، و خرجت ايطاليا من التراب الليبى خاسرة فى تلك المعركة ابان الحرب العالمية الثانية، اما هتلر فقد قتل نفسه برصاصة و انتحر ، و موسلينى ادانه شعبه بما فعله فى الشعب الليبى حتى قتل على يد شعبه فى روما و ترك مقتولاً فى الشارع، هكذا يروى لنا التاريخ عندما يعرض حقيقة الدكتاتوريات، و تبقى الشعوب هى المنتصرة، و التاريخ يعيد نفسه و مازال يحذر من الظلم و الطغيان و يتكون العلم الوطني الليبي من ثلاثة ألوان هي اللون الأحمر والأسود والأخضر، في وسطه هلال أبيض ونجمة بيضاء، حيث استخدم للمرة الأولى بعد استقلال ليبيا وإعلان المملكة الليبية المتحدة، ووضعت تصميمه آنذاك هيئة تشريعية ليبية في عام 1951، وأُلغي استخدامه بعد استلام معمّر القذّافي السلطة في ليبيا عام 1969، وأُعيد العمل به في الحادي والعشرين من أغسطس في عام 2011، إثر الثورة الليبية.

وترمز ألوان العلم الليبي إلى كفاح الليبيين من أجل الاستقلال، حيث يشير اللون الأسود إلى الراية السنوسية، التي تمثل إقليمي برقة وفزَّان، يوم رفع المجاهدون الراية السوداء للمقاومة ضد إيطاليا، أمّا اللونين الأخضر والأحمر فقد كانا من مكونات رايات وأعلام الإقليم الطرابلسي إبان فترات تاريخيّة مختلفة؛ بدءًا من الحكم العثماني وانتهاءً بالجمهورية الطرابلسية التي أُعلن عنها في عام 1918م، كما يدل الهلال على الأمل والمستقبل، وترمز النجمة الخماسيّة إلى الإسلام وقواعده الخمسة (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج).

وبناءً على ذلك، واستلهاماً للنضال والكفاح الوطني، فإن على أبناء ليبيا وأحفادها استحقاق وطني وهو التفاعل مع التحديات التي تعصف في بلادنا، وتخليص ليبيا 

إن بلادنا اليوم في أمس الحاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي سلمي، يُؤمِن بالحريات والعدالة الاجتماعية والمصالحة الشاملة والدولة المدنية ودولة القانون والدستور والقضاء العادل، وإفراز قيادات وطنية حقيقية منتخبة من قواعدها الشعبية، وليست مفروضة من أحد على شعبنا. فقد تداخلت الأوراق و ليبيا تدخل منعطفاً جديداً، و رهان الانتخابات لم يكتمل، السيناريوهات مفتوحة، المسرح السياسي تتجاذبه أطراف عديدة، لكن لم يأتِ معها الاستحقاق الانتخابي الذي كان ينتظره غالبية الشعب الليبي جميع أطراف المعادلة السياسية في مفترق طرق. مرحلة جديدة تحتاج رؤية مغايرة ومقاربة مختلفة، لا مجال لتكرار الأخطاء..

بل ويتطلع الشعب الليبي وهو يحيي هذه المناسبة الى ان يعم الامن والاستقرار والازدهار ربوع الوطن كافة ، وتتحقق المصالحة الوطنية المنشودة وتكون الكلمات والافعال بعمق المحبة لليبيا والتآزر على بنائها بإخلاص وايمان ، وبأنها بلد واحدة وموحدة  للجميع من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ولن تكون إلا لمن يعمل على تضميد جراحها ، وبعث الحلول الناجعة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي يتعاون فيها الجميع من أجل بناء الدولة الموعودة التي حلم بها شهداءها الأبرار وعرق أبناءها الأوفياء.

ويأمل الليبيون وهم يحيون ذكرى هذه المناسبة المجيدة  أن يعم فيه الخير والطمأنينة  وتجرى فيه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لتبدأ عملية التداول السلمي على السلطة وينعم هذا الشعب بعظمة وعراقة تاريخه بالحرية ويتجاوز كل المحن ويتوجه الى العمل والبناء لتحقيق دولة القانون والرفاهية والشفافية والنهضة العلمية والتنموية في شتى مناحي الحياة .

في الختام، عيد الاستقلال هو يوم يُذكرنا بما بذله الأجداد والآباء في سبيل نهوض الوطن، هو يوم شاهد على التضحيات لأجل هذه الأرض الطاهرة، فلنا العزة بأن نحتفل بهذا اليوم العظيم، وأن نرفع رايته بكل فخر وانتماء. ولنجعل يوم الاستقلال فرصة لإعادة شحن الهمة للنهوض بالوطن، وفرصة للتحفيز على العمل والبناء والنهوض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى