الرئيسيةثقافة

المجندون إجباريًا في عهد الاحتلال الإيطالي

إشراف: سميرة البوزيدي

 

غريبٌ هو الإنسان أحيانًا لايبالي أن يضحي بكل ما يملك من روحه وعافيته وماله إن اقتنع بقضيته التي يسير في دربها أو أحس بسياط الظلم تلهب قلبه وتترك آثارها شاهدة بندوبها العميقة ولكن من المؤلم أن يسلب الأنسان روحه وعافيته قهرًا لا بل ويجبر على أن يقاتل في صفوف أمة غزتْ وطنه وشردتْ بني قومه وذهبتْ في التنكيل بهم كل مذهب رغم كل ذلك يساق لأن يقتل أو يقتل أحلاهما مر فهو خاسر على كلا الحالين فـ(من يخض على أرض أجنبية معركة ليست معركته وليست من أجل عائلته أو شرف وطنه فعندما يحتضر بفعل رصاصه من عدو غاضب لا يمكنه أن يقول أوه يابلادي العزيزة هاهي الحياة التي اعطيتها ليَّ وها أنا أعود إليك لأن هذا الشخص يموت مرتين ويذهب إلى جحيم أبدي) .. رواية المجند

كتب/ المحرر

هذا كان حال المجندين الليبيين الذين جندتهم إيطاليا ابان الحقبة الاستعماريه المقيته المظلمة فتركت نقطة سوداء في الذاكرة الوطنية الليبية لا تزال تتناقلها الاجيال، فقد حفلت بالكثير  من الصور المؤلمة والفاجعات المقيته فكانت من اشدهن قسوة تجنيد الشباب الليبيين قسرا والتوجه بهم للقتال في بلاد الحبشه (بر الحبش) كما يسمى في الذاكرة الشعبية فقد انطبعت في ضمير الليبيين (وظلت الحرب عائشة في روايات المعاصرين الذين هرموا ثم ماتوا وفي قصائد الشعر الحزينة التي تعتني حياه الليبيين دائما لما خلد موسيليني ذكرى فوزه وعندما نقش جنوده له تمثالا في احد الجبال في عدوة شمال الحبشه عادوا دون نقش او اي شيء يذكر وظلوا ينظر اليهم بانهم مجرد مجندين وسبايس مع الطليان لا غير بعد عودتهم المحزنه في نوفمبر 1936) فقد كان حديث المجندين يشغل بال الناس ويقلقهم المصير المجهول الذي ينتظر احبائهمالذين اختلستهم مخالب الغدر من بين ايديهم ففاضت قرائح الشعراء بقصائد تقطر الما واسى  كتلك المرأة التي تتوجع على زوجها الذي لم يمض شهر على زواجهما واختطفه منها المحتلون ليقدموه قربا نا ليشتروا به مجد موسوليني تقول تلك المرأة: صغير حبيبي كيف خط الشارب** رفعوه لبر الحبش يحارب

أي أن زوجها الذي تحبه لا يزال في مقتبل عمره حتى أن شاربه لم يكتمل نموه وهي تتحسر وتردَّد هذا البيت بحرقة ودموع حارة.

ويقول آخر وهو يتفجع على مراتع صباه وأرضه التي أحبها: تركناه وطن العز موش بصاره

بعد وطنا وشط النخل وزواره .

ويروي النَّاس قصص معاناة المجندين والأهوال التي عاشوها وكذلك تناولتها بعض أقلام الكتَّاب وإن كانت على قلة حيث سجلوا بعضًا مما يتعلق بمأساة التجنيد وبواعثها واثارها في بعض المقالات التي تناول فيها من كتبها شيئا من جوانب الموضوع المتشعبه، ومن فظائع الاحتلال الايطالي انه اتى بفرق من الصومال مدربه ومسلحه تسليحًا جيدًا وباعداد كبيره ليتم بهم عمليه القضاء على المقاومه والسيطرة على كامل الاراضي الليبيه حيث اطلق لهم العنان في فعل ما يحلو لهم فارتكبوا فظائعه تشيب لها الرؤوس وكانوا قساة لا تعرف الرحمة طريقًا لقلوبهم (ولم ينسَ الليبيون قط ما فعله ذلك الجندي الاسود الذي عرفوه باسم مصوعي وعرفوا أنه جاء من أفريقيا من مكان ما بين مصاغه في السودان وبين مدغشقر هذه النقطة بالذات هي التي سوف يحسن «جراتسياني» استغلالها عندما يجهز وحداته الليبية لغزو اثيوبيا، فما دام لا أحد يعرف من أين جاء المصوعي على وجه الضبط؛ فلماذا لا تستغل الدعاية الايطالية لهذه الفرصه وتقول لليبيين انه جاء من الحبشة وأن الدوتشي سيحملهم إلى هناك لاخذ ثأرهم القديم والانتقام لأيام الذل تحت نعلي العبد الأسود كانت كذبة كريهة وكان «جراتسياني» يعرف انه يكذب وان اثيوبيا لم ترسل جنديًا واحدًا إلى ليبيا، ولم تشارك في غزوها على اي نحو لكنه كان يعرف ايضا انه يتعامل مع شعب أمي جاهل يمكن اقناعه بأي شيء) ثم ها هي تستخدم نفس اللعبه القذره حيث تعبث بالجغرافيا والتاريخ والبشر وتقلب الحقائق وتعاديهن جميعا وليس لها مطية غير الكذب واستغفال الشعوب المقهورة واستثمار احقادها التي صنعتها هي وكانت هي سببها الرئيس.لجانب من المعاناة.

(الحاج إبراهيم من الذين أخذهم الإيطاليون عنوة للقتال في اثيوبيا واريتريا الرحلة عبر البحر كانت المعاناة التي مات فيها كثير فالغذاء لا يشبع والماء لا يروي شربوا العطش واكلوا الجوع الامراض التي تعزف الانين والهزال الذي كتب النهاية لكثير من الشباب المكتظ فوق سطح السفينة؛ يعدَّد الحاج إبراهيم أسماء رفاقه الذين تخطفهم الموت في عرض البحر وهم في طريق القتال إلى الحبشة من اجل ايطاليا؛ زميله مفتاح الذي رافقه من قريته في شاحنة إيطالية من الجنوب إلى طرابلس لا يتوقف عن قراءة القرآن والصلاة والدعاء جرى تجميعهم في معسكر خارج طرابلس وبدأ تدريبهم على القتال كان الآمر الضابط الايطالي «انطونيو »والمترجم ليبي اسمه مفتاح ايضا لكنه غير مفتاح المجند قسرًا الفقيه المتدين القارئ للقرآن كان في غاية العنف والبذاءة علموا من أحد المجندين أنهم سيذهبون الى بلاد اسمها الحبشه للقتال مع الجيش الايطالي بلاد لم يسمعوا اسمها من قبل كان هم الفقيه الشاب المجند شيئًا واحدًا حرمه من النَّوم وحول الهم إلى جبل من القلق والتوتر كان سؤاله للجميع هل بالحبشه مسلمون سنقاتلهم ونحن في صف الايطاليين الكفار؟ لم يجد الفقيه الشاب جوابًا مما زاد المهة وقلقة وهناك تم توزيعهم في معسكرات صغيره بائسه . وشرع الجنود الايطاليون في توزيع السلاح عليهم من بعد نقلوا الى جبهات القتالركان موقع الحاج ابراهيم بمنطقه جبلية وعرة في اول عملية هجوم على المقاتلين الاحباش مات الفقيه مفتاح ومعه مجموعه كبيره من المجندين الليبيين) لقد كانت رحله شاقه وحزينه ونحن لم نألف ركوب البحر من قبل وبدأ الجنود الليبيون في حالة من الذهول والدوار والسهر والخوف من المصير المجهول (مجند ليبي).

عندما اتتنا الاوامر بعبور واد موحل اطلقنا عليه نحن الليبيين وادي (اللبز) وكان عبوره متعب جدا فخطرت للايطاليين فكرة كانت وبالا علينا حيث اخذوا معظم حصتنا من اشولة الدقيق واخذوا يرمونها في الوادي لكي تكون طريقا يمشون عليها فكانت نتيجة ذلك الجوع الذي قاسيناه (مجند ليبي).

 وفي النهايه مات من مات وأسر من أسر ورجع من بقي على قيد الحياة يتجرع الغصص وتؤلمه تلك المشاهد التي احدثت خدوشا في أعماق نفسه ليبقى شاهدا يروي مراره وبشاعته ودناءة الاستعمار وما لقيه هذا الشعب البسيط الاعزل آنذاك ورحل الاستعمار الايطالي غير مأسوف عليه وقد حمد الله لذلك الليبيون بل وحتى غير الليبيين فها هو الاديب والدبلوماسي المصري يحيى حقي يحدثنا فيقول: ( وكنتُ اجوس خلال ليبيا حين ذهبتُ اليها سنه 1953 وانا ارفع كفي ووجهي للسماء شكرًا لله على خلاصها من حكم موسوليني الذي لو طال بها قليلا لأفنى شعبها الباسل كله).هذه الكلمات ادق تصوير عن تعاطف ومشاعر كل العرب والمسلمين مع اخوتهم الليبيين وتعاطيهم مع القضيه الليبية ومتابعتها وتصوير ما لقيه الشعب الليبي من بطش وعصف وهذه كلمات شخص قرأ وسمع عن تلك المعاناه فكيف بمن راى وعاش بالطبع كان امرا قاسيا وليس من راى كمن سمع ونحن نقول كذلك لنا في التاريخ عبره حفظ الله بلادنا من كل شر.

 

المراجع:

ليبيا والحبشة وآلاف القتلى/ مقال صادق النيهوم

الليبيون في الحبشة/ مقال سالم الكبتي

الدم الليبي التائه في الصحارى والتاريخ/مقال عبد الرحمن شلقم

رواية المجند/ للاريتري غيبريسوس هايلو

صفحات من تاريخ مصر/ يحيى حقي

ذكريات مؤلمة لبعض المجندين الليبيين في الحبشة مخطوط / مصطفى كمال سلام

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى