الاولى

في ذكرى الاستقلال

عبدالسلام الفقهي / مني الساحلي

72أحلام الغد ..
وثبة لم تكـتـمل

مازال الليبيون ينشدون التغيير منذ منعطف 2011 رغم انتظار تجاوز العقد، بقيتْ أحلامُ الغد وثبةَ أمل لم تكتمل، لكن الأحلامَ لا تصنعها التمنيات، واكتمال الوثبة مرهون بمعطيات التغيير التي لازلنا ننشدها ربما تكونت ملامحها على استحياء ضمن فورات المخاض الليبي عبر مراحله السابقة لكنها سرعان ما تلاشت بسبب الهزات المتكرَّرة التي تعرض لها المشهد الليبي في أبعاده السياسية، والاقتصادية، وبقتْ تلك المحطات كفرص ضائعة وجب النظر في خلفياتها، ومسبَّبات التفريط .
تكفل الإعلان الدستوري الصادر عام 2011بوضع تصور لجملة القوانين المنظمة لسير عمل السلطة التنفيذية آنذاك، كما تضمنت بنوده الحقوق السياسية، والاجتماعية، والصحية، والثقافية للمواطن، إلا أن الإعلان الدستوري ظل كحالة مؤقتة كما باقي الحكومات المتعاقبة، وسنتعرف على كم الحقوق الغائبة الآن بسبب الانقسام والحروب والفوضى اذا ما انتقينا بعض بنوده , على سبيل المثال في مادته الرابعة (تعمـل الدولة على إقامة نظام سيـاسي ديمقراطي مبني على التَّعدَّدية السِّياسية والحـزبية، وذلك بهدف التداول السِّلمي الديمقراطي للسُّلطة)، للأسف اجهضتْ العملية السياسية، ولم يتحقق التداول السلمي على السلطة، ما الذي حدث ؟!.
العقـــد الأخيـر والفـــرص الضائعة

انتخبَ الليبيون في 2012 «المؤتمر الوطني» بعد توقف انتخابي امتد لأربعة عقود، انتج سلطة تنفيذية من 24 وزيرًا برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب كأول حكومة منتخبة بعد 2011.
وجدتْ حكومة الكيب نفسها أمام تحديات جسام، كانتشار السلاح، وبنية الجيش المفككة , وتضرر العديد من القطاعات بسبب الاشتباكات , أيضا المقار الحكومية كانت مشغولة من قبل المجموعات المسلحة , ايضا هناك مفهوم غائب لدى المواطن وهو أنه عنصر مهم في عملية الاستقرار , ووعيه بإعطاء الفرصة للسلطة لإنجاز مستحقات المرحلة , إلا أن تلهف المواطن جني ثمار التغيير سبقت التغيير بمراحل , حيث غصت طرابلس العاصمة بالاعتصامات , بمبرر وبدون مبرر , كل قطاع قذف بمشاكله أمام الحكومة الوليدة وكأنها تملك المصباح السحري .
في المقابل مضت الحومة على وقع حاول امتصاص هذه الفوران , وعددت في تقرير لها بعض ما انجزته متخذة مسلك الحوار كما وصفه الدكتور الكيب في تقرير نهاية مهمتها بالخصوص حتى لا تدخل البلاد في الفوضى وتتأجل الانتخابات وندخل في نفق مظلم , وأضاف الكيب أن من بين الصعوبات التي واجهت حكومته هي هبوط انتاج النفط ما أدى الى عدم توفر السيولة المالية الكافية لتغطية نفقاتها , كذلك تداخل الاختصاصات بين المجلس الوطني والحكومة الامر الذي انعكس على اداءها وقلل من فرص حلحلتها للعديد من المشاكل .
ومن جانب آخر رأى الكيب أن حكومته حققت بعض الأعمال في مجال البنية التحتية والصحة الخ في مقابل انتقاد المواطن لأداء الحكومة والنهاية متروكة لشهادة التاريخ عن الاخفاق والنجاح .
الى ذلك تسلمت حكومة علي زيدان تركة حكومة الكيب في نهاية أكتوبر 2012 لمدة سنتين وفي منظورها أيضا تحقيق ما عجزت عنه سابقتها , لكن سخونة الفرن الليبي لم تدع الرياح تأتي بما تشتهي السفن , أولى هذه المعضلات قانون العزل السياسي في الخامس الخامس من مايو 2013 والذي يضبط الوظائف والمسؤوليات التي يمنع من تولى مناصب قيادية في عهد النظام السابق توليها في الدولة الجديدة لمدة عشر سنوات , فهو يضع بين قوسيه اعلى منصب وهو رئيس الدولة وانتهاء بمدير ادارة ) وطال القانون وفق هذا الاعتبار العديد من القيادات السياسية في فبراير منهم رئيس الوزراء علي زيدان ومحمود جبريل ورئيس المؤتمر الوطني محمد المقريف .
انتقد العديد من النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي وحتى مندوبية الامم المتحدة ممثلة في طارق متري هذا الاجراء لكونه يحد من عملية الاستفادة من الكوادر الجيدة خصوصا في الوظائف الوسطى وأن ذلك يمثل استبعادا مجحفا في حقها , يحدث ذلك والبلاد في مرحلة العبور من الفوضى الى النظام , وهي تتطلب حشد كل المهارات الممكنة لتقوية مركز الادارات والمؤسسات الحيوية , الا أن المطالبات ذهبت ادراج الرياح ,في حين صوت البرلمان بتعليق العمل بهذا القانون حتى اصدار دستور دائم .
في تتابع لمسلسل الارباك الليبي القت أزمة اغلاق الموانئ النفطية بظلالها على حكومته , وتطايرت تهم الفساد هنا وهناك اضافة الى صراع المجموعات المسلحة بين حين وآخر حتى انتهى به الأمر الى اختطافه ثم مغادرته ليبيا , وكان المؤتمر الوطني قد حجب الثقة من حكومة علي زيدان ب124 صوتا وتكليف وزير دفاعه عبدالله الثني بتسيير الأعمال لمدة أسبوعين , ونفى زيدان في أول تصريح له على وسائل الإعلام قانونية سحب الثقة كذلك تكذيب تهم الفساد على حكومته .
لا تفوتنا الإشارة هنا الى أن زيدان يباشر عمله من طرابلس في وجود جسمين سياسيين (البرلمان) في الشرق و(المؤتمر الوطني )في طرابلس , بعد أن حدث شرخ في عملية الانتقال السلمي للسلطة .
السبع المؤقتة
في11 مارس 2014 أدى عبدالله الثني وزير دفاع حكومة علي زيدان اليمين الدستورية رئيسا مؤقتا لحين انتخاب رئيس وزراء دائم وذلك خلفا لعلي زيدان الذي سحبت منه الثقة , وفي سبتمبر من ذات العام تم تجديد ولاية الثني بتصويت من البرلمان في طبرق وتكليفه بتشكيل حكومة في الشرق بعد أن حدثت اشتباكات مسلحة بالعاصمة صاعدت الخلاف بين مجلس الدولة والبرلمان . ومن ضمن فترة ولاية الثني التي استمرت سبع سنوات , تكوين حكومة موازية لها في طرابلس برئاسة عمر الحاسي , لتدخل ليبيا في نفق آخر وممر مظلم اسمه (الحومات الموازية ) .
بذل المجتمع الدولى جهودًا في رأب الصدع بين الاخوة وجرت مفاوضات عديدة هنا وهناك تمخض عنها في النهاية حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في 17ديسمبر 2015على خلفية اتفاق الاطراف الليبي في مدينة «الصخيرات» بالمغرب. لكن عثرات الماضي ظلت كابوسا يؤرق الجميع مضاف اليها وباء آخر (داعش ).
على خلفية احتدام الصراع على السلطة بين الاطراف الليبية , حدث أن تمدد الظلام في غفلة الجميع , مستفيدا من الفراغ , حيث سيطر تنظيم الدولة( داعش ) على مدينة سرت اضافة الى درنة وبنغازي , الا أن مقاومته في سرت على يد قوات البنيان المرصوص أدت الى هزيمته واجتثاثه من المدينة , كذلك الحال في درنة على يد قوات المنطقة الشرقية .
وتواصل في المقابل محاولات تذويب الجليد بين أطراف النزاع , واختيرت غدامس مكانا لانعقاد المؤتمر الوطني الليبي الجامع 2019, إلا أن المسار السياسي قوض مرة أخرى بالحرب على العاصمة وكانت العودة مرة أخرى الى نقطة الصفر , حيث تجددت الجهود الأممية مرة أخرى لتقليص الفجوة بين الفرقاء حتى كانت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة السيد عبدالحميد الدبيبة , والتي ارتأت كسر حاجز الجمود في الاتجاه افقيا والاشتغال على مشروعات البنية التحتية تحت عنوان (عودة الحياة ) .. الليبيون وهم يستذكرون عنفوان المراحل منذ بداياتها ينتظرون في المقابل خيط أمل قد يلوح في الافق البعيد , وليقينهم أن هذه الدوامة من الازمات ستزول وتبقى ليبيا في النهاية العنوان الجامع , كما أن كل الحروب والصراعات تنتهي بمجرد أن يستشعر كل منا خطرا يتهدد الآخر ولعل (فزعة خوت ) في كارثة فيضان درنة كانت دليلا حيا على عمق الاخوة بين الليبيين وأن الجسد واحد برغم اتساع الجغرافيا وتعدد اسافين الفرقة .
ومضة تاريخية

مرت ليبيا بمحطات تاريخية قد اهلتها إلى استقلالها، ، فمبايعة الملك ادريس عند قيام جمهورية برقة سنة 1916 كان محطة اولى، و بيعة حكومة طرابلس في مؤتمر غريان سنة 1922 كان المحطة الثانية، كما ان بيعة الجمعية التأسيسية سنة 1950 كانت محطة خاتمة.
التي بدورها في نفس السنة اقرت العلم الليبي و انتخبت اللجنة الدستورية مكونة من ستة اعضاء. كما انه عند اقتراب المراحل التاريخية التى تدرجت إلى أن تنال ليبيا استقلالها كان ترابها مقسم بين ثلاث مستعمرات، بريطانيا، ايطاليا و فرنسا،
آتر ذلك ثم اعلان اتفاقيةاتفاقية (بيفن – سفورزا) برعاية الامم المتحدة سنة 1949، و ذلك لإخضاع برقة تحت سيطرة الاستعمار البريطاني، و طرابلس تحت سيطرة الاستعمار الإيطالي، و فزان تحت سيطرة الاستعمار الفرنس ، والامر الذي ادى الى خروج مظاهرات واسعة فى ليبيا منددة بهذه الاتفاقية ، رفضا لعودة المستعمر الى ليبيا باي صيغة كانت .
ونتج عن هذا الضغط وايضا عدم اتفاقث الاطراف الدولية فشل اتفاقية بيفن سفورزا فى 17 مايو 1949 ، فتبنت الجمعية العامة للامم المتحدة فى 21 نوفمبر 1949 قرار استقلال ليبيا وأن تصبح كلا من ولاية طرابلس ، برقة و فزان دولة مستقلة ذات سيادة، و ان لا يتأخر تطبيق القرار قبل 1 يناير 1952 ، و اعلن الاستقلال فى 24 ديسمبر 1951 قبل اسبوع من الموعد النهائى لتطبيق قرار الاستقلا ، أصبح الدستور معداً للتنفيذ ، كما تولت الحكومة المؤقتة البلاد و اصبح الدستور جاهزا للتنفيذ ، و استمر العمل بالحكومة الفيدرالية الى ان اقترح تغيير النظام الفيدرالى بنظام جمهورى ، و استمر العمل على الاصلاحات الدستورية منذ سنة 1955 فى هذا المضمار ، حتى اعلن النظام الجمهورى فى سنة 1963 ، و اصبحت ليبيا دولة واحدة موحدة بحكومة واحدة و برلمان واحد بدل ثلاث حكومات ولائية و حكومة فيدرالية .
ترمز ألوان العلم الليبي إلى كفاح الليبيين من أجل الاستقلال، حيث يشير اللون الأسود إلى الراية السنوسية، التي تمثل إقليمي برقة وفزَّان، يوم رفع المجاهدون الراية السوداء للمقاومة ضد إيطاليا، أمّا اللونين الأخضر والأحمر فقد كانا من مكونات رايات وأعلام الإقليم الطرابلسي إبان فترات تاريخيّة مختلفة؛ بدءًا من الحكم العثماني وانتهاءً بالجمهورية الطرابلسية التي أُعلن عنها في عام 1918م، كما يدل الهلال على الأمل والمستقبل، وترمز النجمة الخماسيّة إلى الإسلام وقواعده الخمسة (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج).
وبناءً على ذلك، واستلهاماً للنضال والكفاح الوطني، فإن على أبناء ليبيا وأحفادها استحقاق وطني وهو التفاعل مع التحديات التي تعصف في بلادنا، وتخليص ليبيا .
إن بلادنا اليوم في أمس الحاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي سلمي، يُؤمِن بالحريات والعدالة الاجتماعية والمصالحة الشاملة والدولة المدنية ودولة القانون والدستور والقضاء العادل، وإفراز قيادات وطنية حقيقية منتخبة من قواعدها الشعبية، وليست مفروضة من أحد على شعبنا. فقد تداخلت الأوراق و ليبيا تدخل منعطفاً جديداً، و رهان الانتخابات لم يكتمل، السيناريوهات مفتوحة، المسرح السياسي تتجاذبه أطراف عديدة، لكن لم يأتِ معها الاستحقاق الانتخابي الذي كان ينتظره غالبية الشعب الليبي جميع أطراف المعادلة السياسية في مفترق طرق. مرحلة جديدة تحتاج رؤية مغايرة ومقاربة مختلفة، لا مجال لتكرار الأخطاء.
بل ويتطلع الشعب الليبي وهو يحيي هذه المناسبة الى ان يعم الامن والاستقرار والازدهار ربوع الوطن كافة ، وتتحقق المصالحة الوطنية المنشودة وتكون الكلمات والافعال بعمق المحبة لليبيا والتآزر على بنائها بإخلاص وايمان ، وبأنها بلد واحدة وموحدة للجميع من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ولن تكون إلا لمن يعمل على تضميد جراحها ، وبعث الحلول الناجعة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي يتعاون فيها الجميع من أجل بناء الدولة الموعودة التي حلم بها شهداءها الأبرار وعرق أبناءها الأوفياء.
في الختام، عيد الاستقلال هو يوم يُذكرنا بما بذله الأجداد والآباء في سبيل نهوض الوطن، هو يوم شاهد على التضحيات لأجل هذه الأرض الطاهرة، فلنا العزة بأن نحتفل بهذا اليوم العظيم، وأن نرفع رايته بكل فخر وانتماء. ولنجعل يوم الاستقلال فرصة لإعادة شحن الهمة للنهوض بالوطن، وفرصة للتحفيز على العمل والبناء والنهوض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى