
كثيرة هي المشكلات التي تعتري حياة الزوجين التي تهدّد حياتهما ومستقبل أسرتهما، ولذلك فقد ذكرنا في عدد سابق بعضًا من تلك المشكلات دون الخوض في التفاصيل؛ ورأينا أن نخص كل عدد بإحدى تلك المشكلات حتى يتسنى طرحها بشيء من التفصيل.. إنّ أكثر المشكلات شيوعًا مشكلة تدخل الأهل في خصوصيات الزوجين ..
أما في هذا في العدد سنعرض مشكلة أخرى لا تقل أهمية عنها بسبب شيوعها وخطورتها ومآلتها ألا وهي مشكلة «الانفاق».
نستهل هذا الاستطلاع ببعض القضايا من واقع ملفات الدعاوى، والأحكام القضائية التي تصدتْ لها دوائر الأحوال الشخصية في المحاكم الليبية.
ففي القضية الأولى التي اقامتها )ن .أ .م( ضد زوجها طالبة فيها التطليق للضرر الواقع منه عليها، وكان من بين ما ادعته الاساءة اللفظية، والاعتداء وعدم الانفاق؛ وقد قضى فيها بتطليقها من زوجها لاستحالة دوام العشرة واسقاط كافة حقوقها، والمحكمة سببت حكمها بعجزها عن اثبات دعواها فيما يخص واقعة الاساءة والاعتداء .. أما بالنسبة لادعائها بعدم الانفاق؛ فالمحكمة رأت أن هذا الادعاء لا يصلح في دعاوى التطليق للضرر لأن القانون وضع طريقًا آخر لطلب انهاء العلاقة الزوجية في مثل هذا الادعاء وهو )التطليق لعدم الانفاق(.
وفي دعوى أخرى أقامها )م.م.ب( معترضًا على الأمر الولائي الذي أصدرته زوجته ضده وطالب بوقفه والغاءه والمحكمة قضت له بذلك بعد أن تبين لها انه مازال يقيم معها في بيت الزوجية، لأن في مثل هذه الحال فالقول يميل للزوج بشأن قيامه بالانفاق من عدمه.
وفي دعوى أخرى أقامتها الأخت
)ك.م.م( ضد زوجها طالبةً فيها تطليقها منه للضرر، ومن بين ما أسستْ دعواها عليه هو شح انفاق زوجها عليها، وعلى أبنائها منه.
المحكمة بعد أن فرغتْ من نظر الدعوى قضتْ بتطليقها منه لا لشح انفاقه بل لسوء معاملته لها .. أما ما ذكرته من شح الانفاق؛ فالمحكمة التفتت عنه مسببة ذلك أن الانفاق الواجب قانونًا على الزوج هو ما يتحقق معه مقومات الحياة الكريمة من مأكل، وملبس ومسكن، وعلاج وغيره،أما الادعاء بعدم تناسب هذا الانفاق مع دخل الزوج فلا أساس قانوني له.
من هنا عزيزي القارئ يتضح لكَ أن الكثير التبس عليهم الأمر في عدم فهم المقصود قانونًا من الانفاق، ومتى يصح الادعاء به أمام القضاء؟؛ والطريق القانوني السليم الذي يسلكه المتقاضي للوصول للغاية المرجوة؛ الأمر الذي يقودنا لعرض هذه المسألة في سياقها القانوني.
الرأي القانوني نصتْ المادة )22( من القانون رقم )10( لسنة 1984 بشأن أحكام الزواج والطلاق وآثارهما )تشمل النفقة المسكن والطعام والكسوة والعلاج وكل ما به مقومات الحياة( ونصتْ المادة )17( من القانون ذاته.
)حقوق الزوجة على زوجها يحق للزوجة على زوجها: النفقة وتوابعها في حدود يسر الزوج واستطاعته طبقاً لأحكام هذا القانون(.
ومن هنا يتضح لكَ عزيزي القارئ أن التزام الزوج بالانفاق هو التزامٌ قانوني، وشرعي لا جدال فيه إلا أن كيفية الانفاق ومعيار تحديده هو ما يكون محلاً للفهم الخاطيء للبعض فحق الزوجة في النفقة على زوجها لا تعني في حال من الاحوال اقتسام ماله معه إنما يقتصر على توفير متطلبات الحياة الأساسية والمقومات الضرورية لها كما أن القانون قد نظم مسألة طلب التطليق لعدم الانفاق والذي ورد بنص المادة )41( من القانون سالف الذكر وقد وضع جملة من الاشتراطات لا يصح تطليق الزوجة من زوجها إلا بتوافرها؛ منها ضرب أجلا للزوج قبل القضاء بتطليق زوجته منه، وكذلك يشترط في هذا النوع من التطليق أن لا يكون الزوج معسرًا وأن لا يكون الاعسار قد طرأ بعد الزواج أو علمت به الزوجة وارتضت به ولذلك وعمليًا لا نكاد نرى مثل هذه الدعاوى في دوائر الاحوال الشخصية وذلك لصعوبة اثبات الادعاء فيها من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الزوج يتسطيع التملص منها بأن يتعهد بالانفاق مثلاً في الأجل المحدد له من المحكمة إنما يكون هذا الادعاء من بين ما تدعيه الزوجة عند طلبها التطليق للضرر من زوجه.ا