ثقافة

في زمن الرواية….. هل انتهى عصر الشعر ؟

نجاح مصدق

عندما نتحدث عن الحجر شعرا فإننا نحرره من تحجره ..هذه الحقيقة التي اكدها الروائي البرتغالي الفونسو كروش  في روايته الساخره  ..هيا نشتري شاعرا.. حيث الشعراء يباعون في المتاحف .. والتي جسد فيها عمق الترابط والحركة بين الشعر والرواية فقد عالج فيها الشاعر  طغيان العالم المادي وتغلب على كل المشاكل عاطفية كانت او مادية بالشعرالذي يصل افقه الى ابعد من العلم.. فهل اليوم ونحن نعيش حضور الرواية المتفرد  التي تقول كل شيء وتجمع الاجناس المختلفة في داخلها  ويتسع زمنها وتتشعب شخصياتها وتذكر الوجود الانساني  لابعد نقطة يصح ان نقول: انتهى زمن الشعر؟ ام ابتلعته الرواية ؟ 

مابين الوعي والذاكرة وعلاقة الذات بالموضوع

 هل الرواية ديوان العرب المحدثين وملحمتهم ؟

وهل استثمرت الرواية  كل ما ادخره الشعر والقصة القصيرة لصالحها في  قالبها التشويقي والحكائي ؟

ثم هل يمكن ان يكون للزمن الذي  اتصف بالربحية  دورا  في الاحتفاء بالرواية دون سواها مع وجود الجوائز والتسابق للنشر والترويج لها؟

وهل توظيف التاريخ سببا ؟

ام ان الشعروقف خجولا  ينتظر لحظة العودة او اللاعودة .

حول هذه التساؤلات عن زمن الشعر وزمن الرواية رصدنا اراء كتاب ونقاد وشعراء ذهبوا بنا لعمق الفكرة وسبروا غورها فقالوا:

 الشاعر رامز النويصري :

علي الاعتراف، أني كنت ممن عارضوا مقولة (الرواية ديوان العرب)! لكن الوقائع أثبتت العكس، وأن الرواية هي أكثر من ديوان، إنما سجل للتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية، ليس لأن الرواية جنس أدبي خارق أو متميز، إنما لقدرتها على احتواء التغيرات والأحداث التاريخية، مع الحفاظ على السمات الفنية لهذا الجنس الأدبي، إلى حد كبير، في ما قبل ما حدث للشعر من تغيرات على مستوى الشكل والمضمون، وكذلك القصة القصيرة إلى حدٍ ما! لكن يظل لكل جنس أدبي أثره وذائقته وإمكاناته على رصد ونقل المشاعر الإنسانية. 

إنه زمن الرواية، لأنها استطاعت أن تعبر عن الإنسان، وأن يجد فيها ما يريد من فائدة ومتعة، واستطاعت أن تجيب عن الكثير من الأسئلة وأن يجد فيها الكثير من أحلامه، بل إن الرواية استطاعت أن توجد عوالم كان يظن الكثير إنها عوالم خيالية

وإن كانت القصة القصيرة، كنص إبداعي ارتبط بالحدث أو اللحظة، والشعر ارتبط بالذات، وانغلاق النص على ذات الشاعر، فإن الرواية انحازت للمجتمع، فتكلمت بلسانه.

اما الكاتب والناقد يونس الفنادي فيقول:

في المجتمعات المتحضرة المؤمنة بقيمة كل الفنون والأجناس الأدبية مجتمعة ودورها التنويري  تستمر كل الأنماط الإبداعية تؤدي وظائفها بالتوزاي بل والتداخل أحيانا بشكل تكاملي يخدم مضمون الرسالة الهادفة للإبداع

فهل انتهى دور المسرح بعد السينما في الدول المتقدمة؟ وهل انتهى دور السينما بعد ظهور تقنية الفيديو؟ الإجابة بالطبع لا، بل ظلت تلك الأجناس البصرية تسهم في تنوير المجتمع وتأدية دورها بكل فاعلية. وكذلك الشعر لازال في زمن الرواية ينير دروب المحبة طالما هناك حرف ينقش بألم، أنا أؤمن بالمقولة الاجتماعية التي تقول (التغيير هو الثابت الوحيد) فلا داعي للقلق لأن كل شيء يتغير ويتطور ولكنه يستمرفي الحياة.

فيما يخص الزمن فلكلِّ زمن مساراته وظروفه، وربما لأننا ماضويون فبداخلنا  حنين إلى كل موروث وتقليدي فالورقيون مثلاً يرون أن التطور الالكتروني إفسادٌ لما تعودوا عليه  بينما هو تطور إنساني تكنولوجي  ويستحث الجميع على مواكبته وإلاّ صاروا متخلفين زمنياً وفكرياً عنه.

أما الربحية في الأدب عامةً والرواية على وجه الخصوص فربما أتفق معك في هذه الجزئية رغم ضبابيتها، لأن المقابل المالي مطلوب نظير الإبداع الفكري، بل ويصبح حاجة لاستمرارية حياة المبدع نفسه ولمواصلة إبداعه

وأتفق معك تماماً بأن الجوائز أفسدت الأدب بشكل كبير وعملت على تسطيحه وتسييسه أحياناً و تسلط الضوءعلى ذاك وتبتعد عن غيره، وفقاً لولاءات إيديولوجية أو سياسية معينة، وهذا أمر مؤسف طبعاً ينحدر بالإبداع الحقيقي إلى مستويات هابطة، وكما يقول الروائي إبراهيم الكوني فإن الجوائز هي أحد الأسباب التي أدت إلى إفساد الرواية العربية.

أما  عن توظيف التاريخ في السرد الروائي فأراه مطلوباً كنوع من الوظيفية الوطنية للأدب والرواية تحديداً، فلا بأس من استحضار التاريخ وأحداثه في النص الروائي ولكن ليس بشكل نمطي تقريري مباشر  خال من التخيل والصناعة الدرامية 

ومن حيث  تأثر أجناس الشعر والقصة والمسرح بالرواية فيبدو لي أن الرواية قد أفادت الأجناس الأدبية كافةً  وهي بذلك تعمل على توسيع دائرة نشرها وإشهارها والتحفيز لتطويرها 

أخيراً سيظل الشعر هو الشعر، نعود إليه حتى وإن تركناه لبرهة من الزمن،فضاءً يقتنص لحظات بهيجة في عمر الشاعر يزرعها في نفوس أخرى عديدة ..

ويضيف احمد يوسف عقيلة. كاتب وباحث:

الأحداث التي يعيشها المجتمع، والتغيرات التي يمر بها، رصداً واستكشافاً وتنبؤاًتت تعد سببا ولا ننسى أن الرواية استطاعت أن توقع بعض الفنون في غرامها، وبشكل خاص السينما.

الاتكاء على التاريخ في الكتابة الروائية هو محاولة من الروائي لإعادة استكشاف ما حدث، وقراءته من جديد، قراءة مغايرة في ضوء ما يحدث من تغيرات حديثة، وهذا لا يعني إن البعض قد يتخذ من التاريخ كمادة للترويج للرواية بنية التربح، وهو ما نجده فيما يخص موجة التوجه لكتابة الرواية، من أجل الظهور والكسب، خاصة لدى  الكثير من التجارب الشابة.

لا يمكن لجنس أدبي أن يلغي جنساً أدبياً آخر، إنما لكل جنس أدبي نصيب من المتابعة، فكما كان الشعر هو سيد القول لزمن طويل، فإن الدور الآن للرواية

انحسر الشعر.. خاصة الشعر العمودي.. أقصد هنا الشعر الفصيح.. وقل متتبعوه.. وتغيرت الذائقة.. ولا أحد يستطيع إجبار الناس على الاستماع أو قراءة شيء لا يرغبون فيه.. وبدأت الرواية تزيح الشعر.. وهذا بتأثير الرواية الأجنبية المترجمة أولاً.. ثم ظهر كُتّاب الرواية العرب.. فكانت الرواية أقرب إلى الوجدان وأكثر متعة.. فالذائقة تميل إلى السرد.. وهذا من قديم الزمان.. ولعل هذا ما جعل ألف ليلة وليلة تحتل كل هذه المكانة حتى في أوج حضور الشعر.

اما عادل بشير الصاري.استاذ جامعي وناقد :

أولا: نعم هناك ردة عن الشعر ْ، وهناك إحباط عام لدى الشعراء وهم يرون أن أقدم فن أدبي ينحسر وينزوي في حيز صغير من صحيفة او في قاعة لا يحضرها إلا عدد قليل من متذوقي الشعر.ثانيا : لا أمل في عودة عصر الشعر من جديد ولا أمل كذلك في في بقاء الرواية في الصدارةأكثر فنون الكتابة الأدبية حظا وقبولا الآن هو أدب الومضة سواء منا الومضة الشعرية أو السردية.

ثالثا: اكثر أنماط الشعر المرشحة للانتشار هو الومضة الشعرية.

وحول معالجة المناطق المظلمة والمساحات البيضاء للرواية والشعر يقول 

مامون الزايدي: شاعر وباحث  :

شهد العالم الأدبي في السنوات الأخيرة، ‏تحولًا في التركيز بعيدًا عن الشعر وتوجهاً نحو الرواية. من خلال زيادة عدد الروائيين المنشور لهم كل عام وانخفاض عدد الشعراء. وفي حين أن هناك العديد من الأسباب لهذا الاتجاه، أحدها هو أن القراء بالتأكيد يجدون المزيد من الرضا والمتعة عند قراءة الروايات أكثر مما يجدونها عند قراءة الشعر. 

فالروايات تزود القراء بتجارب غامرةشاملة تسمح لهم بالهروب إلى عالم آخر بينما  من ناحية أخرى، غالبًا ما يتطلب الشعر نهجًا تحليليًا أكثر لفهم معناه.

تأخذ الرواية القارئ من خلال قصة كاملة ذات شخصيات وأماكن وازمنة متعددة. يتيح ذلك للقراء الانغماس التام في السرد 

السبب الآخر هو طبيعة الرواية المترابطة. فغالبًا ما تعرض الروايات شخصيات تواجه صراعات مماثلة لتلك التي يواجهها الأشخاص في واقعهم اليومي؛ هذا يخلق حالة تواصل مع القراء عاطفياً وفكرياً إضافة الى أن معظم الروايات تحتوي على حبكات معقدة.في المقابل، يمكن أن تتطلب القصائد جهدًا أكبر بكثير من القراء حتى يفهموا معانيها الأعمق ، إن قصر الشعر يعني أنه سيتعين على القراء الاستفادة أكثر من خيالهم لملء أي فراغات مفقودة في الكتابة نفسها. هذا الخيال الذي يتلاشى أمام ثورة الاتصالات وما يستتبعه من نبرة عالية في الخطاب السمعي البصري.

كما وأن الروايات أطول بكثير من القصائد ما يسمح بتطور أقواس سردية أكبر وتنمية الشخصيات عكس قراءة قصيدة حيث لا يوجد محتوى «كافٍ» لمثل هذا الاستكشاف التفصيلي في حياة بطل الرواية. كما تُكتب العديد من الروايات بأنواع متعددة (رواية تاريخية، رواية اجتماعية. ..الخ) مما يضيف المزيد من التنوع والإثارة للقراء الذين يتطلعون إلى استكشاف مواضيع مختلفة من خلال الكتب بدلاً من نوع واحد فقط مثل معظم الشعراء الذين اما يكتبون شعرا «كلاسيكيا» او يحاولون كتابة قصيدة «حديثة» منهوبة من المستقبل ..قصيدة غريبة مرتعبة ..تتمنى أن يمر كل نهار تعيشه وصاحبها او صاحبتها على خير.

  هناك شيئًا «مميزًا «في السرد القصصي الطويل الموجود في الروايات 

 تولّد عن هذا الاهتمام من قبل القارئ اهتمام مماثل عند الكتاب والناشرين و «رعاة «الثقافة فانتشرت الجوائز وكثر الترويج لها وهذا شكّل حلقة تغذية استرجاعية جعلت الرواية متوفرة ومتاحة امام القارئ أكثر من ديوان الشعر.

 التغيرات المزلزلة التي تتعرض لها المنطقة عقب سنوات من التحلل والنخر البطيء في التعليم والاقتصاد وغيره انتجت قراء أقل حصانة امام المد الإعلامي التجاري للرأسمالية المتأخرة.وهذا راجع للسياق التاريخي والاجتماعي الذي نعيشه وهو حصاد للخطط الخمسية الهرائية الفاشلة التي كانت سائدة في زمن الدولة القومية. زمن القائد والزعيمالبطل الفذ الذي نتتبع ملامحه الباهتة في سميّه نظير البطل عبر سطور الرواية.

وفي هذا المنحى لاهمية النشرودوره اتفق ايضا الشاعر محمد عبدالله وانتصار بوراي

فقد ذهب محمد عبد الله/شاعر :

انه لا يمكن القول بأن دور الشعر قد انحسر تماماً، فالشعر لا يزال يحظى بشعبية واسعة في بعض الثقافات والمجتمعات، وهناك الكثير من القراء والمثقفين الذين يقدرون الشعر ويتابعون اصدارات الشعراء. ومع ذلك، فإنه يمكن القول بأن الرواية قد أصبحت أكثر شيوعاً وشعبية في الأوساط الثقافية والأدبية في العصر الحالي، وقد يكون هذا بسبب قدرتها على إيصال رسائل أكثر تفصيلاً وإحاطة بشخصيات وأحداث متعددة.

ومع ذلك، فإنه لا يجب الاعتقاد بأن الشعر غير قادر على المنافسة مع الرواية  فالشعر يمكنه إيصال الأفكار والمشاعر بشكل مختلف وأكثر تعمقاً وتعبيراً عن الإحساس الشخصي والتجربة الفردية، وهو لا يزال يلهم الكثير من الناس ويترك أثراً عميقاً في حياتهم.

ايضا  الواقع يختلف من مكان لآخر ويعتمد على الثقافة والمجتمع المحيط. في بعض الأحيان، توجد مؤسسات ودور نشر تشجع على طباع الدواوين الشعرية وتروج لها، في حين يمكن أن تكون هناك مؤسسات ودور نشر تركز بشكل أكبر على النشر الروائي.

وعن الحلول اضاف.. أنه في العصر الحديث، يمكن للشعراء أيضاً التوسع في مجالات النشر والتواجد على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وهذا يمكن أن يساعد على تعزيز مكانة الشعروالتكيف مع التحولات الثقافية والاجتماعية الحديثة 

في حين اضافت انتصار  بوراوي /كاتبة:

هناك انحسار واضح فى قراءة ومتابعة ونشر الدوواين الشعرية على حساب انتشار ونشر الرواية فمنذ موت أجيال الشعراء النجوم الكبار الذين كان يحرص القارىء العربى على متابعة نتاجهم الشعرى   لم يعد القارىء العربى يهتم بمتابعة  دوواين شعرية للأجيال التالية  بعدهم وذلك لايعنى أن الموجودين فى الساحة الشعرية العربية حاليا اقل قيمة بالعكس تماما فمنذ بروز شعراء وشاعرات قصيدة النثر من جيل الثمانينيات وحتى الألفية الجديدة هناك شعراء وشاعرات لديهم  تجارب شعرية كبيرة في كل البلاد العربية ولكن جمهور الشعر لم يعد يقبل على متابعة نتاج الشعراء و على شراء الدوواين الشعرية وأصبح  يقبل على قراءة الرواية أكثر من قراءة الدواوين.

وأكيد أن للجوائز الأدبية التى ترصد  مبالغ ضخمة  دور فى الترويج للرواية على حساب الشعر فالجائزة الأدبية لها بريقها المادى والمعنوى الذى يجعل الفائز بها يحصل على مبلغ مالى ضخم و يخرج إلى دائرة الضوء والشهرة وتترجم روايته إلى لغات أخرى  

وكذلك فأن إحجام كثير من دور النشر العربية عن نشر الدوواين الشعرية تحت تبرير عدم وجود سوق وبيع للدوايين الشعرية مقارنة بالرواية ساهم أيضا  فى انحسار الاهتمام بالشعر.

الحقيقة أن الحل يكمن فى قيام وزارات الثقافة العربية بدورها فى دعم نشر الدوواين الشعرية والاهتمام بالشعراء ووضع قصيدة النثر العربية ضمن المناهج الدراسية

وطالما ليس هناك اهتمام من وزارت التعليم والثقافة بالدور الكبير للشعر  فسيبقى الحال على ماهو عليه من انحسار فى الإقبال على متابعة النتاج الشعرى واللهاث وراء  قراءة الرواية التى تجد لها ترويجا كبيرا فى معارض الكتب وبين دور النشر وفى مسابقات الجوائز المحلية والدولية على حساب الشعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى