رأي

عبد المجيد كعبار، للكاتب الليبي: أمين مازن

 

 

ترأس السيد عبد المجيد كعبار أول مجلس لنواب ليبيا جرى انتخابه عقب قيام دولة الإستقلال مباشرة في مطلع العام الثاني و الخمسين من القرن الماضي عن الدائرة الإنتخابية غريان مسقط رأس السيد عبد المجيد و والده و أعمامه، و بها أقدم الإيطاليون الغزاة على إعدام والده الهادي، عقب محاكمة قدمت مستمسكاً على غدر الإيطاليين و وصفهم بكل ما يشين و يعيب، و لم يكن الإنتخاب الذي أفرز عبد المجيد كعبار هذا بمنجاةٍ من القيل و القال، لا لغياب الأهلية بالنسبة له حين يتم الإحتكام للمكانة الإجتماعية لأسرة كعبار عامة و الهادي على وجه التخصيص و من باب أولى عبد المجيد الذي كان في سن الشباب و دراسة اقتضت التوجه إلى جامعات إيطاليا و كلية الحقوق على وجه التحديد، إلا أن الأخذ بنظام المدن و القرى بما أتاحته المدن بل و فرضته من الاحتكام إلى الصناديق حيث يدلي الناخب بصوته في مكان خاص لا سلطان لأحد عليه باستثناء ضميره، و نظام القرى التي يتولى بواسطته مأمور التسجيل قيد المصوتين بسجل خاص، يمكنه من خلاله  أن يختار الإسم الذي يميل إليه من المرشحين أو يكلفه به أصحاب القرار، و قد كانت غريان في عداد مناطق الريف مما فتح الباب واسعاً للتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، إذ كان الرأي العام بالكامل مُعبأً ضد دولة الإستقلال الموسومة بالرعاية البريطانية و المتجهة مقدماً إلى إبرام المعاهدة التي تسمح بالقواعد في الوقت الذي كانت مصر تخوض معركتها من أجل خروج الإنجليز من مصر، فكان العهد بالكامل أقل من موح عامة الناس، و كان جميع الرموز الذين تقدموا الصفوف موضع ارتياب الجميع، و من بين هؤلاء بالطبع السيد عبد المجيد كعبار الذي ظفر بمقعد غريان في البرلمان لدوراتٍ ثلاث، كان أخرها انتخابات العام 60 التي كان فيها الرجل رئيساً للوزارة و ألغى الانتخاب الريفي بحيث عمّت الصناديق ليبيا كافة ليأتي البرلمان الذي أسقط كعبار للشبهات التي طالت تنفيذ مشروع طريق فزان من طرف شركة السيد عبد الله عابد السنوسي فسحب الثقة من كعبار كرئيس للوزراء في حين تكفّلت الثغرة الدستورية المترتبة على تجاوز عدد سكان دائرة غريان العشرين ألف نسمة المنصوص عليها دستورياً إلى ما يقارب الضعف فتعيَّن إلغاء العملية الانتخابية و إعادة الإحصاء، الأمر الذي ترتب عليه تأجيل الانتخابات لبعض الوقت، إلى أن أُجريَّ تعداد السكان و زيادة عدد أعضا المجالس ما ليس مجاله هنا.

أدرك السيد عبد المجيد أهمية وجود الإدارة المتماسكة في سير أعمال المجلس و حسن أدائه فحرص على إسناد منصب السكرتير العام إلى أكثر الشخصيات الإدارية شهرة في تلك الأيام ،هو الأستاذ المنير برشان، الذي اشتهر قبل مهمته هذه برئاسة تحرير صحيفة طرابلس الغرب الناطقة باسم مكتب المعلومات التابع لسلطة الولاية المؤقتة، و اضطلع عند التحضير لدولة الإستقلال بمهمة السكرتير العام للجمعية الوطنية التي قامت بوضع الدستور و قد ترأسها الشيخ محمد ابو الاسعاد العالم مع وكيلين هما عمر فائق شنيب و ابو بكر احمد، و كان العدد الكلي متكوناً من ستين عضواً مُقسمين بالتساوي على الولايات الثلاث من بينهم الأستاذ برشان و قد كان له دوره الملموس في إحكام صياغة الدستور بتوازن السلطات و ضمان حق المشاركة الشعبية بمعزل عن التغول، و يبدو أن ذلك ما ضمن للسيد كعبار أن يحافظ على مثل هذا المظهر  طوال المدة التي شغل فيها رئاسة المجلس و إلى جانبه الأستاذ المنير إلى أن اختير «أي كعبار» نائباً لرئيس الوزراء و وزيراً للمواصلات، حيث مثلت الطرق الإتحادية و ما استلزمته من تخطيط و تعديل و صون تشغيل اليد العاملة و تدبير المداخيل النقدية للمواطنين، خاصة و أن الجفاف قد طال البلاد من أقصاها إلى أقصاها و اضطرار المواطنين إلى هجر قراهم و الزحف نحو المدينة بما أدى إليه من أحياء الصفيح التي ملأت كل الفراغات على نحوٍ لافت و ظهور علامات الحاجة على الداخلين و الخارجين منها على نحوٍ محزن كان أشهر من أن يُدارى، مما جعل من استحداث ورش الصيانة و مكاتب الطرق و اختيار المناطق التي يُفَضّل منها المكان خدمةً يقابلها المتساكنون حين يسعون إليها و يُستجاب لسعيهم من الأفضال التي لا تُنسى، و ما زلت أذكر على الصعيد الشخصي كيف استجاب هذا الرجل للمقترح الذي قُدم إليه حاملاً الإحاطة الفنية بوجود مكان مناسب ليكون فرعاً لورشة الطرق الاتحادية في منطقة الجفرة و مركزها «هون» كي تكون مقراً للمصلحة المراد تأسيسها، فما كان منه إلا أن أمر بتنفيذ المقترح المُقدَم في الخصوص على الرغم من الاتصالات التي بُذِلَت يومئذ من الجهة المختصة بالطرق في منطقة سبها ليكون التأسيس هناك، فلم يعر السيد كعبار المساعي أي اعتبار، فقد كان و الحق يقال موقفاً مشرفاً  و ذا أثر في حياة المواطنين الذين كانوا في حاجة إلى أي فرصة من الفرص التي تشجع  على البقاء و تقلل من التأثر بمغريات المدينة التي صارت تقوى يوماً بعد يوم، و كانت لاجتهادات حكومة كعبار ما لها من جهد المُقِلِّ في هذا السبيل، و تبقى شهادة الجلسات و إدارتها و نوعية أدائها فلا يصعب على المتأمّل المتخلّص من الحكم المسبق أن يرى في تعليقات الرجل و ردوده على من لا يظهرون القدر الكافي من الود،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى