الاولى

ليالي المدينة : جداريات الضوء  أوشــــــحة الروح  

عبدالسلام الفقهي / تصوير مخلص العجيلي

تلتحفُ المدينةُ القديمة مع اطلالة شهر رمضان بالكثير من أوشحة الرَّوح والفرح أضواء الأزقة يغازلها ازدحام الناس )شيوخ، نساء، أطفال(، وهي جزءٌ من حكاية قديمة رسمتها جداريات الزمن، وخيال من جاوروا مآذنها، وعايشوا ذاكرتها .

جزءٌ من قاموس الأضواء بالمدينة تقدمه فضاءاتها الثقافية بين الأدب والفن والمسرح والموسيقى، حيث استقبل «حوش محمود بي» في أُولى أمسيات رمضان العام  حوارية أدبية بعنوان )شخصيات ثقافية من طرابلس( بـمشاركة الـكتَّاب  :

)عبدالمطلب أبو سالم، بدر الدين الورفلي(، وإدارة الباحث مصطفى حقية.

وأشار الباحث والكاتب عبد المطلب أبوسالم أن مدينة طرابلس لم تكن في عُزلة عن العالم سواء في القرن الثامن عشر عندما تبلورتْ ملامح الدولة الوطنية بصعود أحمد باشا القره مانللي لسدة الحكم 1711  ومن المشاهد الثقافية التي يمكن الوقوف عندها بالخصوص ما ذكرته إحدى الصحف الإنجليزية أثناء زيارة الحاج صالح آغا كمبعوث من أحمد باشا القره مانللي إلى ملك بريطانيا جورج الأول ومشاهدته، والوفد المرافق له لمسرحية عن الغزو الأسباني للمكسيك .

المسرحة كانت تتحدث عن تنكيل الأسبان بإمبراطورية «الازتيك» وإمبراطورهم، ووصفت الصحيفة كيف تعاطف الطرابلسيون مع «الازتيك» نتيجة كرههم للإسبان، وكيف ابرزت هذه المسرحية الاستعمار الذي كان ينمو  بين أوروبا والقارات الجديدة، ما يعطي انطباعًا أن هناك من يعرف ماذا يحدث في العالم، واللافت أن هذه الزيارات تكرَّرتْ إلى عدة دول أوروبية واطلعوا على ما يحدث فيها من حركة ثقافية، وفكرية، خصوصًا والصحف كانت منتشرة آنذاك علاوة على المسرح .

هذا المدخل يقودنا إلى أنه كان يوجد إلمامٌ ثقافي وفكري، كما أن هذه الشخصية وهي الحاج )صالح آغا( لم يحظَ بالتقصي والبحث.

وأضاف أبو سالم : لا ننسى الإشارة إلى شخصية أخرى غزيرة النتاج والمعرفة، وهو علي عبدالصادق العبادي الذي ترجع أصوله إلى الجنوب الليبي  حيث هاجرتْ أسرته إلى طرابلس وتعلم في الكتاتيب وتجدر الإشارة إلى معاصرته لأحمد باشا القره مانللي، وذكره الكاتب علي مصطفى المصراتي في مؤلفه )أعلام طرابلس( له عدة كتب منها كتاب نادر عن الطب اسمه )الأعلام( .

وعن محل اقامته ذكر أبوسالم أن العبادي كانت له زاوية بساحل الأحامد شرق مدينة طرابلس، وقد دمرت نتيجة السيول أو ما شابه، وطلب الاستعانة بأحمد باشا القره مانللي لترميم هذه الزاوية.

يلحق الباحث إلى ما ذكر شخصية الشاعر محمد ابن العربي الذي درس في الأزهر ورجع إلى طرابلس 1717 تجدر الإشارة إلى أن شخصيته لم تنل القبول الكافي من الذيوع والانتشار ولكن عندما علم به السلطان أحمد باشا قام بتعيينه مدرسًا في جامع شايب العين، وخصَّص له بيتًا وأصبحتْ له وظيفة، ومرتب، وأصبح لديه نتاج فكري، ومعرفي ولا ننسى الإشارة إلى أنه كان معاصرًا لابن غلبون الجد .

ويواصل أبو سالم سياق الحديث بذكر ابن غلبون الحفيد الذي ألف العديد من الكتب لكنه لم يصل إلى شهرة جده، ومن هذه الكتب «منازل الفردوس في علم الفلك» 1784، وتجدر الإشارة إلى معاصرته لمصطفى الكاتب .

هذه الشخصيات كما يصفها المحاضر كانت معنية بنتاج الثقافة وتأليف الكتب، على الرغم من عدم وجود مطابع، إلا أن عملية النسخ كانت رائجة ومعتمدة بالخصوص كما عوامل مساعدة ساعدتْ في الدفع بعملية تبني الكتب وانتشارها مثل شخصية مصطفى الكاتب رئيس ديوان الانشاء في مملكة القره مانللية كما وصف نفسه حيث أسس مكتبة له بـ«زنقة الريح» بجانب مسجده في 1771 تضم من 300 إلى 500 كتاب وهو رقم لافت مقارنة بظرفية الزمن .

يصل المحاضر للحديث عن شخصية عبد الرحمن آغا البديري، وهو من أبرز الشخصيات التي كتبت عنها أوروبا في القرن الثامن عشر بلا منازع، حتى أنه في لندن صدر كتابٌ يتناول حياته الخاصة، كما أنه عندما زار العاصمة السويدية ستوكهولم حرص على أن يزور في 1772 الاكاديمية السويدية للعلوم وحرص على مقابلة أحد علمائها. هذه المؤشرات تعطي انطباعًا باحتفاء بيئة ذلك الزمن بالثقافة والمعرفة .

ومن جانبه تناول الكاتب بدر الدين الورفلي كتاب «تاريخ طرابلس الغرب» لأحمد ضياء الدين المنتصر, مشيرًا إلى أننا نستطيع من خلاله تبين أسلوب وثقافة الكاتب، وقد اشتهر من موقفه اتجاه الاحتلال الايطالي، وهو  ينتمي إلى أسرة من الأعيان بما بدأت شهرتها مع منتصف القرن التاسع عشر .

وأوضح أنه قرأ في الوثائق الايطالية المحفوظة بمركز الدراسات التاريخية ما تضمنته من سيرة أحمد المنتصر ففي أحد المجلدات رسائل أو لوائح مترجمة عن الايطالية، تقدم بها أحمد ضياء الدين المنتصر للحكومة الايطالية موزعة بين ما هو شخصي وسياسي، منوهًا أن ما لفت انتباهه وجود نص عربي يمثل فتحًا في معرفته من حيث فهم شخصيته وادراك وجهة نظره في كثير من القضايا ثم قاده هذا النص إلى نص آخر يبحر في الكثير من تفاصيل المنتصر عدا تركيزه على مسألة الهوية وكيف كان الليبيون ينظرون إلى أنفسهم في أبعاده الدينية والقومية وحتى القبلية، وهي مذكرة مليئة بالغضب والشعور بالذاتية وبشكل عام تحدث بدر الدين عن مسألة الوضوح والشفافية في مواقف المنتصر مع الحكومة الإيطالية وشرح خلفيات هذا المسلك .

في امسيات المدينة حضر الجميع الشواهد..التاريخ ..الشعر ..الادب ..وغزة ايضاً لم تغيب

شعر ومالوف 

ومن التاريخ إلى الشعر حيث أقيم بمسرح المعهد العالي لتقنيات الفنون أمسية شعرية أدارها الفنان بشير الغريب واحياها الشعراء )جميل حماة عبد الحكيم كشاد، أسامة الناجح  الفنانة سعاد الشويهدي، د. محمد الشريف(، كما كان للكاتب ابراهيم الككلي مشاركة في جانب القصة . 

ما يحدث في غزة لم يكن بعيدًا عن أجواء الأمسية حيث القى الشاعر جميل حمادة مجموعة من قصائد تنتقد الصمت العربي، وتلتحم مع روح الصمود والمواجهة قائلاً: وهو يلوح بيده )من رآنا ع المائي نمشي/ سنمشي ع النار(، فيما اختار الشاعر عبدالحكيم كشاد توصيف المشهد الغزاوي في احتضان أم لأبنها الشهيد وهي تصرخ )آه يا ولدي ..بين موتك أحيا .. وأحيا يا ألمي(. وتنوعت باقي القصائد بين الجانب الوطني والعاطفي، اضافة لهمسات الككلي القصيرة التي وظفها في مشاكسة خيبات آلامنا الوجدانية .

فن المألوف اأيضا سجل حضوره في معهد جمال الدين الميلادي بمشاركة  فرق )السرايا، تاجوراء، أنوار تاجوراء  طرابلس، حسن عريبي للمالوف والموسيقى( حيث تلتقي روح موسيقى الاندلس مع نفائس الخدر الصوفي وقصائد تهاتف صوت الحبيب .

وبالعودة إلى حوش محمود بي  حيث القى الكاتب والمحامي مفتاح قناو محاضرة عن الملكية الفكرية وحقوق المؤلف تناول فيها المسؤولية الشخصية للكاتب وواجب الدولة في الحفاظ على الموروث الإبداعي حتى لا يصبح عرضة للسرقة والسطو، كما شدَّد قناو على ضرورة تأسيس مركز وطني لحماية حقوق المؤلف على غرار ما فعلته الجزائر بالخصوص حيث عملت على تأسيس الديوان الوطني لحقوق المؤلف . 

إلى جانب ذلك كان للكاتب عبدالسلام الغرياني محاضرة بعنوان )روائيون عالميون من ليبيا( ولا ننسى الشعر المحكي الذي احيا أمسيته الشعراء )محمد الدنقلي، وسالم العالم والصيد الرقيعي، وعبدالمنعم الفليليح(.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى