الاولىالرئيسيةتقاريرملف

حصـــــاد  الأسئلـــــــة

 

قد يتساءل البعضُ )مواطنون، ومثقفون، وكتَّاب، وخبراء السياسة( : هل يمكن القول بعد مرور ثلاث عشرة سنة على الانتفاضة أن فبراير اخفقت بالمطلق ؟! الاجابة بـ«نعم» تعني اجحافًا في حق الحلم الذي راود الليبيين جميعًا؛ وهو الحصول على حياة سياسية سوية شعارها التبادل السلمي على السلطة، والاجابة بـ«لا» تقتضي اثباتًا واقعيًا يقارب «الحلم»، والحقيقة أن ملامحه لم تتكون بعد بين «لا» و«نعم» تتأرجح الفزورة الليبية، وقبل كل ذلك يمكن القول إن فرن التحوَّل الليبي يعزيه نسبيًا فرن تحولات كبرى شهدتها دول عديدة على سطح المستديرة احترقت بنار الحربين العالميتين واضحى التخلفُ بالنسبة لها الآن من الماضي، قد نستذكر من التاريخ ما دونه كتَّاب عاصروا تلك الحقبة، فمثلاً يشير )ستيفان زفايج( في مؤلفه «عالم الأمس» كيف شردتْ الحربُ الملايين من النَّاس في أوروبا مطلع القرن الماضي، وفي النمسا تحديدًا أنشب الفقرُ مخالبه بقوة، وباع الناس أثاث البيوت لكنهم ظلوا متمسكين بالأمل، يتسلحون بالقراءة وشغف المعرفة متعالين على آلامهم يستمعون للموسيقى ويذهبون إلى دور «الأوبرا» في رغبة عجيبة على البقاء .. ومن جانب آخر يذكر )زافايج( ما حل بألمانيا من انهيار اقتصادي حتى أنك تحتاج إلى مبلغ وقدره  من العُملة الألمانية «الروبل» لا لشراء سيارة، بل لقراءة جريدة، وتدخين سيجارة، أيضًا انهيار العُملة الألمانية جعل المتقاعدين من الإنجليز، وأصحاب الإعانات الضمانية يستفيدون من فرق العُملة، ويسكنون في افخم الفنادق الألمانية، ولكَ أن تتخيل بالمقارنة بين ألمانيا الأمس واليوم، بين السقوط والنهوض، بين الاحباط وقوة الارادة، وهو ما ترجمه إلى وقت قريب «الروانديون» بعد اقتتال أهلي راح ضحيته أكثر من 800 مواطن، ناهيك عن تدمير البنية التحتية، وارتهان القرار السياسي إلى دول خارجية، إلا أن الصحوة الوطنية، والرغبة الرواندية في التخلص من وحل الدماء قاد البلد إلى مصالحة شاملة طوتْ بها أطرافُ النزاع خمس عشرة سنة من المذابح، وتصبح العاصمة الرواندية اليوم قطعة من باريس كما يصفها أحد الصحفيين .

إن الاستدلال بالأحداث الماضية ومنعطفاتها  محطة معرفية  يفترض أن يتوقف عندها الليبيون لسببين أولهما استلهام روح الأمل وإدراك أن التغيير في اعمار الدول والشعوب يستلزم الكثير من الصبر دون أن يعني ذلك المفهوم العبثي للانتظار  فالتغيير أولا وأخيرا مشروط بالوعي والعمل، والسبب الثاني محاولة الانتباه الى موضع القصور والاخفاق ومواجهتها والاعتراف بوجودها، وهنا علينا الوقوف أمام المرآة  لمعرفة المكاسب والخسائر، ومحاولة الاجابة كيف ولما حدث ذلك ؟!.

مسار الانقسام

رغم انتظار تجاوز العقد ، بقيت أحلام الغد وثبة أمل لم تكتمل، لكن الأحلام لا تصنعها التمنيات و اكتمال الوثبة مرهون بمعطيات التغيير التي لازلنا ننشدها، ربما تكونت ملامحها على استحياء ضمن فورات المخاض الليبي عبر مراحله السابقة لكنها سرعان ما تلاشت بسبب الهزات المتكررة التي تعرض لها المشهد الليبي في أبعاده السياسية والاقتصادية ، وبقيت تلك المحطات كفرص ضائعة وجب النظر في خلفياتها ومسببات التفريط  .

تكفل الاعلان الدستوري الصادر سنة2011 بوضع تصور لجملة القوانين المنظمة لسيرة عمل  السلطة التنفيذية آنذاك كما تضمنت بنوده الحقوق السياسية والاجتماعية والصحية والثقافية للمواطن، إلا أن الإعلان الدستوري ظل كحالة مؤقته كما باقي الحكومات المتعاقبة، وسنتعرف على كم الحقوق الغائبة الآن بسبب الانقسام والحروب والفوضى اذا ما انتقينا بعض بنوده، على سبيل المثال في مادته الاربعة «تعمـل الدولة على إقامة نظام سيـاسي ديمقراطي مبني على التَّعددية السِّياسية والحـزبية، وذلك بهدف التداول» ، للأسف اجهضت العملية السياسية، ولم يتحقق التداول السلمي على السلطة ، ما الذي حدث ؟.

انتخب الليبيون في 2012 المؤتمر الوطني بعد توقف انتخابي امتد لأربعة عقود ، انتج سلطة تنفيذية من 24 وزير برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب كأول حكومة منتخبة بعد 2011، وجدت حكومة الكيب نفسها أمام تحديات جسام، كانتشار السلاح، وبنية الجيش المفككة، وتضرر العديد من القطاعات بسبب الاشتباكات، أيضا المقار الحكومية كانت مشغولة من قبل المجموعات المسلحة، ايضا هناك مفهوم غائب لدى المواطن وهو أنه عنصر مهم في عملية الاستقرار، ووعيه بإعطاء الفرصة للسلطة لإنجاز مستحقات المرحلة، إلا أن تلهف المواطن على جني ثمار التغيير سبقت التغيير بمراحل  حيث غصت طرابلس العاصمة بالاعتصامات، بمبرر ودونه كل قطاع قذف بمشكلاته أمام الحكومة الوليدة وكأنها تملك المصباح السحري .

تداخل الاختصاصات

في المقابل مضتْ الحكومة على وقع حاول امتصاص هذا الفوران، وعدَّدت في تقرير لها بعض ما انجزته متخذة مسلك الحوار كما وصفه الدكتور الكيب في تقرير نهاية مهمتها بالخصوص حتى لا تدخل البلاد في الفوضى وتتأجل الانتخابات وندخل في نفق مظلم.

وأضاف الكيب أن من بين الصعوبات التي واجهت حكومته هي هبوط إنتاج النفط ما أدى إلى عدم توفر السيولة المالية الكافية لتغطية نفقاتها، كذلك تداخل الاختصاصات بين المجلس الوطني والحكومة الأمر الذي انعكس على ادائها وقلل من فرص حلحلتها للعديد من المشكلات.ومن جانب آخر رأى الكيب أن حكومته حققت بعض الأعمال في مجال  البنية التحتية والصحة ..الخ في مقابل انتقاد المواطن لأداء الحكومة والنهاية متروكة لشهادة التاريخ عن الاخفاق والنجاح .

الاستشهاد بشواهد التاريخ ومنطلقاته محطة معرفية يفترض أن يتوقف عندها الليبون

إلى ذلك تسلمت حكومة علي زيدان تركة حكومة الكيب في نهاية أكتوبر 2012 لمدة سنتين وفي منظورها أيضا تحقيق ما عجزت عنه سابقتها , لكن سخونة  الفرن الليبي لم تدع الرياح تأتي بما تشتهي السفن، أولى هذه المعضلات قانون العزل السياسي في الخامس الخامس من مايو 2013 والذي يضبط الوظائف والمسؤوليات التي يمنع من تولى مناصب قيادية في عهد النظام السابق توليها في الدولة الجديدة لمدة عشر سنوات , فهو يضع بين قوسيه اعلى منصب وهو رئيس الدولة وانتهاء بمدير ادارة وطال القانون وفق هذا الاعتبار العديد من القيادات السياسية في فبراير منهم رئيس الوزراء علي زيدان ومحمود جبريل ورئيس المؤتمر الوطني محمد المقريف.

انتقد العديد من النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي وحتى مندوبية الامم المتحدة ممثلة في طارق متري هذا الاجراء لكونه يحد من عملية الاستفادة من الكوادر الجيدة خصوصا في الوظائف الوسطى وأن ذلك يمثل استبعادا مجحفًا في حقها، يحدث ذلك والبلاد في مرحلة العبور من الفوضى إلى النظام، وهي تتطلب حشد كل المهارات الممكنة لتقوية مركز الادارات والمؤسسات الحيوية، إلا أن المطالبات ذهبت ادراج الرياح، في حين صوت البرلمان بتعليق العمل بهذا القانون حتى أصدار دستور دائم.

في تتابع لمسلسل الارباك الليبي  ألقت أزمة إغلاق الموانئ النفطية بظلالها على حكومته، وتطايرت تهم الفساد هنا وهناك اضافة إلى صراع المجموعات المسلحة بين حين وآخر حتى انتهى به الأمر إلى اختطافه  ثم مغادرته ليبيا، وكان« المؤتمر الوطني» قد حجب الثقة من حكومة علي زيدان بـ)124( صوتًا وتكليف وزير دفاعه عبدالله الثني بتسيير الأعمال لمدة أسبوعين، ونفى زيدان في أول تصريح له على وسائل الإعلام قانونية سحب الثقة كذلك تكذيب تهم الفساد على حكومته .

لا تفوتنا الإشارة هنا إلى أن زيدان يباشر عمله من طرابلس في وجود جسمين سياسيين «البرلمان»في الشرق، و«المؤتمر الوطني»في طرابلس، بعد أن حدث شرخٌ في عملية الانتقال السلمي للسلطة .

تذويب الجليد

الأحلام  الانتصــار الأمنيات  والتغييــر مرهون  بالفعل

الحديث عن سلسلة الانتقالات الدراماتيكية للحكومات بشكل مختزل يبقى مجرد اشارة لقمة جبل الجليد، ففي 11 مارس 2014 أدى  عبدالله الثني وزير دفاع حكومة علي زيدان اليمين القانونية  رئيساً مؤقتاً لحين انتخاب رئيس وزراء دائم وذلك خلفا لعلي زيدان الذي سحبت منه الثقة، وفي سبتمبر من العام ذاته تم  تجديد ولاية الثني بتصويت من البرلمان في طبرق وتكليفه بتشكيل حكومة في الشرق بعد أن حدثت اشتباكات مسلحة بالعاصمة صاعدت الخلاف بين مجلس الدولة والبرلمان، ومن ضمن فترة ولاية الثني التي استمرت سبع سنوات  تكوين حكومة موازية لها في طرابلس برئاسة عمر الحاسي، لتدخل ليبيا في نفق آخر وممر مظلم  اسمه «الحكومات الموازية»

بذل المجتمع الدولى جهودًا لرأب الصدع بين الاخوة وجرت مفاوضات عديدة هنا وهناك تمخض عنها في النهاية حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في 17ديسمبر 2015على خلفية  اتفاق الاطراف الليبي في مدينة الصخيرات بالمغرب، لكن عثرات الماضي ظلت كابوسًًا يؤرق الجميع مضاف إليها وباء آخر «داعش».

على خلفية احتدام الصراع على السلطة بين الاطراف الليبية، حدث أن تمدد الظلام في غفلة الجميع، مستفيدًا من الفراغ؛ حيث سيطر تنظيم الدولة) داعش( على مدينة سرت اضافة الى درنة وبنغازي  إلا أن مقاومته في سرت على يد قوات «البنيان المرصوص» أدت الى هزيمته واجتثاثه من المدينة، كذلك الحال في درنة على يد قوات المنطقة الشرقية وتواصل في المقابل محاولات تذويب الجليد بين أطراف النزاع، واختيرت غدامس مكاناً لانعقاد المؤتمر الوطني الليبي الجامع 2019، إلا أن المسار السياسي قوض مرة أخرى بالحرب على العاصمة وكانت العودة مرة أخرى الى نقطة الصفر، حيث تجددت الجهود الأممية مرة أخرى لتقليص الفجوة بين الفرقاء حتى كانت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة السيد عبدالحميد الدبيبة، والتي ارتأت كسر حاجز الجمود في الاتجاه افقياً والاشتغال على مشروعات البنية التحتية تحت عنوان: )عودة الحياة( .

الليبيون وهم يستذكرون عنفوان المراحل منذ بداياتها ينتظرون في المقابل خيط أمل قد يلوح في الافق البعيد، وليقينهم أن هذه الدوامة من الازمات ستزول وتبقى ليبيا في النهاية العنوان  الجامع، كما أن كل الحروب، والصراعات تنتهي بمجرد أن يستشعر كل منا خطرًا يتهدَّد الآخر، ولا بد من الوصول إلى جوهر البصيرة التي تحدث عنها الروائي «روجيه ساراماجو» في روايته )البصيرة(، وقصد فيها أن البحث عن الحلول وفهم الازمات يبدأ من اليقين الداخلي للإنسان رغم صراع وتطاحن أحزاب اليمين واليسار والوسط، وكذا النَّاس في المدينة المتخيلة لم يجدوا إلا نداء العقل لحلحلة أزمتهم السياسية، وكان على التمثال الذي جسد هذه الحكاية وهو سيدة تمسك بدورق والذي يفترض خروج الماء منه إلا أن تردي الأوضاع أدى إلى اهمال الحديقة، وبقيتْ السيدة ودورقها في انتظار الماء كرمز لانتظار الحياة، في المقابل على سيدة جميلة اسمها «ليبيا» انتظار مياه الاستقرار التي ستأتي يومًا رغم الألم، ومرارة الثبات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى