هذا عصر الإقتصاد..فعلاقة الدولة الرسمية مع المواطن باتت علاقة اقتصادية بحتة أكثر من أي شيء آخر..والأساس هو أسفل الهرم أي تحولت القاعدة الشعبية العريضة فعلا إلى كونها المحرك التنفيذي لتخطيط الحكومة..هذه المقدمة البسيطة كانت ضمن حواري مع شاب مثقف أتابع عمله وإنتاجه منذ شهور على تطبيق الانستجرام..ليقول برزانة وهدوء وهو يرتشف كوب عصير بارد في إحدى مقاهي العاصمة طرابلس المطلة على الميناء..قبل حصولي على الشهادة الثانوية بتقدير عام ممتاز بدأت العمل لمشاركة الأسرة في تحمل أعباء الحياة..وكذلك تدبير مصروف جيبي..وأضاف مبتسما تنقلت في البداية بالإيماء للسيارات حينا وركوب الميكروباص حينا آخر..وقال وهو يريني صورا تذكارية في نقاله..بدأت قبل ثلاث سنوات داخل نطاق أماكن عمل قريبة من السكن والمدرسة..وتيسر لي ذلك بعد تنظيم وقتي وادارته حيث استطعت بقدر كبير ربط الحياة المدرسية بالحياة الإجتماعية..وتمكنت خلال ذلك من بناء علاقات واسعة بحكم طبيعة عملي الفني والتقني..فتراكمت الخبرة الحياتية وصقلت شخصيتي ونضجت وتحملت المسؤولية باكرا..كما اكتسبت مهارة التعامل مع الزبائن..فالأمر شبيه بمسرح عمليات قادني إلى الإلتصاق بالواقع اليومي المعاش..ثم انخرطت مؤخرا في تخصص تقنية المعلومات بالجامعة الذي يتوافق مع مجال اهتماماتي..فسألته عن أصدقائه ومعارفه فقال يوجد طلبة كثيرون يعملون في مختلف فرص العمل..وأضاف أن إحدى الأسباب الرئيسية لإتجاه الشباب الدارسين إلى العمل هو الضروريات التي لم تعد كماليات فكل شاب حلمه الآني العيش في رفاهية كإمتلاك نقال حديث ومركوب وملابس واقتناص فرصة سفر سياحي..ومن ثم الإدخار للمستقبل من سكن وزواج وأبناء..وتطرق بالتفصيل إلى كيف أن عمل الطلاب أبعدهم عن الإنحراف ويعد جزءا هاما في سعي كل دولة للتقليل من مشكلة البطالة..وبينما كنا نغادر المكان قال لي وهو يضغط على زر فتح السيارة أن الفئة العمرية أثناء مرحلة البلوغ والمراهقة وحدها مفعمة بالنشاط ومليئة بالطاقة وصفحة بيضاء ينتج الكتابة عليها ماهية شخصية الشاب وما هو سلوكه الى آخر عمره..لذا من المفيد استثمار قدرات الشباب وتجسيد رغباتهم وهواياتهم بالمحاكاة العملية باعتبارها تدريبا على المهام المستقبلية..وختمت بدوري قائلا وأنا اصافحه واربت على كتفه..أجيال اليوم الشابة تحتاج إلى المبادرة لأن التكنولوجيا قد تستبدل العنصر البشري بالآلي في قادم المستقبل وهذا ما بدأت عدد قليل من الدول في تفادي حدوثه لما له من آثار اجتماعية وخيمة يتم تجنبها بتطبيق شعار الدراسة في يد والعمل في أخرى..وخاصة أن العالم مقبل على أزمات اقتصادية خانقة..بعدها فكرت للحظة بينما الإنارة الخلفية لسيارته تبتعد..الدولة الناجحة لا تضع عربة القطاع العام أمام حصان القطاع الخاص..
