رأي

هذا ما حدث.. لأمين مازن

 

رحلة قاربت في عمر الزمن نصف قرن كامل، لدكتور على فهمي خشيم أجملها الرجل في عمل ضخم دون فيه تلك الرحلة، مؤكداً في تصديرها أنه في عمله  واعتذاره المقدم لقراء هذا العمل ربما يكون قد نسى أو تناسى بعض الأحداث والأسماء رغم أنه قد عنون عمله الكبير بعبارة « هذا ما حدث» و الذي صدر عن دار «أويا» الليبية

كما تستمد هذه الوقفة  مشروعيتها من مواكبة دؤوبة قوامها الحوار البنّاء منذ أول لقاء جمعنا في صائفة سنة «59» حين كانت معظم العناصر الثقافية والوطنية منشغلة بذلك الانقسام الذي عصف بالشارع العربي عقب الخلاف الحاد بين مصر الناصرية وبغداد التموزية مُثبتة بذلك أن الأقطاب دائما في خلاف سواء كان الحكم بيد مصر الملكية وبغداد الهاشمية أو كانت الثورة تهب في البلدين، تماما مثلما كان الأمر منذ أزمان سحيقة، فالصراع هو الصراع أما العناوين فهي التي تختلف والأطراف دائما هي الضحية.

لقد توالت منذ ذلك الزمن محطات التلاقي والإفتراق بصدد قضايا الفكر والإبداع لتعزز في خضمها دائما أواصر الصلة وتؤكد قسمات المشترك لنجتمع في السبعينات أعضاء في اللجنة التنفيذية لاتحاد الأدباء والكتاب الليبيين التي اضطلعت بقيادة ذلك الاتحاد وسيّرته مجتمعة بحكم القانون، وكنا معا بشكل خاص ضمن الذين داوموا على الإسهام في عمل اللجنة وعلى حمل المسئولية، لتأتي بعد ذلك فترة الرابطة والمجلس القومي للثقافة العربية في حقبة الثمانينات فكانت المشاركات الكثيرة هنا في طرابلس وهناك في بنغازي ومثلها في مصراته وسرت فضلا عن الرباط وأغادير وبغداد ودمشق والكثير من اللجان المختصة بالتأسيس والدراسة، وكان دائما في مقدمة من يتعاون ولاسيما في الفترة التي اضطلعنا فيها بأمانة الرابطة ومن بينها المشاركة في مؤتمر بغداد حيث قَبِلَ السفر رغم المرض الذي أودى بعدئذ بحياة ابن شقيقه وكلها مدونة في الأسفار المحددة لها وفقا للتسلسل الزمني لما مشينا فيه من «مسارب» في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وما تيسّرَ الظفر به من سنوات هذه الحقبة، فلقد اخترنا أسلوب الحديث عن الأحداث في تسلسلها مستبعدين منها السلبي ودونما قفز على الإيجابي، ولكل أسلوبه على كل حال، وليس ثمة من اجتهاد في الممارسة إلا وله إضافاته.

والحق أن ما حمله الكتاب فيه الكثير من المتعة والكثير من الإثارة ويستدعي التوقف عنده نقطة نقطة، وهذه بالطبع شهادة له ونحب لها أن تكون كذلك، لكن عامل الزمن في هذه الندوة سيحدُّ من ذلك لكثرة الأوراق وتعدد الشهادات وبالتالي فإن المضي نحو ما رأيناه في حاجة إلى التدقيق أو الأسئلة أو لفت النظر هو ما سنركز عليه ونرى أن ذلك هو الأبقى والأكثر جدوى لما رمي إليه هذا العمل الكبير.

وبشيء من الإيجاز والتحديد نقول إن الحديث عن بعض الأحداث قد تم في الكتاب على ما يبدو بعقلية اليوم ودون مراعاة لإشتراطات البيئة وظروف المرحلة مثل إشارة الكاتب إلى توقيت بداية الوعي لديه بخروج السيد مصطفى بن حليم من رئاسة الوزارة الليبية في منتصف سنة 57 وهو الذي شهد وجوده في الحكم متغيرات معروفة في بلدة مصراته، تمثلت في عودة الحاج الفيتوري السويحلي من المهجر وهو من هو في مصراته وانتخابه من طرف المجلس التشريعي الطرابلسي عضواً لمجلس الشيوخ ومن ثم وكيلاً له بالرغم من تبنيه للكثير من الأنشطة المعادية للأمير إدريس الذي صار ملكاً وتعيين السيد جمال الدين باشا والياً لطرابلس وهو من هو في قبيلة يِدّر وغيرها من القبائل المصراتية، إلى جانب عودة الشيخ سالم القاضي إلى منصب الوزارة بعد أن ظل مُقصيا بضغط السيد الصديق المنتصر، وقبل ذلك كله المحكمة المعروفة بقضية « قمح الإغاثة» والتي تابعها أهالي مصراته، فكيف يستقيم الحديث عن مشاعر الإرتياح بخروج بن حليم من الوزارة خاصة وأن الكاتب لم يذكر أي مرجع شعبي في الخصوص يمكن أن يكون قد زوده بما كان في حاجة إليه ليكون متميزاً عن ذلك الواقع الذي كنا على صلة به من خلال أهله وأرائهم في رموز المرحلة من رجال مصراتة، ورفضهم الشديد للسيد الصديق المنتصر ومن يسير في ركابه ويرافقه أو يعمل معه، رغم أننا لا نشاركهم ذلك التحامل ولا نرى في أي إنسان الشر كله، غير أن الموقف في مصراتة كان على هذا النحو.

لقد قفز أخونا الكريم على محطة من محطاته المتعلقة بتجربة النشر حين عزا الكتابة في صحيفة الرائد إلى الصلة بالشيخ الطاهر البشتي دون أن يشير إلى أول الطريق المتمثل في الصلة بالمرحوم الأستاذ/ علي بوزقية احد أبرز طلبة مصراتة في دار العلوم وأكثرهم حركة وأوسعهم اتصالاً وهو فيما نعلم قام بالتعريف بكاتبنا لدى المُسَيِّر الفعلي لصحيفة الرائد الأستاذ فاضل المسعودي، ولأول مرة نسمع أن الشيخ الطاهر البشتي يصرف المكافآت للكتاب وبذلك السخاء الذي تحدث عنه لأن مُسَيِّر الجريدة ذاته لا يصل راتبه إلى العشرين جنيه، كما أن مكافآت الإنتاج الأدبي المنشور لم تبدأ في ليبيا سوى في الستينات وما بعدها وبالذات عند تأسيس مجلة الإذاعة وبعدها ليبيا الحديثة، في ستينات القرن الماضي ولا مكان للمقابل قبل هذا التاريخ كما هو معروف. لقد خانت الذاكرة هذا المثقف وهو يسرد تجربته مع أول قضية سياسية دخل أصحابها السجون ونعني بهم أصدقاءنا البعثيين، ابتداءً من المدة التي قضاها وهي التي لم تزد على ستة أسابيع حيث تم الإفراج عنه وشقيقه ومن معهما من طرف قاضي التحقيق طبقاً للوعد الذي قطعه المرحوم جهان الفورتية للخال الحاج محمد بن حميدة وأصدقائه الذين يجالسون «جهان بي» كل يوم تقريبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى