رأي

«يكذبون بكل صدق»

 

حافة العشق

الناجي الحربي

بعد مراسم دفني .. تحلقوا حول مواقد كوانين الفحم .. كانوا يعددون مناقب وسيرة حياتي .. يضحكون مرة وتدمع عيونهم مرة أخرى .. أذكر أنه ساعة أن فارقت الحياة البعض الذي يعرفني حق المعرفة لم يكترث بموتي .. والبعض الآخر قال : الموت حق .. والبعض الثالث لم ينبس بكلمة من هول المفاجأة .. وأذكر أيضًا أنه عندما جاءوا بالتابوت الذي يحملني تزاحم المصلون لتقديم العزاء لأبنائي وأخوتي وأقربائي .. سمعت وأنا مسجى في ركن المسجد الخلفي كلمات النفاق التي كانت تتراصف عند طابور المعزيين .. كنت ابتسم بخبث لهم وكنت أعرف أنهم يكذبون بكل صدق.. وينافقون بكل وقار  ..

لم أكن يومًا وطنيًا كما يشيعون عني .. ولم أحبهم كما كانوا يعتقدون .. كنت أضحك عليهم ولهم .. فقد استدرجتهم إلى صندوق الاقتراع حتى وضعوا أصواتهم معي .. كنت أمنيهم بالفردوس .. طرق ومياه و كهرباء ومساكن صحية وتحسين الأوضاع المعيشية لهم .. ولكن بمجرد أن فزت بنتيجة الانتخاب تركتهم في فقرهم وعوزهم .. سافرت لكل دول العالم على نفقة المجتمع .. نعم المجتمع الذي يمثلونه هم .. من نقودهم ومستحقاتهم .. وزرت الأراضي المقدسة مثنى وثلاث ورباع .. وعلى ذكر المثنى والثلاث والرباع تزوجت في السر مثنى وثلاث ورباع .. وشيدت العمارات من مقدرات الشعب الطيب .. وتعلم أولادي في بلاد الفرنجة على حساب المجتمع طبعًا .. كنت أخرج لهم على شاشات التلفزيون من شرم الشيخ وتونس واسطنبول والقاهرة..  أزبد وأرغي وبحماس حتى تتورم أوداجي .. أشعر بعدها أنني بطل وأنني باني مجد الوطن ..

كم كانوا مخدوعين هؤلاء المساكين !! كانوا يظنون أنني قاتلت من أجلهم وتوفتني المنية من أجلهم .. والطامة الكبرى التي زادت من توهمهم أنهم بنوا في أكبر ميادين المدينة نصب تذكاري يذكرهم بي .. هذا غير كلمات التأبين الرنانة التي كانت تلقى في سرادق العزاء طيلة ليال المأتم .. أولادي فقط يعرفون أن والدهم كان لصًا محترفًا ..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى