رأي

ذكريات عراقية.. لأمين مازن

 

لم أستغرب ما جاء في تعقيبات الذين حضروا الندوة التي انتظمت في الرابع عشر من فبراير بالقبّة الفلكية، حول كتاب الدكتور ظاهر الحسناوي، عن السياسي الليبي محمود المنتصر و دوره تجاه القواعد الأجنبية، الصادرعن دار الرواد في إطار مناشط الجمعية الليبية للآداب و الفنون، و بالذات السؤال المحوري الذي تناوله أكثر من متدخل عن جدوى الدراسات التاريخية التي ينجزها غير الليبيين عن التاريخ الليبي، مادامت المراجع كافة ليبية و ما من جديد في هذه الدراسات «على حد قول هؤلاء المتدخلين».

فقد سبق لي الوقوع في ذات الإشكال في السنوات الأخيرة من ستينيات القرن الماضي عندما نشر الدكتور عبد القادر القط على صفحات جريدة الحقيقة و هو يحلُّ بالجامعة الليبية في بنغازي انطلاقاً من النصوص المحفوظة بمجلة ليبيا المصورة، تلك التي اغتالها أحد الباحثين الليبيين بعد أن فرغ من كتابة العديد من أعماله الرائدة، فارتكبتُ يومئذ خطيئة التقليل من دور كتابات الدكتور وهبي البوري المبكرة من مرجعيات الأجيال الجديدة باعتبارها نصوصاً لم نطّلع عليها و لم نستفد منها!، إذ لم أُدرك أن عدم الإطلاع حُجة على من لم يقرأ و ليست له، فقد فاتني أن نصوص الواقعية الإشتراكية التي اعتبرتها البداية و شجعني على ذلك غيري، لا تلغي بداية من سبق و بالذات كتابات البوري المبكرة. صحيح أنني صححت هذا الخطأ حين لم أكتف بالكتابة، بل ذهبتُ إلى تبنّي واجب إنصاف الرجل بوضعه على رأس من رُشِّحوا لوسام الريادة و إن تأخر القبول عن ذات السنة، و تشرفت بإلقاء رأي في حضوره و تلقيت منه رسالة شكر اعتبرتها أنفس ما توصلت به في حينها.

لقد توالت بعد ذلك التاريخ أحداث كثيرة و صوَّبتُ بشأنها ما استطعت، غير أن الذي لا شك فيه هو أن تراكم الصواب و الخطأ وحده الذي يثري الحياة و يدفع بها نحو الازدهار، فلو لم يتوفر هذا الباحث المثابر على سعة الأفق و خليقة التدقيق، لما خرج بهذا البحث الأكاديمي المكتمل ليَنظَم إلى الدراسات الرائدة و القادرة على جلب كثير المتخصصين و التي لا غنى عنها لكل من يُحسِن الاستفادة من هذا الكم الهائل من المراجع المحلية و الأجنبية، و ما ذلك إلا لأن مسيرة العلم كانت هكذا منذ بداية النهضة التي قام بها الذين تألقوا في القرن الماضي مستفيدين من المستشرقين، أولئك الذين لم يكن لهم من مراجع سوى كُتب الطبري و ابن الأثير و القُرطبي، عندما استوعبوها و أحسنوا استثمارها فأجبروا الجميع على قراءة آثارهم تأكيداً أو رفضا، و لماذا نذهب بعيداً و نترك ما امتلأت به مدوتنا التاريخية من جهود الرمز الكبير خليفة التليسي عندما أجاد استنطاق المصادر الإيطالية فخرج منها بما أهَّلَهُ لنيل الكثير من الشهادات التي اعتُبِرَت فخراً لجيل كامل و ما تزال صالحة لإثارة الكثير من الحوار البنّاء. و أنهي فأقول لقد ذكّرنا هذا الباحث بعديد الأسماء العراقية الكريمة التي لم تتأخر عن المشاركة طيلة وجودها و تشهد كلياتنا الجامعية بما أشرفوا عليه، نذكر مع حفظ الألقاب عبد الإله الصايغ وعبد الله إبراهيم و فاضل ثامر و سعيد الغانمي و صالح هويدي و ميثم الجنابي، و القائمة تطول. لهم و لغيرهم أطيب التحيات و وافر الاحترام و عظيم المعَزَّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى