خلال فترة الثمانينيات، والتسعينيات من القرن الماضي أصبحتْ الحلاقةُ «صفر» موضةً بين الشباب، خاصة أولئك أصحاب الوشم، والعضلات المفتولة ..
فبالرغم من أنها كانت مقزَّزة، وغير مرغوبة إلا أن هؤلاء الفتوة فرضوها على كل من أراد أن يكون رجل الشارع، وضمن قائمة المردف ..الحكايةُ بدأتْ عندما أصبحتْ هذه الحلاقة دليلًا ملموسًا على خروج المعنى من السجن، وأنه من أصحاب السوابق الذي يجب الحذر منه، ومنحه صلاحيات السيطرة، والنفوذ دون أي نقاش .«حلاقة الصفر» لها ثقافة تربوية أيضًا في الانضباط العسكري، والعقوبات العسكرية .. فهي بمثابة ضبط السلوك للجنود المنضوين حديثًا، وأيضًا للمخالفين، والمهملين لواجباتهم العسكرية .هذا ما كان في الفترة المذكورة .. أما الآن فقد عادتْ هذه الحلاقة من جديد في عصر لم نعد مدركين فيه لأي مشهد للموضة لأن الصراع أصبح مشتتًا بين أولئك الذين يرسمون ملامحها في وجوه، وشعر وأجساد الشباب التائه أصلاً ..
إلا أن حقيقة الواقع تفرض علينا سيطرة «السوشيل ميديا»، والاتصال على كل صغيرة، وكبيرة في حياتنا وفي محتوانا بشكل عام .في الفترة الماضية تمت معاقبة الخارجين للذوق العام، والمتجاوزين للخطوط الحمراء في محتواهم عبر مواقع «التيك توك» بالحلاقة صفر، ومن ثم تصويرهم ونشرهم كبورتريه في مواقع التواصل الاجتماعي ..لم يكن هناك أي صيغة لأسباب خروجهم من الحجز إلا صورهم، وهم دون شعر رأس .. وكأن الموضوع في أساسه قد انتهى بانتهاء هذا الشعر ..لم يشعر المتابعون ولا رواد ومتابعو الجودة بأنّ ثمة قيمًا، أو مشاعر قد اهينتْ مثلًا، أو آنّ هناك تشويهًا للثقافات تمت معالجته بالحلاقة صفر.ثم ماذا لو أصبح نصف شباب ليبيا حليقي الرأس مثلًا، ومن ثم عادت هذه الموضة كونها انخراط في صفوف المشاهير، من رواد «التيك التوك» فارغي المحتوى أصلًا؟ .. لماذا نضبط سلوكياتنا بضوابط هشة تمنح الآخرين إيحاءات بتخلفنا حتى في عقوباتنا ..التطور الرهيب في شبكات التواصل، والمفروضة علينا كوننا جزءًا من هذا العالم يفرض علينا أيضاً إيجاد سُبل حديثة لمواجهة الانحرافات التي تسببها استعمالات هذه التقنيات ..كما تفرض علينا أيضاً أن نخصص جزءًا من الفكر والعمل لاستثمار فوائده، وإعادة تدوير إفرازاته حتى لا نكون في يوم من الأيام مجرد نفايات، أو ركام لسلبيات هذا الغول الذي يخيف كل بيت، وأسرة .. وأن نرتقي بمواجهتنا له أكثر من كونه مجرد حلاقة شعر .. وتنتهي الأمور .. متى نتمكن من تشخيص حالاتنا حتى يكون علاجنا فعالًا..
كونوا بخير