الاولىالرئيسيةتحقيقاتليبيامتابعات

قصة عهود مختلفة، متى يتم دعم جهاز المدينة القديمة؟

 

تزخر مدينة طرابلس القديمة بالعديد من الآثار المعمارية والتاريخية والفنية التي تحكي قصة عهود مختلفة مرت بها المدينة القديمة منذ عهد الفينيقيين في الألف الأولى قبل الميلاد أعقبهم حكم القرطاجيين في القرن السادس قبل الميلاد حيث عرفت في هذه الفترة بمدينة أويا ثم خضعت للنوميديون ثم بدأ النفوذ الروماني يتغلغل في منطقة المدن الثلاث منذ سنة 106 قبل الميلاد

أعداد : يوسف الخوجة فرج الرعاش

تزخر مدينة طرابلس القديمة بالعديد من الآثار المعمارية والتاريخية والفنية التي تحكي قصة عهود مختلفة مرت بها المدينة القديمة منذ عهد الفينيقيين في الألف الأولى قبل الميلاد أعقبهم حكم القرطاجيين في القرن السادس قبل الميلاد حيث عرفت في هذه الفترة بمدينة أويا ثم خضعت للنوميديون ثم بدأ النفوذ الروماني يتغلغل في منطقة المدن الثلاث منذ سنة 106 قبل الميلاد وعرفت في هذه الفترة بأفريقيا من احتلالها سنة 455م واستمروا في حكمها حتى سنة 534م عندما احتلها البيزنطيون حتى سنة 643م حيث تم فتحها من قبل العرب المسلمون بقيادة عمر بن العاص ومنذ ذلك الوقت أطلق عليها اسم طرابلس ليمتد الحكم العربي الإسلامي عبر عصوره المختلفة حتى سنة 1510م عندما استولى الأسبان على المدينة ثم سلموها إلى فرسان القديس يوحنا القادمين إليها من مالطا سنة 1530م حتى فتحها العثمانيون سنة 1551م وامتد حكمهم على مرحلتين , انتهت الأولى بتولي الأسرة القرمانلية حكم طرابلس عام 1711م حتى عام 1835م ليعيدها العثمانيون إلى حكمهم حتى سنة 1911م عندما تعرضت البلاد للاحتلال الإيطالي حتى سنة 1943م وبعدها احتلت قوات الحلفاء ليبيا وأصبحت تحت حكم الإدارة البريطانية حتى سنة 1951م عندما نالت ليبيا استقلالها وأقامت المملكة الليبية المتحدة حتى عام 1969م عندما تعرض حكم الملك للظلم عسكري واستولى الجيش على السلطة في ليبيا حتى ثار الشعب الليبي على الظلم والطغيان وتحققت الحرية والتحرير في ثورة عرفت على الصعيد العالمي بثورة 17 فبراير 2011م

وبالنظر إلى هذه الأهمية التاريخية لمدينة طرابلس القديمة وما تحمله من زخم معماري وفني يوثق للحضارات التي توالت ونتيجة للتطور العمراني المذهل خارج أسوار المدينة العتيقة تعرضت المدينة القديمة للإهمال نتيجة هجرة سكانها الأصليين ووفود الهجرات القادمة للعمل بالمدينة بعد ظهور النفط, حيث لم يستوعب حجم المدينة هذا العدد الهائل من المهاجرين, كما لم تستوعب ثقافة هؤلاء المهاجرين قيمتها التاريخية إضافة إلى قلة مواردهم الإقتصادية, واعتبارهم إياها منطقة استقرار مؤقت فلم يهتموا بالترميم والصيانة وزاد الأمر سوءا إهمال السلطات البلدية لها واعتبارها من المناطق المتخلفة عمرانياً وغضوا النظر عما تمثله من قيمة تاريخية وحضارية للشعب الليبي وإعادة إحيائها وترميم معالمها التاريخية.

وقد تنادت أصوات في ستينيات القرن الماضي للميلاد من الحريصين والمهتمين بالتراث المعماري لمدينة طرابلس القديمة بضرورة اهتمام السلطات البلدية بصيانة وترميم هذه المدينة العتيقة التي تميزت بالحضور والتواصل التاريخي فتم تكوين لجنة لحماية المدينة القديمة سنة 1965م من ضمنها الأستاذ بهجت القرمانلي من الآثار ومسعود الزنتوتي من الأوقاف ومحمد قنابة من أعيان البلد وآخرون وسميت باللجنة الدائمة للمحافظة على المدينة القديمة ولم تحدد جهة بعينها الإشراف على هذه اللجنة وكانت مهمة هذه اللجنة حصر المعالم التاريخية وإعداد الخرائط والرسومات ولم تستكمل عملها لقلة الموارد المالية, ثم تبع ذلك عدة لجان كانت جميعها استشارية ولم تستمر هذه اللجان طويلاً باعتبارها محاولات واجتهادات فردية من أشخاص غيورين على تراثنا المعماري إلى أن تم إنشاء جهاز فني لتنظيم وإدارة المدينة القديمة بقرار رقم 58 سنة 1983م يتبع إدارة المرافق ببلدية طرابلس إلا أنه فشل في تحقيق الطموحات باعتبار أن المدينة القديمة كانت مصنفة من المناطق المتخلفة عمرانياً ولم تصنف كمدينة تاريخية يجب حمايتها والحفاظ على معالمها التاريخية والمعمارية حيث قام هذا الجهاز بناء على دراسة قدمتها شركة أجنبية لإحياء المدينة القديمة من خلال وضع تصور لتوسعة شارعين رئيسيين يبدأ الشارع الأول من زنقة الفرنسيس إلى الأربع عرصات إلى جامع الدروج إلى قوس الصرارعي حتى باب الحرية, ويبدأ الشارع الثاني من زنقة الريح إلى سوق الحرارة إلى تقاطع سيدي الحطاب مع كوشة الصفار إلى حومة غريان حتى باب الجديد, وقد بدأ في تنفيذ هذا التصور من باب الجديد وبالتحديد المباني المطلة على سيدي عمران وقد كنت شاهداً على ذلك ولولا تدخل الدكتور عبد الله شيبوب مدير مصلحة الآثار في تلك الفترة وإيقاف أعمال الإزالة لما تبقى من المدينة القديمة شيئا وكأن الأمر مدبر من جهات معينة للقضاء على المدينة القديمة.

وبعد ذلك وضع تصور للمدينة القديمة من شعبة الثقافة بين عامي 83-85م لإنشاء هيكل جديد للمدينة القديمة يقوم بالصيانة الفعلية للمدينة القديمة دون تخصيص مبالغ لتنفيذ ذلك والإعتماد على مواردها الذاتية من إيجارات للعقارات الواقعة داخل نطاق المدينة القديمة ومنح تراخيص مزاولة الانشطة وابرام عقود الانتفاع وغيرها من الامور الادارية الاخري .

ففي عام 1985م صدر قرار رقم 40 بإنشاء مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس كهيئة علمية ثقافية متخصصة قائم بذاته يعني بتطوير وصيانة المدينة القديمة التاريخية يعتمد على موارده الذاتية في انجاز مهامه واختصاصاته الموكلة إليه.

إلا أن الإنجاز كان بسيطاً جداً فاستمر التخبط لعدم وجود ميزانية خاصة به وتداولت عليه الجهات الإشرافية تباعاً تحت شركة الألعاب الترفيهية التابعة للضمان الإجتماعي ثم اللجنة الشعبية العامة «سابقاً» ثم المرافق ثم البلدية ثم السياحة ثم الإعلام والثقافة ثم شعبية طرابلس ثم السياحة طرابلس ثم السياحة العامة مما تطلب من اللجنة الاستشارية لمشروع المدينة القديمة في عام 1994م وضع تصور يدعو إلى وجود جهاز خاص بالمدن التاريخية يكون تبعيته للجنة الشعبية العامة «سابقاً» حتى يكون له مورد مالي وتصبح كافة المدن القديمة تابعة لهذا الجهاز إلا أن القرار صدر بعد اثنى عشر سنة وذلك عام 2006م تحت رقم 125 ويكون تبعيته للسياحة والصناعات التقليدية  فأصبح الكادر الوظيفي لمشروع المدينة القديمة هو المسئول على كافة المدن التاريخية في ليبيا فازداد العبء على العاملين مع عدم توفير الميزانية الخاصة به فأصبح الإنجاز مستحيل.

وفي الآونة الأخيرة سمعنا بأن هناك تصور لدمج الآثار مع السياحة ودمج الجهاز تحت الآثار وذلك في تغييب مقصود للخبرات العاملة في جهاز إدارة المدن التاريخية ويبدو أننا لا نزال نسير بمفهوم تقسيم الكعكة وتفصيل الأجهزة على الأشخاص دون النظر إلى الخبرات والمؤهلات «المتخصصة».

ويمكن القول عبر الرحلة المريرة لمشروع أو جهاز أو مكتب المدينة القديمة فإنه لا يوجد حل في هذه المرحلة لإنقاذ المدينة القديمة سوى التصور التالي :-

ينشأ مشروع للمدينة القديمة طرابلس يتولى وضع وتنفيذ الخطط والبرامج الثقافية والهندسية والفنية الخاصة بترميم وصيانة المدينة القديمة ويكون تبعيته مباشرة للمجلس المحلي طرابلس وتشكل له لجنة تنفيذية مؤهلة علمياً ومتخصصة من خمس أو ست أعضاء وتكون من الكوادر الشابة القادرة على العطاء وتمتلك القدرة والحماس لتنفيذ برامج هذا المشروع همها الأول إنقاذ المدينة القديمة من الضياع, إلى جانب ذلك تشكيل لجنة استشارية متخصصة في كافة مجالات اختصاصات هذا المشروع وتكون خبرتها في هذا المجال لا تقل عن عشرين سنة وقادرة على العطاء الي جانب هذا كله توفير السيولة المالية التي كان يعاني منها الجهاز طيلة السنوات الماضيه .

ان عملية فصل المدينة القديمة بطرابلس عن الجهاز لأنها تعتبر المدينة التاريخية الوحيدة المتكاملة ومستمرة بها الحياة منذ ثلاثة الاف سنة مضت وما زالت محافظة على نسيجها المعماري بالرغم من الإنهيارات التي تحدث بين حين وآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى